ملفات وتقارير

في "عيد" الفلاح المصري.. ماذا تبقي له في زمن الانقلاب؟

معاناة مركبة للفلاح المصري- أ ف  ب
معاناة مركبة للفلاح المصري- أ ف ب
احتفلت مصر، السبت، بعيد الفلاح الخامس والستين، في الوقت الذي يعيش فيه أبناء النيل أوضاعا معيشية وظروفا سيئة.

ومع إصدار أول قانون للإصلاح الزراعي إثر ثورة 1952، اختار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ذكرى ثورة الزعيم أحمد عرابي، بوجه الخديوي توفيق عام 1881، أي التاسع من أيلول/ سبتمبر من كل عام، عيدا للفلاح.

شكوى الفلاح

ويطالب الفلاحون بحلول جادة لمشاكلهم، وتعديل سياسات الزراعة والري والخدمات البيطرية، وتخفيض أسعار مدخلات الانتاج، مثل الأسمدة والبذار، وتوفير تأمين صحي كأحد حقوق الفلاح الدستورية.

ويشكو الفلاح من بيع الحكومة له بذار رديئة وبأسعار ترتفع كل عام، مع ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات، وزيادة أسعار الوقود مرتين خلال أقل من عام؛ تبعها ارتفاع تكاليف تشغيل الآلات الزراعية ووسائل النقل.

كما يواجه الفلاح أزمات بسبب سوء السياسة الزراعية وتراجع دعم الدولة للمحاصيل الرئيسية، ما جعله يتجه لزراعة محاصيل للتصدير يجني ثمارها رجال الأعمال، وتجعله عرضة لسيطرة كبار التجار.

ويشكو الفلاح المصري من زيادة فوائد قروض البنك الزراعي لما يقرب من 27 في المئة، ما يضعهم تحت طائلة القانون ويعرضهم للحبس بسبب تخلفهم عن الدفع.

ويعاني صغار الزراع أيضا من ارتفاع قيمة إيجار الأراضي مع، تراجع الرقعة الزراعية وانحسارها بسبب التوسع بعمليات البناء، وكذلك ندرة مياه الري، ما يدفع الكثيرين للجوء لمياه الصرف الصحي.

ويتخوف الفلاحون من جفاف الأراضى الزراعية بسبب سد النهضة الإثيوبي، والذي يهدد ملؤه في 3 سنوات قادمة بتبوير 4.6 مليون فدان (51.5 في المائة من الرقعة الزراعية)، حسب دراسة نشرها أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة، جمال صيام، في تموز/ يوليو الماضي.



وتتُهم الحكومة المصرية بأنها تتجاهل أزمات الفلاح، وعندما استمع قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي لشكوى "أحد الفلاحين"، بمؤتمر نهاية 2015، تبين لاحقا أنه يعمل موجها بالتربية والتعليم، وأبلغته السلطات ليقوم بدور الفلاح أمام السيسي.



"دعم الفلاح الروسي واستغلال المصري"

وانتقد عضو حزب التجمع، كامل السيد، سياسات الحكومة مع الفلاح المصري، وتحدث عما أسماه "دعم الحكومة للفلاح الروسي واستغلالها للمصري"، عبر شراء أردب القمح المحلي في 2017، بسعر يتراوح بين 555 و575 جنيها، وشرائه من روسيا بما بين 750 و900 جنيه".

وأشار السيد عبر فيسبوك؛ إلى تحول الهند من استيراد القمح إلى تصديره، وقال إن رئيسة الوزراء السابقة أنديرا غاندي، دفعت للفلاح نفس سعر الاستيراد، وكان أن تحولت الهند لدولة تصدر القمح بعد ثلاث سنوات.

"تستمتع بتعذيبه"

وتحدث المحلل الاقتصادي، إبراهيم نوار، عن أوضاع الفلاحين، وقال إنهم "يستحقون الإنصاف" من الدولة، مشيرا إلى أن "ميزانية العام الحالي تضمن دعم المزارعين بقيمة 1.06 مليار جنيه بنسبة 0.9 المئة من المصروفات العامة، وبنقص 80 في المئة عن العام الماضي".

وأكد نوار عبر فيسبوك: "الفلاح يدعم الحكومة بـ700 جنيه بكل أردب قمح يورّد للدولة، أي أكثر من خمسة مليارات جنيه بمحصول القمح"، مضيفا أن "الفلاح يتحمل زيادات قاسية بالأسمدة والمبيدات والبذور والوقود والنقل بسبب سياسة الحكومة الظالمة، وأصبحت الزراعة مهنة خاسرة، والفلاح ضحية تتمتع الحكومة بتعذيبه"، وفق قوله.

إقطاع بثوب جديد

وتحدث رئيس حزب الجيل، ناجي الشهابي، عن أوضاع الفلاح، واصفا إياها بـ"الكارثية"، مشيرا إلى "التدهور والتراجع المستمر بمستوى الفلاح الذي يعيش معاناة دائمة بعد أن وقع فريسة للمحتكرين وكبار التجار، وأصبح عائد زراعته لا يكفيه مؤنة الحد الأدنى لحياة آدمية".

وقال الشهابي لـ"عربي21": "لم يعد للفلاح مكاسب مع خضوع النظام لتوجيهات صندوق النقد الدولي وتطبيقه الخاطئ لنظرية السوق الذى يتحكم فيه المحتكرون".

وأوضح السياسي المصري أن النظام يفرض سعرا بخسا للمنتجات الزراعية لا تساوي أحيانا تكلفتها، فى حين أن التاجر، مع غياب سيطرة الحكومة على الأسواق، يبيع ذلك المنتج بأضعاف ما اشتراه من الفلاح"، كما قال.

وأكد أن عيد الفلاح "يمثل حسرة وألم على ضياع مكاسب الفلاح الثورية وعودة الإقطاع من جديد بتسمية أخرى، وسط تجاهل الحكومة وتقديم دعمها للمصدرين بدلا من الفلاح، ما جعل حياته أزمات مستمرة مع كل محصول يحصده ويبيعه".

مُكبل مُهدد وغيره مُنعم

من جانبه، قال الكاتب الصحفي إبراهيم فايد إنه "إذا ما نظرنا للفلاح المصري، فلن نجده إلا ذليلا مهانا يكمل عشائه نوما"، واصفا حاله في ظل النظام الحالي بأنه "محاط بأسوار الديون، مكبل بأساور الخوف، مهدد ببوار أرضه"، بحسب وصفه.

وأكد لـ"عربي21"؛ أنه "انتشرت بالآونة الأخيرة ظاهرة هجرة الفلاح لأرضه واتجاهه لمهن أخرى، خاصة من ليس لديهم حيازات زراعية"، مرجعا ذلك لـ"تعنت الحكومة ومسؤولي الزراعة، ووضعهم شروطا مجحفة لزراعة بعض المحاصيل، وفرضهم أسعارا باهظة الثمن للمبيدات والأسمدة".

وأضاف: "على النقيض، يُمنح الفلاح عوائد مادية زهيدة لشراء المحاصيل الاستراتيجية، ناهيك عن ندرة المياه وغلاء أسعار المحروقات المخصصة لتشغيل الميكنات الزراعية والرى وجرارات الحرث".

وذكّر فايد بالبحث الذى أجراه القيادي العمالي محمد هندي، مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين، إذ يقول في بيان بمناسبة عيد الفلاح إن "نسبة الدعم الموجه لفلاح أوروبا وأمريكا تصل 200 في المئة ببعض الدول".

وأشار هندي إلى أن "أمريكا تدعم الفلاح بنحو 150 في المئة من إنتاجه، أي أنه إذا أنتج سلعة بألف دولار تدفع له الحكومة دعما يصل إلى 1500 دولار. أما الاتحاد الأوروبي فيدعم الفلاح سنويا بنحو 9 مليارات يورو، ويعفيه من جميع الضرائب والجمارك على المنتجات الزراعية"، وفق تأكيده.
التعليقات (0)