هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال موقع "ميدل إيست مونيتور" البريطاني إن سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتية بحث مع الممثل الأمريكي السابق للشرق الأوسط دينيس روس في كيفية معاقبة قطر، بسبب دعمها لحركة مقاطعة إسرائيل المعروفة باسم "بي دي إس".
وأشار الموقع في تقرير كتبه الصحفي "نسيم أحمد" إلى أن الرسائل المسربة من إيميل العتيبة تظهر الخيارات التي تناقش حولها الرجلان لمعاقبة قطر، ومن ضمنها نقل القاعدة الأمريكية من العيديد "لإجبار قطر على تغيير سلوكها".
وأضاف التقرير إن المراسلات بين العتيبة و"روس" تكشف رغبة إماراتية في تطبيع سريع مع إسرائيل، وعلاقات وثيقة مع مؤسسات الضغط التي تعمل لصالح تل أبيب في واشنطن، كما تشير إلى اتفاق الرجلين على القلق من بعض النشاطات القطرية التي تسعى لإدانة إسرائيل في مراكز البحث والتفكير.
وفيما يلي النص الكامل للتقرير، من ترجمة عربي21:
إيميلات مسربة: تريد الإمارات لقطر أن تحاسب على دعمها لحركة بي دي إس
نسيم أحمد
ميدل إيست مونيتور
خلال الشهور التي سبقت فرض الحصار الذي تتزعمه السعودية على قطر، كان كبار الدبلوماسيين الإماراتيين في واشنطن يشعرون بقلق شديد إزاء الدعم الذي تقدمه قطر للحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها والتي تعرف اختصاراً باسم بي دي إس. ويذكر أن الإمارات العربية المتحدة تلعب دوراً ريادياً في الحصار المفروض على جارتها الخليجية.
وقد عبر سفير الإمارات العربية المتحدة في أمريكا يوسف العتيبة عن إحباطه الشديد تجاه القطريين خلال تواصله مع الدبلوماسي الأمريكي السابق دينيس روس، وهذا ما ظهر جلياً في سلسلة من رسائل الإيميل المسربة حصل موقع ميدل إيست مونيتور عليها. اشتهر روس لدى البعض بأنه الحارس الأمين على مصالح إسرائيل. وتشير المراسلات المتبادلة بين الاثنين أنهما تناقشا في إمكانية محاسبة قطر وتداولا فيما وصف بأنه "الغضب الإسرائيلي على قطر بسبب دعمها لحركة المقاطعة الدولية."
يبدو أن قطر أغضبت روس والعتيبة بعد أن نُشر مقال في الصحيفة اليمينية البريطانية ذي تليغراف حول دعم قطر لحركة بي دي إس. وتظهر الرسائل المتبادلة بين الرجلين أنهما نظرا في تشكيلة من الإجراءات العقابية ضد قطر، بما في ذلك نقل القاعدة العسكرية الأمريكية في العديد لإجبار قطر على تغيير سلوكها.
توجد هذه الرسائل المتبادلة ضمن رزمة من الوثائق التي سربتها مجموعة مجهولة تطلق على نفسها اسم "غلوبال ليكس"، كانت قد تمكنت من اختراق البريد الإلكتروني لسفير دولة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن في صيف عام 2016. تكشف مراسلات العتيبة، التي تمتد إلى ما يزيد عن عشرة أعوام، المدى الذي ذهب إليه حكام أبو ظبي لحماية مصالحهم وتقويض أي معارضة تقف في طريقهم داخل المنطقة. وتحتوي هذه الرزمة على آلاف الرسائل الإلكترونية التي تسلط الضوء على التعاملات السرية، وفي بعض الأوقات الشريرة، لدولة الإمارات العربية المتحدة.
تكشف الوثائق عما لدى إمارة أبو ظبي من طموح لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، وعن الوسائل التي تلجأ إليها في سبيل تحقيق ذلك ومنها استخدام ما لديها من نفوذ وعلاقات لزرع الفرقة وإثارة الخلافات بين دول مجلس التعاون الخليجي. ومما يبرز واضحاً في هذه المراسلات الجهود التي تبذلها دولة الإمارات العربية المتحدة لتطبيع علاقاتها مع الإسرائيليين بالإضافة إلى ارتباطاتها المتنامية مع مراكز البحث والتفكير المناصرة لإسرائيل في واشنطن مثل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (إف دي دي). وتكشف المراسلات عن قنوات اتصال خلفية وعن جهود للإمارات تستهدف إخماد الثورات الشعبية التي اندلعت في المنطقة، إضافة إلى الإجراءات الملتوية التي تلجأ إليها لتمويل الدعاية الموجهة والتأثير سراً على السياسة الأمريكية لحملها على اتخاذ مواقف معادية لمنظمات مثل جماعة الإخوان المسلمين.
على الرغم مما تكشفه هذه المراسلات إلا أن العداء الذي تكنه دولة الإمارات العربية المتحدة لحركة بي دي إس قد يكون مفاجئاً للبعض، وخاصة أن دينيس روس يعتبر في أعين كثير من المراقبين أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى إخفاق الولايات المتحدة في لعب دور الوسيط النزيه في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ويقول منتقدوه إنه استخدم موقعه والدور الذي كان مناطاً به كمبعوث أمريكي في تمثيل الموقف الإسرائيلي والدفاع عنه على مسرح السياسة الدولية. فموقفه المناصر لإسرائيل معروف جيداً، وله قول مشهور في هذا المجال نصه "نحتاج لأن نؤازر إسرائيل." كما أن روس صهيوني ملتزم، وينقل عنه أنه خاطب جمهوراً جمع له داخل كنيس يهودي مذكراً إياهم بواجبهم الصهيوني مصراً على أنه "لا ينبغي أن يدافع اليهود عن الفلسطينيين لأننا لا نعيش في إسرائيل، ولن نعاني من عواقب ما قد يصدر عنا من انتقاد لإسرائيل."
تشير الرسائل المسربة إلى أن روس كان يعتبر العتيبة منسجماً معه في الرؤية والفكر، وذلك في الوقت الذي كان السفير الإماراتي يكتسب سمعة بأنه بات واحداً من أكثر المسؤولين الأجانب نفوذاً داخل واشنطن، ولذلك كان من المفيد الحرص على وجوده إلى جانبه كحليف ضد منتقدي إسرائيل.
من النماذج على النشاطات التي أثارت حفيظة الرجلين ذلك المؤتمر الذي نظمه في تونس المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية الذي يتخذ من قطر مقراً له، حيث ناقش المؤتمر الذي انعقد في 2016 "المقاطعة كاستراتيجية ضد الاحتلال والأبارتيد الإسرائيلي: الواقع والتطلعات." وهو المؤتمر الذي وُصفت فيه حركة بي دي إس بأنها "وسيلة لا استغناء عنها في النضال ضد الظلم الإسرائيلي" والذي سعى نحو "فهم أفضل لأهميتها ولأفضل الوسائل التي يمكن من خلالها تعزيزها."
تعرض منظمو المؤتمر لانتقادات لاذعة من الجماعات المؤيدة لإسرائيل، واضطر المركز إلى إصدار بيان يدافع فيه عن برنامج المؤتمر وعن استقلاليته كمؤسسة بحثية. وجاء في البيان: "نعتقد بأن علماء الاجتماع والسياسية لا يسعهم البقاء محايدين عندما يتعلق الأمر بدراسة حقوق الإنسان والديمقراطية وحق تقرير المصير وقضايا التمييز العنصري." وأصر المعهد على أنه حريص على استقلاله ونزاهته الأكاديمية من خلال النأي بنفسه عن تبني أو تمثيل وجهات النظر الخاصة بأي حكومة من الحكومات."
يظهر من الرسائل المتبادلة التي يناقش فيها الرجلان ما جرى في مؤتمر تونس أن روس يقول للعتيبة إنه يتوجب على قطر النأي بنفسها عن مركز الأبحاث الذي يتخذ من الدوحة مقراً له، كما يقترح ممارسة الضغوط على دولة قطر قائلاً: "سوف أبدأ بشكل شخصي خلال الفترة الانتقالية {ربما يقصد الانتقال من فترة أوباما إلى فترة ترامب} لأوضح بأننا ما لم نشهد نأياً رسمياً لا شبهة فيه فسوف نعلن على الملأ اتخاذ كل خطوة معينة." ما من شك في أن ذلك تهديد بالغ الخطورة.
ثم يخبر روس العتيبة في نفس الرسالة أنه عندما كان في البيت الأبيض "دفع" باتجاه اتخاذ الولايات المتحدة خطوات نحو إغلاق القاعدة الأمريكية في العديد من خلال "نقل القوات الجوية التكتيكية خارج قطر." وقصد بذلك بأن التهديد بنقل القاعدة العسكرية ينبغي أن يستخدم وسيلة للضغط على الحكومة القطرية، مؤكداً على أن "وجود القاعدة لا يعني أن بإمكانهم أن يفعلوا الشيء ونقيضه."
وفي رسالة إيميل منفصلة بدا روس متحمساً لهيلاري كلينتون، ربما لأنه كان يفترض أن كلينتون ما كانت لتعطي القطريين "رخصة" ليفعلوا ما يشاؤون. بدا روس متفائلاً بانتصار كلينتون في الانتخابات مشيراً إلى أن الإدارة الجديدة لن تسمح لقطر بأن تفعل ما تريد.
وقبل أربعة أيام من انطلاق الحصار الذي فرضته الإمارات والسعودية على قطر، عبر روس عن نفس العداوة خلال مقابلة مع قناة سكاي العربية، قائلاً: "يبدو أن القطريين يريدون أن تكون لهم الحرية بأن يفعلوا الشيء ونقيضه." واتهم الدوحة بدعم التطرف بينما تحافظ في نفس الوقت على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة.
وتحدث روس عن وجود تناقض في العلاقات الأمريكية القطرية، مشيراً إلى ازدواجية السلوك القطري. ثم أصر على أن إدارة ترامب ستكون أكثر صرامة بهذا الشأن وستحاسب قطر على سياستها الخارجية. وحذر بأنه إذا لزم الأمر فسوف يتم نقل القاعدة العسكرية إذا ما أصرت قطر على تهديد "المصلحة الجماعية."
وفي معرض رده، قال العتيبة إن الرسالة ينبغي أن تصل قطر واضحة لا لبس فيها. وأضاف إن القطريين سيستمرون في الإفلات من المساءلة على سلوكهم ذاك إلى أن يوقفهم أحد عند حدهم.
وقع تبادل هذه الرسائل بين روس والعتيبة فقط قبل أقل من سنة واحدة على فرض الحصار على قطر. ومنذ بدء الحصار في الخامس من يونيو / حزيران من هذا العام، وقع ما يشبه التسونامي من الفضائح المحرجة التي كشفت عن دسائس لم تكف دولة الإمارات العربية المتحدة عن حياكتها للنيل من أي شخص أو أي شيء لا ينسجم مع توجهات المملكة العربية السعودية والإمارات وإسرائيل ومصر بشأن الأوضاع في الشرق الوسط، حتى لو كان ذلك على حساب الاستقرار في المنطقة.
وتشتمل الإيميلات المسربة التي اطلع موقع ميمو عليها على رسائل متبادلة بين العتيبة والدبلوماسي الأمريكي السابق إليوت أبرامز يخلصان فيها إلى أن غزو قطر قد يكون السبيل الأمثل لحل مشاكل جميع الأطراف. ويكشف السفير الإماراتي عن أن ملك السعودية السابق عبد الله بن عبد العزيز كاد أن يفعل شيئاً في قطر قبل شهور قليلة من وفاته في يناير / كانون الثاني 2015.
أجاب أبرامز، الذي بدا بوضوح مندهشاً: "لم أكن أعلم بذلك. خطير فعلاً!" ثم سأل: "ما مدى صعوبة ذلك؟" مشيراً إلى أن عدد سكان قطر من المواطنين يتراوح ما بين 250 إلى 300 ألف نسمة. وأضاف: "أما الأجانب فلن يتدخلوا. فقط تعهد للهنود برفع رواتبهم، وتعهد للشرطة برفع رواتبهم، فمن ذا الذي سيقاتل حتى الموت." وهو بذلك يشير إلى العدد الكبير من العمالة الآسيوية الوافدة في قطر.
أجابه العتيبة باختصار شديد: "تلك كانت الخلاصة. لكانت عملية تغيير سهلة."
بينما تصر الدول الفارضة للحصار على أن تغيير النظام في قطر لم يكن خياراً وارداً على الإطلاق، إلا أن رسائل الإيميل المسربة تؤكد على النقيض من ذلك، كما أنها تكشف عن وجود شبكة كثيفة من الأكاذيب والدعايات تغذيها دائرة متنفذة معادية لقطر داخل واشنطن.
ما كان ليخطر ببال كثير من الناس أن تكون الإمارات العربية المتحدة بهذا المستوى من العداوة تجاه حركة مقاطعة إسرائيل وأن تلجأ إلى استخدام دعم قطر للقضية الفلسطينية مبرراً للإجراءات العقابية التي فرضتها على الدوحة لإجبارها على "تغيير سلوكها". ولكن إذا ما أخذنا بالاعتبار أن دولة الإمارات العربية المتحدة باتت الآن جزءاً من نادي الخواص في واشنطن جنباً إلى جنب مع المجموعات التي تنتمي إلى المحافظين الجدد والجماعات المؤيدة لإسرائيل، فإن بإمكاننا أن نتوقع مزيداً من الفضائح التي تكشف عن سعي الأنظمة العربية إلى تقويض النضال من أجل الحقوق الفلسطينية كلما رأوا في ذلك ما يخدم مصالحهم.