هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثارت الصور التي ظهرت ببيان المتحدث العسكري للجيش المصري العقيد "تامر الرفاعي" وقيل إنها تعود لمن أسماهم "إرهابيين تم تصفيتهم"، العديد من ردود الفعل والغضب بعدما تبين أنهم "معتقلون ومختفون قسريا" وفق ما أعلنه ذووهم.
وفتح بيان الجيش الباب واسعا حول ملف المعتقلين والمختفين والمختطفين على يد الأجهزة الأمينة، وما يمكن أن يعقبه اختفاؤهم من تصفيات مستقبلية للإيهام والتأشير على قدرات الجيش والشرطة في تعقب المسلحين.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "عربي21"، فإن الأشخاص الذين ظهروا في بيان المتحدث العسكري "لا صلة لهم بالهجمات الأخيرة"، وكان ذووهم أعلنوا أنهم مختفون قسريا قبل ذلك بكثير.
من جهته، وثّق شقيق أحد القتلى الذين ظهرت صورهم في بيان المتحدث العسكري الذي نشره على صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بتاريخ 23 تشرين الأول/ أكتوبر، أن شقيقه "عبد الفتاح حسن المنيعي" تم اعتقاله في أواخر عام 2014 في قسم شرطة الحسنة، وسط سيناء، وهو متجه إلى عمله في مدينة أبو زنيمة جنوب المحافظة ذاتها، وقال: "من تلك اللحظة لا نعلم عنه شيئا".
ونقل لـ"عربي21" صدمة أسرة المنيعي حين ظهرت صورة ابنهم المختفي منذ 2014 مرفقة ببيان المتحدث العسكري.
وقال المتحدث حينها إن "قوات إنفاذ القانون بالجيش الثاني الميداني تمكنت من القضاء على عدد (6) من الأفراد" الذين وصفهم بأنهم "تكفيريون" و"شديدو الخطورة".
ومن بين الصور التي أرفقها، صورة لجثة المنيعي، التي تعرف عليها شقيقه إبراهيم، يظهر عليها أثر طلق ناري في منطقة الرأس.
ونشر إبراهيم المنيعي صورة شقيقه قبل عام كامل من بيان المتحدث العسكري في تاريخ 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2016، وقال وقتها: "أخي عبد الفتاح 50 عاما مختف قسريا منذ عامين ونصف، ولا نعلم عنه شيئا. فك الله أسره إذا هو حي، أما إذا كان قد قتل، فرحمة الله عليه".
والمنيعي واحد من بين عديدين تبين لـ"عربي21" أنهم ظهروا في بيان المتحدث الرسمي قتلى، وكانوا من بين المعتقلين لدى قوات الأمن الوطني.
وظهرت في البيان ذاته صورة أخرى لأحد الضحايا، تبين فيما بعد أنه سائق تاكسي كان قد اعتقلته قوات الأمن الوطني في سيناء قبل البيان بأيام قليلة من مدينة العريش، وفقا لصفحة "سيناء بلس" الإخبارية، المهتمة بالشأن السيناوي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
وأوردت الصفحة أن "الصورة للشاب أحمد قدوس سائق تاكسي، اعتقل من منزله في منطقة الساحة الشعبية في مدينة العريش قبل شهر ونصف، وكان محتجزا في مقر الأمن الوطني في العريش".
ونشرت صورة سائق التاكسي في بيان المتحدث العسكري، وأظهرت تعرضه لطلق ناري في الرأس أيضا.
من جانبه، أكد النائب السابق عن سيناء في مجلس النواب المصري، يحيى عقيل، الحالتين المذكورتين، مشيرا لـ"عربي21" إلى وجود تصفيات جسدية ممنهجة تتم من الجيش والشرطة ضد أهالي سيناء.
وقال: "لا يكاد يمر أسبوع إلا وتفجعنا حكومة الانقلاب بقتل معتقلين لديها، وتقوم بتصفيتهم بدم بارد".
وأكد في تصريحاته ما حصلت عليه "عربي21" من معلومات حول أحمد قدوس، مضيفا أن السلطات "كأنها تصر أن تسكب زيتا على نار مشتعلة في نفوس مظلومين تزداد مآسيهم يوميا، فقدوس الذي أعلن المتحدث العسكري مقتله في عملية تبادل إطلاق نار مع الجيش، تبين بعد ذلك أنه كان معتقلا لدى قوات الأمن منذ شهرين".
وأوضح عقيل أن التصفيات الأخيرة التي تمت إنما هي جريمة جديدة تضاف إلى السجل الأسود لحكومة الانقلاب تذكر بجرائم سابقة لم تنسها سيناء، بعد مقتل الشباب الستة في شقة المساعيد، وفيديو الإعدامات الميدانية الشهير، وأشار كذلك إلى مقتل المنيعي، الذي كان معتقلا منذ عام 2014.
وعن تفاصيل ما تعرض له المنيعي، أوضح شقيقه في اتصال مع "عربي21" قائلا: "شقيقي تم اعتقاله أثناء ذهابه إلى عمله هو وابنه سويا عن طريق أحد الأكمنة الأمنية الثابتة في مدينة العريش، واحتجزا في قسم شرطة الحسنة لمدة 20 يوما، وخرج ابن أخي، إلا أن شقيقي بقي".
وتابع: "أخبرنا ابن أخي حينها أنه تم ترحيل والده إلى منطقة أخرى، تبين فيما بعد أنها سجن العازولي في مدينة الإسماعيلية التابع للجيش الثاني الميداني".
وأضاف المنيعي: "توجد حالات اختفاء بالمئات مشابهة لحالة أخي بين أهالي سيناء، ولا يعرف أحد شيئا عنهم".
من جهته، أكد المحامي والباحث الحقوقي حسين صالح، رئيس وحدة الصياغة والإعداد بالرابطة العالمية للحقوق والحريات، ظهور العديد من الأشخاص في بيان المتحدث الرسمي قتلى، وقد كانوا من ضمن المختفون.
وقال لـ"عربي21": "بالتأكيد الأوضاع المأساوية لحقوق الإنسان في مصر تدلل على مدى منهجية السلطات في العصف بأبسط حقوق الإنسان، وأصبحنا أمام حالة أبعد من وصفها بمجرد انتهاكات".
وأوضح أن "التصفية الجسدية كان لها نصيب كبير من حجم تلك الجرائم"، مضيفا أن مركزه الحقوقي يرصد هذه الانتهاكات بشكل مستمر سنويا.
ولفت إلى أن آخر ما وصفها بـ"المجازر" التي قامت بها السلطات، "تصفية قوات الجيش لستة مواطنين بدعوى أنهم مسلحون قُتلوا أثناء اشتباكات كما جرت العادة عند كل إعلان من هذا النوع".
وكشف لـ"عربي21" أن مركزه الحقوقي "بصدد إصدار تقرير حول وقائع التصفية الجسدية" المشار لها في هذا التقرير.
وقال إن التقرير المرتقب، سيكشف عن إمكانية تصور هذه البيانات جنائيا وواقعيا، خصوصا أن القتلى تم استهدافهم بإطلاق النار على منطقة الرأس، بالإضافة إلى شهادات ذوي الضحايا وسجل الدولة في التزامها بمعايير العدالة الجنائية من عدمه.
وأضاف صالح أن "وزارة الداخلية نفذت مجزرة في منطقة الواحات في الجيزة بتاريخ 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2017 أسفرت عن مقتل 13 مواطنا، لم تُعلن الوزارة عن أسمائهم على غير عادتها، خلافا لـ 27 بيانا عن تصفيات جسدية أعلنت عنها خلال هذا العام وذكرت فيها أسماء القتلى، باستثناء وقائع محددة تم الإعلان عنها لاحقا".
اقرأ أيضا : مصر.. مقتل 12 في اشتبكات مع قوات الأمن بالوادي الجديد
وأشار إلى أن "هذه البيانات توثق أن القتلى من المختفين قسرا تم قتلهم بدم بارد، بهدف التسويق لانتصار وهمي على جثث ضحايا كانوا في حوزة الشرطة"، على حد قوله.
وتابع: "لعل ما ظهر على جثث الضحايا التي نشرتها وزارة الداخلية من جروح وآثار الكلبشات تعزز من حقيقة أنهم كانوا قد تعرضوا للاختفاء القسري قبل قتلهم".
بدوره، علق الحقوقي المصري هيثم أبوز خليل على هذه المعلومات، وقال إن "التصفيات الجسدية والقتل خارج نطاق القانون يتم بصورة ممنهجة في شمال سيناء"، مضيفا في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذا السلوك من السلطة يتم عبر استخدام ضحاياها في بيانات المتحدث الرسمي العسكري المفبركة تحت مزاعم أنهم قتلوا في اشتباكات ناجحة مع الجيش حتى يتم تزوير الواقع الأليم هناك، والتغطية على فشل الجيش المتواصل في سيناء".
وطالب أبو خليل بإلغاء حالة الطوارئ ورفع حظر التجول، وفتح سيناء للإعلام بكافة أنواعه، وعمل حوار مع أهالي سيناء، والاهتمام بالتنمية "لو أردنا حلا حقيقيا ووقف العنف هناك".
اقرأ أيضا: حادث الواحات.. لماذا خضع الجنود للمسلحين وألقوا أسلحتهم؟
وفي السياق ذاته، نشرت الداخلية صورا لـ 13 شخصا قالت إنها قتلتهم ثأرا لأفراد الشرطة الذين قتلوا في منطقة الواحات قبل أسبوع واحد من بيان الداخلية.
وكان الإعلامي حمزة زوبع أكد خلال برنامجه "مع زوبع" على قناة مكملين أن الضحايا هم من المعتقلين السابقين والمختفين قسريا.
يذكر أن فضائية "مكملين" المصرية كانت قد بثت في وقت سابق بتاريخ 20/04/2017 تسريبا من موقع العمليات العسكرية في سيناء عبارة عن مقطع فيديو يوثق بالصوت والصورة عمليات التصفية الجسدية التي تتم بحق معتقلين ومختفين قسريا.
ويشار إلى أن منظمة هيومان رايتس ووتش قامت قبل ذلك بتحليل فني للفيديو الذي نشرته وزارة الداخلية المصرية ونشرت تقريرا ضمنت فيه شهادات أهالي القتلى وتوثيقهم لتعرض أبنائهم للاعتقال على يد الأجهزة الأمنية قبل إعلان قتلهم، وقالت إن الفيديو يحتوي على مشاهد مفبركة للإيهام بالاشتباك المسلح.
كما قالت منظمة العفو الدولية العفو الدولية إن مصر في خطر حقيقي بسبب تزايد ارتكاب السيسي لجرائم "التصفية الجسدية"، وطالبت بشكل عاجل بالتحقيق بذلك.