أتركوا اليمن واليمنيين وشأنهم، كفاهم قتلا وذبحا وتدميرا وتخريبا وتفرقة طائفية، ومن أراد محاربة «إيران الشيعية» فليحاربها في عقر دارها بعيدا عن اليمن، وليس بالوكالة، ولا على حساب الشعب اليمني، أطفالا ونساء وشبابا وشيوخا. وإن كنتم على قدر هذه المغامرة، فبادروا واحسموا الأمر معها مباشرة.
إيران التي كانت قبل سنوات «شقيقة» وتدعى لمؤتمرات قممكم العربية، ومنها قمة الرياض، ها هي أمامكم حدودها واضحة المعالم، وهي ليست بمنأى عن صواريخكم وطائراتكم ولا حتى هاوناتكم، قاتلوها كما شئتم، ولكن بعيدا عن اليمن واليمنيين.
إيران تدعم النظام في سوريا نعم ولا تخفي موقفها، وتدعم الحوثيين وعبر دول عربية، لا أحد يستطيع أن ينكر ذلك. إيران تتدخل في شؤون العراق هذا صحيح، وحلفاؤكم الأمريكيون والبريطانيون، هم من سلموا العراق إليهم، وهذه حقيقة لا ينكرها أحد حتى أنتم، فقاتلوها إن استطعتم إلى ذلك سبيلا ومن غير لف ودوران.
هناك حقيقة قد تكون غائبة عن أذهانكم، حقيقة أن إسرائيل لا ولن تخوض حروبا لصالح أحد حتى إن كان من حلفاء الغرب الجدد؛ فلا تعولوا عليها كثيرا، فإنها لن تخوض حربا باسمكم ودفاعا عنكم، ولن تضحي بيهودي واحد من أجل ألف عربي.
نتنياهو منذ سنوات يهدد ويتوعد بتوجيه ضربات لإيران، والتجارب على الأقل التجارب العربية، تقول إن من يهدد لا يفعل، ولن يفعل. إذن حاربوا إيران مباشرة ووجها لوجه، وسنكون معكم إذا كانت مبرراتكم مقنعة غير الطائفية والسلاح النووي، الذي إن تسعى إيران للحصول عليه فهذا حقها، كما هو حقكم، حاربوها بعيدا عن الشعب اليمني والشعب السوري والشعب العراقي.
آن لهذه الحرب المتهورة، التي تدور رحاها في الخاصرة الجنوبية للوطن العربي، أن تتوقف بعد عامين و139 يوما. حرب يدفع ثمنها المدنيون من اليمنيين والسعوديين، حرب عبثية راح ضحيتها حتى الآن آلاف القتلى وعشرات آلاف الجرحى وملايين المهددين بمرض الكوليرا، سبعة ملايين حسب إحصائيات دولية، والعدد مرشح للارتفاع، غير من لاقوا حتفهم وهم بالآلاف، نتيجة لهذا المرض الذي يفترض أن يكون قد اختفى من الوجود في مطلع القرن الماضي، ولا يكلف علاجه أكثر من بضع دولارات، إن لم يكن أقل، ومن يهرب منهم من الصواريخ والأمراض يفتك به الجوع، وهناك ملايين آخرون مهددون.
يقول تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، نشر قبل أيام: «في بلد يشهد واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، من الصعب أن نتصور ما يحتاجه الناس أكثر، سبعة ملايين شخص في اليمن على وشك المجاعة، في حين يعاني 2.3 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية. وثلثا السكان يحتاجون للمساعدة الإنسانية والحماية»، وأضاف التقرير: «كل شيء أصبح مطلوبا بشكل عاجل في اليمن، كالمأوى والغذاء والمياه والخدمات الصحية والصرف الصحي والسلامة، فمنذ تصاعد النزاع في اليمن، فر أكثر من 3 ملايين شخص من ديارهم بحثا عن السلامة، في الوقت الذي لا يزال مليونا شخص مشردين داخليا في جميع أنحاء البلد».
ونحن نتحدث عن خمس عدد السكان. هذا في الجانب اليمني، أما في الجانب السعودي فهناك أيضا، حسب بعض التقارير آلاف الضحايا من القتلى والجرحى، من المدنيين والجنود الضباط الذين أقحموا في هذه الحرب لنزوات شخصية ليضع الحاكم الجديد بصماته على السياسة السعودية، فأخرجها من التقليدية والعقلانية، التي كانت سائدة، قبل تسلم سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم، وتسليمها منذ اليوم الأول لابنه محمد، الذي كان ولا يزال يفتقر للخبرة، سياسيا واقتصاديا وأمنيا.. إلخ، بعد أن سلمه المفاتيح الأساسية في الحكم من حقيبة الدفاع ومنصب مستشار الملك للشؤون الاقتصادية، ومنصب ولي ولي العهد، قبل الانقلاب الذي شهده البلاط السعودي وأطاح بوزير الداخلية ولي العهد محمد بن نايف، ووضعه تحت الإقامة الجبرية واتهامه بالإدمان، لينتقل هذا المنصب إلى محمد بن سلمان.
هذا من ناحية الخسائر البشرية، أما من ناحية الخسائر المادية، فالدمار الذي خلفته هذه الحرب، لا يمكن وصفه إلا بالشامل، وهو لا يزال ساريا ومستمرا، في المدن والبلدات والمناطق التي طالتها حمم طائرات «التحالف العربي»، في إطار ما يطلقون عليه «عاصفة الحزم»، ضد الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، الذي كان يوما بين أيديهم فافلتوه، بعد أن عالجوه وأعادوه إلى مركز قوته في اليمن، فالتقارير والصور المقبلة من هناك، لا تمثل سوى جزء من الواقع.
كل هذه الخسائر البشرية من أجل ماذا؟ ألإشباع غرائز مجموعة من الأشخاص المتهورين؟ لن يتحقق لكم ما تصبون إليه في اليمن، فلن تنجحوا في ما فشل فيه غيركم. وأذكركم بالزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، أيا كان الموقف منه، لكنْ، هناك إجماع على أنه كان يحرك الجماهير العربية «من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر»، ورغم ذلك عجز عن تحقيق الانتصار في أثناء تدخله لصالح طرف دون الآخر في اليمن في ستينيات القرن الماضي.
انطلقت الحرب بالوكالة تحت شعار «الحسم خلال اسبوع أو أيام»، ولكنها بعد سنتين ونصف السنة تقريبا لا تزال مستعرة، تحت «هدف معلن» والمخفي أعظم، وهو إعادة الرئيس الشرعي المنتخب عبد ربه منصور هادي، الذي أطاح به الحوثيون تدعمهم قوات علي عبدالله صالح، في 21 سبتمبر 2014، وكانت المشكلة في اليمن حتى تلك اللحظة مشكلة داخلية بين مكونات الشعب اليمني، وما كان للقوى الخارجية أن تتدخل فيه. نعم أطاح الحوثيون وأنصار علي عبد الله صالح، بالرئيس الشرعي هادي عبد ربه، ولكنها تبقى مشكلة داخلية لا تتحمل تدخلات خارجية. فرّ الرئيس القائد العام للقوات المسلحة من عاصمته، بل من كل البلاد تاركا وراءه أنصاره وجيشه.
أتمنى ويبقى ذلك طبعا من باب التمنيات، إذ لا أمل فيمن فقد بوصلته الوطنية، أن توفر وسائل الإعلام والصحف في المملكة، الجهود والوقت من أجل إيجاد مخرج لهذه الحرب، بدلا من البحث عن أسباب تبرر إلصاق صفة الإرهاب بحركة حماس، وشيطنتها، لأغراض في نفس يعقوب، فالتركيز على شيطنة حماس وفصائل فلسطينية أخرى، ليس وليدة هذه الأيام فحسب، بل يعود لزمن بعيد، ويأتي في إطار مخطط إسرائيلي أمريكي، لشيطنة القضية الفلسطينية بمجملها عبر شيطنة الفصائل واحدة تلو الأخرى، وكانت جوقة من الكتاب السعوديين الجدد، لا شغل لهم في مقالاتهم وعواميدهم سوى مهاجمة حماس، وكانوا بذلك يؤدون المهمة المطلوبة منهم.
إن «الأنظمة العربية السنية» وسياساتها الخاطئة والمتأخرة دوما، هي التي دفعت وتدفع حماس وغيرها نحو إيران. حماس لجأت لإيران بعدما ضاقت بها السبل، وبعدما فشلت سياسات الأنظمة العربية في احتوائها عقب رحيل قادتها عن سوريا وخروجها من دائرة النظام السوري. فشلتم وتركتم الميدان لإيران، والآن تحاولون إلقاء تبعات خيبتكم وفشلكم على الآخرين.
وأخيرا، ليس ثمة ما يشير إلى أن هذه الحرب ستصل إلى نهايتها الحتمية، وهي إما غالب أو مغلوب، بعدما فشل «التحالف العربي» بعد حوالي العامين ونصف العام، في إنجاز أي تقدم يمكن التعويل عليه، والتوقعات أن تستمر الغارات وتتزايد معها أعداد الضحايا، وأن تتفشى الأمراض التي كان العالم قد نسيها، والدمار وزرع الأحقاد الطائفية منها والقبائلية والعشائرية. فهل من عقلاء؟