ذكرتني مشاهد وصول ممثلين انقلابيين من مصر إلى معرض دمشق الدولي الأسبوع الماضي, بمشهد استقبال الشرير في الحارة بالزغاريد والهتافات في فيلم "السفيرة عزيزة", حيث تتحرك عربة الشرير بصعوبة وسط زحام المحتفلين الخاضعين, المتظاهرين بالبهجة, في صورة تجسد انتصار الشر وعلوه وهو مشهد نقلته السينما المصرية مراراً.
ولا شك أننا كشعوب في مواجهة الأنظمة, قد صرنا نفهم بعضنا البعض جيداً بعد ما يقرب من 7 سنوات من الثورة التي اشتعلت في أكثر من مكان, صارت لدينا خبرة في تصرفات الأنظمة وأزعم أن ما تعلمناه طوال هذه السنوات يفوق بكثير ما تعلمناه طيلة حياتنا قبل اشتعال الانتفاضات الشعبية.
نحن إذاً نفهم جيداً أن سفاح سوريا كان يريد احتفالاً شريراً يكشر فيه الشر عن أنيابه ويبتسم ابتسامة المنتصر فوق ما ظنه (جثة) الثورة السورية, ولم يجد لتحقيق هذا الهدف أفضل من الممثلين الانقلابيين القادمين من مصر. فالضجة التي ستثور حولهم ستتكفل بنقل مشاعر الإحباط إلى قطاعات عريضة من جماهير التغيير في مصر. الهدف من الزيارة التي تمت بأكبر قدر من الضجة كان ما ظنه سفاح سوريا, إعلان انتصار على الثورة.
دائماً تحاول الأنظمة المتاجرة بتلك الكلمة الفضفاضة, الاستقرار! وهو تماماً كاستقرار الزيارات الرسمية التي يقف فيها المسؤول يضع حجر أساس بناء ما وأمامه صوان ما يتكلم فيه مسؤولون آخرون عن تنمية وهمية ومستقبل مليء بالتطلعات ورفاهية متوقعة .. الخ، وعشاء ومظاهر بذخ, وقمامة خلف الصوان ثم ينتهي كل شيء.
الاستقرار الذي يبنونه على دماء الشعوب ليحصلوا على ابتسامات مفتعلة لمواطنين يستقبلون الفتوة بالزغاريد المفتعلة والابتسامات المغتصبة والويل لمن لا يبتسم!
المشهد رغم كل هذه الاحتفاليات المفتعلة ورغم صورة مفتي بشار, الذي أخذ يوزع المصاحف على هذه وتلك, كان يبدو أشبه بمشهد شخص مصاب بالمغص, تتمزق أمعاؤه, أجبروه على الوقوف دقيقة حداد, فصار يتلوى وصار الجميع ينظرون إليه. فقذيفة واحدة اُطلقت باتجاه المعرض استطاعت تعكير هذه الاحتفالية المفتعلة لتثبت للجميع هشاشة نكتة الاستقرار التي حاول بشار أن يسوقها عن طريق ممثلي مصر الانقلابيين.
الحقيقة أنني شعرت كغيري بالاستفزاز من قدرة هؤلاء على الرقص فوق دماء أهلنا في سوريا, لكني في نفس الوقت لم أعد أتأثر بتصريحاتهم ولم تعد تحدث أي تأثير على معنوياتي, فالشعب الذي قطع كل تلك المسافة, والذي دفع هذه الضريبة الفادحة لن يتوقف عن الثورة لبعض الانكسارات.
الثورة السورية وإن لم تتعاف بعد, وإن بدا أن الاطراف الفاعلة قد سئمت وترغب في الوصول لحلول, وإن بدا أن البعض قد يستريح لحلول سياسية, إلا أنها ستنتصر إن شاء الله، حتى وإن أصاب الإحباط البعضَ بعد تغير اللهجة.
وحتى لو صارت عبارة (بقاء بشار) تتردد الآن على لسان قادة الغرب, بعد أن كنا نسمع منهم جملة (لابد من رحيل بشار).
الثورة السورية وإن بدا للبعض أنها تعثرت, لكنها لن تتوقف. وبالنسبة لي على الأقل, لم تفلح محاولة الظهور بمظهر المنتصر في أن أتجاهل حقيقة أن الثورة السورية أطاحت فعلياً بالنظام السوري وأن ما نراه ما هو إلا ديكور يحمل واجهات مبنى تمتد من خلفه الخرائب.
فلو لم تكن الثورة في سوريا قد نجحت في إعطاب النظام وإصابته بالشلل لما احتاجوا لاستدعاء حزب الله ولما احتاجوا من بعد تآكل 80% من قواعد حزب الله في سوريا (كما ذكرت إحدى الإحصاءات منذ فترة) أن يستدعوا إيران ومن بعدها روسيا.
الثورة السورية ناجحة وإن تعثرت قليلاً, لكن يقيني في الله أن سوريا لن تكون عبرة كما يريدون لها, بل سينتصر الشعب السوري ان شاء الله.
ثورة سوريا ستنتصر إن شاء الله لأنها محملة بدماء وركام وحياة كاملة اختفت خلف أطنان من الاتربة.
ثورة سوريا ستنتصر رغم اجتماع الشرق والغرب عليها وأنا على يقين من هذا إن شاء الله.