اقتصاد عربي

هل يطيح "التطبيع مع إسرائيل" بوزير الاستثمار السوداني؟

السودان أول دولة أعلنت الحرب على إسرائيل من داخل البرلمان في العام 1967- أ ف ب
السودان أول دولة أعلنت الحرب على إسرائيل من داخل البرلمان في العام 1967- أ ف ب
لم تكن دعوة نائب رئيس الوزراء ووزير الاستثمار السوداني مبارك الفاضل المهدي إلى التطبيع مع إسرائيل الأولى من نوعها لكنها كانت الأكثر صراحة ووضوحا، وسط مخاوف من أن تمثل الدعوة اتجاها حكوميا جديدا.

وفي السودان تعالت الأصوات المنادية بإقالة الوزير في دولة لا تعترف بإسرائيل من الأساس ولا تقيم معها أية علاقات دبلوماسية.

ما خلفته دعوة المهدي من أصداء تجاوز كالبرق حدود السودان وصولا للأراضي الفلسطينية التي استنكرت فصائلها أن يأتي ذلك من السودان تحديدا، منبع "اللاءات الثلاث"، والنصير الدائم للقضية الفلسطينية.

وظهر نائب رئيس الوزراء ووزير الاستثمار السوداني مبارك الفاضل، خلال حديث لقناة "سودانية 24"،  الاثنين 21 آب/ أغسطس الجاري وصدم الجميع عندما قال إنه لا مانع من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، على اعتبار أن الأمر يحمل في طياته فوائد للمصالح السودانية، كما قال.

وسواء كانت تصريحات الوزير السوداني المولود في الخرطوم عام 1950 تعبر عن موقف شخصي أم بالونة اختبار أُريد بها قياس ردة فعل الشارع، فإن هذا لا يحجب تعالي الأصوات المنادية بإقالته من منصبه.

يبقى هذا الاحتمال قائما بحسب خبراء حال تصاعدت وتيرة ردود الفعل الغاضبة والرفض الشعبي للتطبيع.

دعوات سابقة

وخلال السنوات الماضية ترددت دعوات مماثلة في السودان، جاءت إحداها عندما نسبت وسائل إعلام محلية في كانون الثاني/ يناير الماضي لوزير الخارجية إبراهيم الغندور قوله إن حكومته يمكن أن "تدرس" التطبيع مع إسرائيل، بوصفه مدخل لتطبيع العلاقات مع واشنطن، التي تفرض عقوبات اقتصادية قاسية على البلاد لقرنين من الزمن، وهو الحديث الذي تم نفيه سريعا.

وجاهر حزب "المستقلين" وهو حزب غير مؤثر ولم يمثل من قبل في البرلمان بالدعوة للتطبيع خلال مداولات مؤتمر الحوار الوطني، التي استمرت لثلاثة أعوام بدعوة من الرئيس عمر البشير (2014-2017)، وقاطعته غالبية فصائل المعارضة الرئيسية، لكن الأحزاب الرئيسة المشاركة رفضت الخطوة، وعلى رأسها حزب المؤتمر الوطني الحاكم.

أوجه الاختلاف

وتختلف دعوة الفاضل عن سابقاتها ليس فقط في مستوى الوضوح، بل في المبررات التي ساقها للتطبيع، كاعتبار القضية الفلسطينية سببا في تأخر العرب، يجرى المتاجرة بها من قبل أنظمة عربية لقمع شعوبها.

كذلك فمن أوجه الاختلاف قول الوزير السوداني إن الدول العربية أخطأت عندما اعترضت على التصويت بشأن خطة التقسيم في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، فضلا عن هجومه على حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

دائرة الرفض

وقال رئيس هيئة علماء السودان محمد عثمان صالح: "فلسطين هي أرض كل المسلمين في أنحاء المعمورة، وهي مغتصبة من قبل الإسرائيليين"، وتساءل: "كيف يرضى المسلم بالذلة ويقبل بإقامة علاقة معهم؟".

ورأى صالح أن تصريحات وزير الاستثمار تستوجب الإقالة أو الاستقالة، مضيفا أن "أوجه نداء للرئيس عمر البشير لإقالة الوزير مبارك الفاضل من الحكومة لمخالفته ثوابت الأمة".

دائرة الرفض شملت آخرين، وعلى رأسهم الصادق المهدي رئيس أكبر حزب معارض وزعيم طائفة الأنصار الذي بادر برفضه دعوة التطبيع التي أطلقها الفاضل القيادي المنشق عن حزبه، وابن عمه للمفارقة.

وأكد المهدي على موقفه الثابت من القضية الفلسطينية لدى لقائه الخميس الماضي، جمعية الأخوة السودانية الفلسطينية والجالية الفلسطينية بالسودان، كذلك أعلن حزبه عن إقامة ندوة بعنوان "رفض التطبيع مع إسرائيل" خلال الأسبوع الحالي.

الحكومة تبرر

الحكومة من جانبها اعتبرت تصريحات الفاضل "موقفا شخصيا" لا يعبر عنها من قريب أو بعيد، ونقلت وسائل إعلام محلية عن وزير الإعلام أحمد بلال، قوله: "رأي شخصي يخصه وحده ولا يعبر عن الموقف الرسمي للحكومة أو البلاد".

واحتضنت السودان قمة "اللاءات الثلاث" المعروفة بقمة الخرطوم بالعاصمة السودانية في 29 آب/ أغسطس 1967 بعد هزيمة العرب على يد إسرائيل في الحرب التي اندلعت في 5 حزيران/ يونيو من نفس العام، وعرفت بالنكسة.

وخرجت القمة العربية آنذاك بإصرار على التمسك بالثوابت من خلال لاءات ثلاث: "لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه".

ودرج المسئولون في الحكومة السودانية على التأكيد على وقوفهم جنبا إلى جنب مع الفلسطينيين في قضيتهم، وعادة ما يتباهون بدعمهم للقضية الفلسطينية.

وفي الفترة بين 2008- 2014 قصفت إسرائيل أكثر من مرة أهدافًا داخل الأراضي السودانية، بحجة تهريب حكومة الخرطوم أسلحة إيرانية إلى حركة حماس في غزة، مروراً بصحراء سيناء المصرية.

الاعتداء الأضخم وقع عندما قصف سلاح الجو الإسرائيلي، مصنعاً حربياً بالخرطوم في 2012، لكن تل أبيب لم تعلق حتى الآن رسمياً، على اتهام السودان لها بتنفيذ الهجوم.

مخاوف

ويخشى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، حاج حمد محمد من أن يكون هناك اتجاه داخل الحكومة دفع الوزير السوداني للمبادرة بالحديث عن إمكانية التطبيع.

ويقول إن وزير الاستثمار ربما قال ذلك "كي يساهم هذا التطبيع في تشجيع اللوبي الصهيوني في أمريكا للضغط من أجل رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على السودان" على حد تعبيره.

ويضيف أن "أي حديث عن التطبيع مرفوض باعتبار أن السودان طوال تاريخه ظل متمسكا بموقفه المناهض للاحتلال".

ويتابع: "السودان أول دولة أعلنت الحرب على إسرائيل من داخل البرلمان في العام 1967 وكان حينها برلمان ديمقراطي ".

ويمضى قائلاً: "الشعب السوداني لا يرضى بإسرائيل لأنها (دولة ظالمة ومحتلة وعنصرية)"، وزاد بالقول: "مبارك الفاضل يستحق الإقالة".

التطبيع لا يفيد

ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي أنور سليمان أن دعوة الفاضل لا تعدو أن تكون حديث للاستهلاك السياسي، لأن "إسرائيل في السياسة السودانية ليست عنصرا فاعلاً، فالتطبيع معها لن يفيد السودان.. والمقاطعة لا تضره".

ويشير سليمان إلى أن الفاضل يمثل تيارا ضعيفا في الحكومة ويمكن "الإطاحة به إذا تصاعد الرأي العام ضد طرحه بإقامة علاقة مع إسرائيل".

ويذهب إلى أن "حديث مبارك عن تآمر الفلسطينيين على السودانيين، لا يمكن أن يبنى عليه موقف سياسي فهو حديث مجالس لا يصلح لبناء موقف سياسي عليه".

كان الفاضل قد قال في اللقاء التلفزيوني المثير للجدل: "يعمل الفلسطيني في أي وظيفة لكي يفصلك، فأي مؤسسة يكون مديرها فلسطينيا فإنه "يحفر" للسودانيين العاملين تحت إمرته".

لكن وفي وقت تتزايد فيه حدة الضجة التي أحدثها بتصريحاته، التزم نائب رئيس الوزراء السوداني ووزير الاستثمار مبارك الفاضل بالصمت المطبق، ولم يصدر عنه أي تعليق، حتى على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" والتي درج فيها على نشر تعليقاته بشكل راتب.

ويشغل الفاضل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء القومي ووزير الاستثمار منذ نيسان/ أبريل 2017، وعمل خلال الثمانينيات وزيرا للداخلية.

مكافأة إسرائيلية

وكانت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية كشفت في أيلول/ سبتمبر 2016 أن إسرائيل توجهت للولايات المتحدة وعدد من دول الاتحاد الأوروبي بطلب لتحسين علاقاتها مع السودان والإقدام على خطوات إيجابية خاصة في المجال الاقتصادي تجاه الخرطوم.

وقالت الصحيفة إن الخطوة الإسرائيلية جاءت على سبيل "مكافأة" السودان بعد قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في كانون الثاني/ يناير 2016.

واقترحت تل أبيب بحسب الصحيفة، على عدة دول أوروبية تقديم مساعدات للخرطوم التي يناهز دينها الخارجي الـ50 مليار دولار، إضافة إلى بحث إمكانية شطب جزء من تلك الديون.
التعليقات (0)