هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بمناسبة مرور مئة عام على صدور وعد بلفور، دعا فيه بريطانيا للتكفير عن ذنبها بسبب وعد بلفور، وما تسبب به هذا الوعد من معاناة للشعب الفلسطيني.
ويقول عباس في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "الكثير من البريطانيين ربما لم يسمعوا باسم وزير الخارجية البريطاني في بداية القرن العشرين سير آرثر جيمس بلفور، إلا أن 12 مليون فلسطيني يعرفون اسمه، وبمناسبة مرور 100 عام على صدور إعلانه فإنه يجب على بريطانيا انتهاز الفرصة لتصحيح الخطأ".
ويضيف عباس: "من على مكتبه في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917 وقع بلفور رسالة، يعد فيها بتقديم أرض فلسطين للفيدرالية الصهيونية، وهي حركة حديثة النشأة، تهدف إلى بناء دولة يهودية، ووعد أرض فلسطين، التي لم تكن ملكه، متجاهلا الحقوق السياسية لمن عاشوا هناك، وبالنسبة للفلسطينيين -شعبي- فإن الأحداث التي تسببت بها هذه الرسالة كانت مدمرة وذات أثر بعيد".
ويتابع الكاتب قائلا إن "السياسة البريطانية لدعم الهجرة اليهودية إلى فلسطين، في الوقت الذي حرمت فيه الفلسطينيين العرب من حق تقرير المصير، خلقت توترا خطيرا بين المهاجرين الأوروبيين اليهود وسكان فلسطين الأصليين، (ولا تزال فلسطين آخر دولة على قائمة التخلص من الاستعمار) ونحن أبناؤها الذين طالبوا بحقهم الثابت في تقرير المصير، عاننينا بدلا من ذلك من كارثة كبيرة (النكبة)".
ويتحدث عباس عن جرائم الصهيونية عام 1948، حيث يقول إنها "قامت بطرد أكثر من 800 ألف رجل وامرأة وطفل من وطنهم، وارتكبت مذابح فظيعة، ودمرت مئات القرى في أثناء ذلك، وكان عمري 13 عاما عندما جرى طردنا من صفد، والمناسبة التي تحتفل بها إسرائيل، بصفتها بداية لولادتها، نقوم بتذكرها نحن الفلسطينيون بصفتها أسود يوم في تاريخنا".
ويقول عباس إن "وعد بلفور ليس أمرا ينساه الفلسطينيون، وعددهم اليوم 12 مليون نسمة، موزعين في أنحاء العالم كله، وأجبر بعضهم على ترك وطنه عام 1948، ويعيش 6 ملايين منهم في الشتات حتى اليوم، ومن استطاع منهم البقاء في بيوتهم، وعددهم حوالي 1.75 مليون نسمة، يعيشون في ظل تمييز ممنهج فيما يطلق عليها دولة إسرائيل، وهناك 2.9 مليون يعيشون في ظل احتلال تعسفي تحول إلى استعمار مع 300 ألف من سكان القدس الأصليين، الذين قاوموا سياسات طردهم من مدينتهم، وهناك مليونان يعيشون في قطاع غزة، الذي تحول إلى سجن مفتوح، وهو عرضة للتدمير المستمر من خلال القوة المفرطة للجيش الإسرائيلي".
ويؤكد رئيس السلطة الفلسطينية أن "وعد بلفور ليس أمرا يمكن الاحتفال به، وبالتأكيد ليس في الوقت الذي لا يزال فيه طرف يعاني من الظلم، فإنشاء وطن لشعب أدى إلى اقتلاع واضطهاد مستمر لشعب آخر، وأدى إلى خلل عميق بين المحتل والشعب الذي فرض عليه الاحتلال، ويجب في هذه الحالة معالجة الخلل، وبريطانيا تتحمل مسؤولية هذا الأمر، ويجب تأجيل الاحتفال عندما يحصل كل واحد في هذه الأرض على الحرية والكرامة والمساواة".
ويشير عباس إلى أن "توقيع الوعد حدث في الماضي ولا يمكن تغييره، لكن يمكن تصحيحه، ويقتضي هذا الأمر تواضعا وشجاعة، ويحتاج للتصالح مع الماضي، والاعتراف بالخطأ، واتخاذ الخطوات الملموسة لتصحيحها".
ويثني عباس على البريطانيين الذين يطالبون حكومتهم باتخاذ خطوات، ويشير إلى 274 نائبا ممن دعوا الحكومة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، والآلاف الذين وقعوا على عريضة تطالب حكومتهم بالاعتذار عن وعد بلفور، وكذلك المنظمات غير الحكومية ومنظمات التضامن، التي خرجت للشوارع ودافعت دون تعب "عن حقوقنا نحن الفلسطينيين".
ويستدرك عباس، قائلا: "رغم ما عاناه الشعب الفلسطيني خلال القرن الماضي، فإنه لا يزال صامدا، فنحن أمة تفتخر بنفسها، ولديها إرث غني وحضارة قديمة، ومهد الديانات الإبراهيمية، وتكيفنا عبر السنين مع الظروف حولنا، وسلسلة الأحداث التي أعقبت عام 1967، وقمنا بتقديم تنازلات مؤلمة من أجل السلام، بدءا من القبول بدولة على نسبة 22% من أراضي فلسطين التاريخية، واعترفنا بدولة إسرائيل دون الحصول على مقابل حتى الآن".
ويلفت رئيس السلطة الفلسطينية إلى أنه "خلال الـ30 عاما الماضية وافقنا على حل الدولتين، الذي أصبح تحقيقه متعسرا مع مرور الوقت، وطالما ظلت إسرائيل تحظى بالاحتفال والمكافأة بدلا من محاسبتها بموجب المعايير الدولية؛ لاستمرارها في انتهاك القانون الدولي بصورة تجعلها غير معنية بإنهاء الاحتلال، وهذا ضيق نظر".
ويختم عباس مقاله بالقول: "على إسرائيل وأصدقائها فهم أن حل الدولتين قد يختفي، إلا أن الشعب الفلسطيني لن يندثر، فإننا سنواصل البحث عن حريتنا، سواء جاءت من حل الدولتين أو من خلال الحقوق المتساوية لمن يعيشون على أرض فلسطين التاريخية كلهم، وحان الوقت لتتخذ بريطانيا خطوات ملموسة باتجاه إنهاء الاحتلال بناء على الأعراف الدولية، بما فيها قرار مجلس الأمن الأخير 2334، والاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بشكل يمكن الشعب الفلسطيني من الحصول على حقوقه السياسية، وعندما يتم رفع الظلم فسنحصل على الظروف لتحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط من أجل الفلسطينيين والإسرائيليين والمنطقة بشكل عام".