قضايا وآراء

الدولة الكردية التي تريدها إسرائيل

مأمون أبو عامر
1300x600
1300x600
يشكل الاستفاء في إقليم كردستان العراق إعلان استقلال الإقليم وإقامة دولة كردية في شمال العراق؛ موضع خلاف بين القادة الأكراد من جهة، وبين العراق والدول الإقليمية الفاعلة المجاورة من إيران وتركيا وسوريا، والتي تشعر بخطر كبير من هذا الاستفتاء، من جهة أخرى.

فالقادة الأتراك يبدون معارضة شديدة؛ نظرا لما يمثله استقلال كردستان العراق من خطر على وحدة واستقرار تركيا التي يمثل الأكراد حوالي ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 75 مليون نسمة، إلى جانب المخاوف الإيرانية من تصاعد المطالب باستقلال المناطق الكردية، والتي لن تقف عند حدود الأكراد، بل قد تتعداهم إلى مطالب أقليات أخرى مثل العرب والبلوش وغيرهم من الأقليات.

وبالرغم من رفض القوى الإقليمية الذي يخرج أحيانا عن اللغة الديبلوماسية ليصل إلى التهديد بالقوة العسكرية، إلى جانب إعلان القوى الدولية الفاعلة في النظام العالمي عن رفضها للاستفتاء، وإن كانت مواقف بعض هذه القوى قد تكون نوعا من النفاق السياسي تجاه القوى الإقليمية، خاصة باتجاه تركيا كونها عضو في حلف الناتو، كان الصوت الإسرائيلي في هذه المسألة هو الصوت الأكثر غرابة بسبب خروجه عن حالة الإجماع الدولي على هذا الرفض. ولم يكتف الموقف الإسرائيلي بالسير باتجاه معاكس من كل هذه المواقف، بإعلان نتنياهو وأكثر من مسؤول إسرائيلي عن دعمه إقامة دولة كردية، إلى جانب دعوته المجتمع الدولي إلى دعم هذه الدولة، فلم يكن تصريح نتنياهو الوحيد الذي صدر عن مسؤولين إسرائيليين، فقد سبقه تصريح نائب رئيس الأركان السابق يئير جولان في يوم دراسي في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، والذي ذهب بعيدا بالإعلان عن دعمه لمنظمة PKK (حزب العمال الكردي في تركيا)، الأمر الذي رفضه نتنياهو الذي أكد دعمه لاستقلال كردستان العراق عبر إجراء الاستفتاء. وسبق أن أعلن كل من شمعون بيرس وأفيغدور ليبرمان عن دعمهما لإقامة دولة كردية، والموقف الأكثر قوة هو موقف وزير العدل الإسرائيلية إيلي شكيد التي قالت "إن اقامة دولة كردية هي مصلحة إسرائيلية ومصلحة أمريكية مشتركة، وقد حان الوقت أن تدعم أمريكا هذه الخطوة".

هذه التصريحات لم تأت من فراغ، فقد تحدث مسؤولون إسرائيليون سابقون حول العلاقات الوطيدة والجهود الكبيرة التي بذلتها إسرائيل من أجل دعم أكراد العراق لإقامة دولة كردية، إلا أن هذه الجهود انهارت أمام توقف شاه إيران عن السماح لإسرائيل بتقديم المساعدات للأكراد بهدف إقامة هذه الدولة بعد توقيع اتفاق الجزائر عام 1975 بين إيران والعراق في عهد الشاه، مما أعطى الفرصة للقوات العراقية للقضاء على المسلحين الأكراد وطردهم منها، ولم يعودوا إليها إلا بعد حرب الخليج عام 1991.

فالدعم الإسرائيلي لإقامة دولة كردية لم يأت من فراغ، بل هو يأتي ضمن سياسة قديمة كانت تعرف بنظرية شد الأطراف؛ للضغط على الدول العربية من أجل القبول بالكيان الصهيوني ضمن مجموعة من الكيانات الإثنية والطائفية والدينية كانت تروج لها إسرائيل في ذلك الوقت، والتي كان يروج له كل من أستاذ الأدب العربي في الجامعة العبرية مناحيم مليسون، وهو رئيس سابق للإدارة المدنية في الضفة الغربية عام 1980، والذي ذهب إلى القول: "الأحرى بإسرائيل أن تستعمل قوة إكراهية تضطر المسلمين إلى اللجوء إلى الخضوع لأحكام الضرورة، وبين تطبيقات هذه القوة الإكراهية خلق أوطان منيعة للأقليات".

الأهداف الإسرائيلية من هذا الدعم:

- الهدف الإسرائيلي الأساسي القديم الحديث من الترويج لهذه الأفكار منذ سبعينيات القرن الماضي لدعم إقامة هذه الكيانات؛ هو إيجاد حالة من التقسيم للمنطقة لكل المكونات الدينية والطائفية والإثنية تكون الحالة الإسرائيلية طبيعية من هذا النسيج. فبدلا من أن يكون الصراع باتجاه الدولة اليهودية، فإن الأمة العربية ستتشتت جهودها وتغرق في مواجهة كيانات أخرى.

- الحماس الإسرائيلي لإقامة كيان كردي في شمال العراق في هذا الوقت نابع من استغلال الفرصة التاريخية في ضعف الأمة العربية وانشغالها في الدفاع عن مصالح الأمة ووحدة أراضيها. فالأنظمة العربية منشغلة بلا استثناء في حالة صراع على الوجود، وليس الحفاظ على الحدود، وهذه الفرصة الأولى لتقسيم دولة مثل العراق، وتحقيقا لأطماع إسرائيلية قديمة بتقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية وإثنية.

- إقامة كيان كردي بدعم من إسرائيل في ظل معارضة عالمية له سيحول هذا الكيان إلى رهينة بيد إسرائيل؛ لتحقيق أهدافها بابتزاز الدول العربية والإسلامية.

- دولة كردية في هذه المنطقة بدعم إسرائيلي ستتحول إلى قاعدة متقدمة لمواجهة إيران، والضغط على تركيا لتعديل سياستها المعادية لإسرائيل، بالرغم من وجود علاقات بين تركيا وإسرائيل.

- ما ينشر من خرائط للمناطق الكردية المحتملة أن تنظم لاحقا لهذه الجدولة تحقق هدفين استراتيجيين، وهما وجود حاجز بين العراق وسوريا يمنع التمدد الإيراني في المنطقة، عبر تمدد قوات سوريا الديمقراطية إلى الجنوب ووصولها إلى منطقة دير الزور، وتشكيل حاجز بين تركيا وسوريا. ومن ينظر إلى الخارطة المتوقعة لهذه الدولة؛ يلاحظ الممر البري الذي يتم التخطيط له بهدف الوصول إلى البحر المتوسط على حساب الأراضي التركية والسورية.

- إقامة دولة كردية في هذه المرحلة تشكل أولوية إسرائيلية بتحويل اقامة دولة كردية إلى بؤرة اشتباك بين القوى الكردية من جهة وحشود القوات العراقية من الجيش والمليشيات الشيعية من في الجهة المقابلة. والسبب الرئيسي في ذلك هو أن هذه الحشود من المليشيات العقائدية، وتتبع أوامر الولي الفقيه في طهران، وتسيطر عليها روح عسكرية مفعمة بالقوة والنصر بعد انتصارها الكبير على تنظيم الدولة، وهي تتمدد في الفضاء الجغرافي من بغداد إلى الحدود الإسرائيلية. وحتى لا تشكل هذه القوة خطرا على إسرائيل، فلا بد من ايجاد آلية لتفريغ فائض القوة التي تشحن هذه المليشيات مقاتليها؛ بتحويل الدولة الكردية المنتظرة إلى إسفنجه ماصة لهذه القوة. هذا الحماس الإسرائيلي الغريب يؤكد حقيقة واحدة أن إسرائيل هي أول المستفيدين من هذا الاستفتاء بما سيجلبه من صراع وقتال يخلص إسرائيل من كابوس يقلق القادة الإسرائيليين من هذه الحشود على حدودها.

خلاصة القول: إسرائيل التي تصفق اليوم بحرارة لهذا الاستفتاء لن تعبأ بما سيتبع هذا الاستفتاء من حروب عرقية بين الأكراد وجيرانهم من العرب والأتراك والإيرانيين؛ إذا اعلنت الدولة الكردية من كوارث على الشعب الكردي. فهل يستفيق الأكراد ولا يقعون فريسة للتحريض الإسرائيلي ويعيدون أخطاء الماضي بأن لا يتحولوا إلى حصان طروادة لتحقيق الأهداف الإسرائيلية في المنطقة على حساب الأكراد؟
التعليقات (0)