سياسة عربية

جزائريون يقتلون ذئبا ويعلقونه على لوحة انتخابية .. لماذا؟

الأحزاب الموالية للسلطة، لا ترى في عزوف الجزائريين عن الانتخاب مشكلا حقيقيا- ا ف ب
الأحزاب الموالية للسلطة، لا ترى في عزوف الجزائريين عن الانتخاب مشكلا حقيقيا- ا ف ب
قتل مواطنون ببلدية عين البيضاء بمحافظة أم البواقي، شرق الجزائر، ذئبا ثم علقوه أعلى إحدى اللوحات الدعائية الخاصة بالإنتخابات البلدية والولائية التي ستنتظم يوم 23 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، في مشهد صادم يعبر عن مدى سخط قطاع واسع من الجزائريين على الانتخابات والحكومة وعلى واقعهم المعيش.

وشكلت صورة ذئب مقتول وجد، صباح الأحد، معلقا على لوحة دعائية خاصة بأحد المترشحين للانتخابات البلدية بالجزائر مادة دسمة لرواد مواقع التواصل الاجتماعي، على أنها "تعكس بجلاء حجم السخط المتزايد للجزائريين إزاء حكومتهم"، في وقت يعرف مستوى المعيشة تدهورا لافتا منذ إقرار الحكومة خطة تقشف بموجب قانون الموازنة العامة لسنة 2016 على أن يستمر العمل بالقانون، وفقا لتقديرات الحكومة، إلى غاية العام  2019.

وتشهد حملة الدعاية الانتخابية، التي ستنطلق يوم 7 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، عزوفا غير مسبوق من طرف المواطنين، وأوعز العديد من المراقبين أن السبب المباشر لهذا العزوف راجع لغياب ثقة المواطن بالحكومة، ثم بالمترشحين الذين يعيدون، كل خمس سنوات، نفس الوعود الانتخابية دون أن يحققوها.
 
ومن أهم أسباب العزوف عن الانتخاب، أيضا، استفحال ظاهرة الفساد، وشيوع ظاهرة اللاعقاب، بحسب الحقوقيين والنشطاء السياسيين.

وانتشر بالأيام الأخيرة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالجزائر، هاشتاغ "أين ذهبت 1000 مليار دولار؟"، في شكل مطالبات للحكومة بضرورة تقديم الحساب منذ 15 سنة، استهلكت خلالها هذا الغلاف المالي الذي كان من عائدات النفط، دون أثر تنموي بالميدان.

خيبة تتكرر
ويرى المحلل السياسي الجزائري محمد سيدمو أن "عزوف الجزائريين عن كل ما هو سياسي تحول إلى ظاهرة في الجزائر، تعود أسبابها في اعتقادي إلى تراكمات المواعيد الانتخابية السابقة، التي أصابت الجزائريين بالخيبة، نتيجة الحصائل السلبية للمنتخبين وفضائح الفساد التي تلاحقهم"، مضيفا " تحول بعض المنتخبين إلى مرتزقة سياسيين يغيرون في كل مرة أحزابهم وقناعاتهم فقط من أجل الوصول إلى المنصب".
 
ويتابع سيدمو في تصريح لصحيفة "عربي21"، الأحد، "لهذا السبب أصبح المواطن يتعامل بلامبالاة تامة مع الحملات الدعائية الانتخابية، وفي بعض المرات يتطرف إلى الحد الذي يعبث فيه بالملصقات التي يطالها التمزيق وأحيانا التشويه". 

ويعتقد سيدمو أن هذا الواقع "ينطبق على الانتخابات النيابية  التي تفرز البرلمان كما ينطبق أيضا، ولو بدرجة أقل، على الانتخابات المحلية، على اعتبار أن المترشحين للمجالس المحلية هم في أغلبهم من أبناء البلدية أو المدينة وبالتالي هم معروفون بالاسم والعائلة، ويجدون أنصارا لهم ومؤيدين لاعتبارات أخرى غير الأفكار أو البرامج السياسية التي يحملونها".

وينشط قادة أحزاب مشاركة بالانتخابات المحلية، بالجزائر، حملات دعائية لفائدة مرشحيهم بالبلديات والمحافظات، في قاعات فارغة، وكثير منهم فضل الاتصال المباشر مع المواطنين بالشوارع والمقاهي.

ويعتقد سامر حمودي، وهو أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر، أن "عدم اهتمام المواطنين بالانتخابات المحلية، ناجم عن سخطهم من الأحزاب ومرشحيها الذين لا يتواصلون معهم إلا لقضاء مصالحهم الانتخابية".

وأضاف في تصريح لصحيفة "عربي21"، الأحد، "لم توفق الحكومة هذه المرة بدعوتها الجزائريين التوجه إلى صناديق الانتخاب يوم 23 تشرين الثاني/ نوفمبر، وهي التي أقرت قبل أسابيع قليلة فقط زيادات قاسية بأسعار المواد الاستهلاكية كما رفعت أسعار الوقود والكهرباء".

دلالة الذئب؟
واتخذ سامر حمودي من حادثة تعليق جثة ذئب بعد قتله بمحافظة أم البواقي، شرق الجزائر على إحدى لوحات الدعاية الانتخابية، دليلا ماديا يفسر، كما قال، "مدى سخط الجزائريين إزاء الحكومة وإزاء المترشحين للانتخابات"، موضحا أن "من فعل ذلك بالذئب أراد أن يقول إن من  يتوجه للمواطن بدعوته الانتخاب لفائدته ثم يتخلى عنه بمجرد ما يفوز بالانتخابات، لا يختلف عن الذئب في حيلته".

وشكل عزوف الجزائريين عن الانتخابات هاجسا لدى الحكومة التي استعانت بمتعاملي اتصالات الهاتف المحمول، بغرض حث المواطنين على الانتخاب عبر رسائل هاتفية قصيرة.

وتستنجد الحكومة بهذا الأسلوب في كل موعد انتخابي منذ الانتخابات النيابية التي تمت في العاشر من أيار/ مايو العام 2012، والتي شهدت نسبة عزوف قدرت بـ63 بالمائة.

 ولم تتجاوز نسبة مشاركة المواطنين في آخر انتخابات بلدية وولائية (نظمت شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2012) 35 بالمائة، بالرغم من التحسن الطفيف في مستوى معيشة الجزائريين، جراء امتلاء الخزينة العامة بأموال النفط التي شارفت 140 دولارا للبرميل.

غير أن الأحزاب الموالية للسلطة، لا ترى في عزوف الجزائريين عن الانتخاب مشكلا حقيقيا، إذ يعتقد الصديق شهاب، القيادي في التجمع الوطني الديمقراطي، ثاني الأحزاب من حيث الترتيب بالبرلمان الجزائري، أن "العزوف الانتخابي موجود حتى بالبلدان الأوروبية".

وأضاف شهاب في تصريح لصحيفة "عربي21"، الأحد، "هناك خطابا سلبيا وافتراضات غير حقيقية يروج لها بأن الانتخابات ستزور، ولهذا السبب لا يكلف المواطن نفسه عناء التنقل إلى مراكز التصويت، لاعتقاده أن النتيجة محسومة سلفا".

ويشارك في الانتخابات البلدية والولائية ليوم 23 تشرين الثاني / نوفمبر، 53 حزبا، ويدير حزب جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم في البلاد، 952 بلدية من مجموع 1451 بلدية في الجزائر.
التعليقات (0)