عندما يعلن البعض انسلاخ النظام السياسي من هويته الثقافية الأصيلة، فإنه يفتقد بوصلة الرشد السياسي ويغرق في ممارسة الطغيان الداخلي وزراعة الفتن الخارجية ويقدم نفسه وكيلاً تابعاً لهذا النظام الغربي أو ذاك، في مقابل التضحية بكل القضايا القومية والإسلامية.
عندما يغرق أي نظام في مستنقع كهذا فلا غرابة أن يتحول بعض ناطقيه إلى مهرجين يثيرون السخرية في تقديم أنظمتهم إلى الشارع الغربي باعتبارها أنظمة تتبنى العلمانية وهم بالطبع لا يعنون العلمانية الغربية التي أعلنت الثورة على المؤسسة الدينية التي كانت تحارب العلم والحريات والديمقراطية لكنها علمانية ممسوخة تستخدم المؤسسة الدينية للحرب على الحرية والديمقراطية والمعارضة السياسية.
وفي هذا السياق تأتي تصريحات العتيبة التي كشف فيها اعتزام الإمارات ومعها السعودية البحرين ومصر التخلي عن هويتها الإسلامية وتبني المشروع العلماني خلال العشر السنوات القادمة.
والعلمانية التي يبشر بها العتيبة تكشف عن برنامج انقلابي للتمرد على منهج الدولة و دستورها القائم أساساً على الشريعة الإسلامية بدون العودة إلى الشعب، فهي علمانية مجردة من الحقوق والحريات والقيم الديمقراطية.
إن علمانية العتيبة ليست أكثر من عناوين دعائية لتجميل مخالب القمع والاستبداد أمام المجتمعات الغربية، فهي علمانية تعادي التدين الحقيقي الطوعي الحضاري الذي يتفق مع القيم الديمقراطية والإنسانية، وهي علمانية تتدخل في الدين لتسخره لمحاربة مطالب الشعب وتبرير القمع ومصادرة الحريات والحقوق وتجريم الدعوة إلى الإصلاح.
يا سعادة السفير، الحريات والديمقراطية ليست شعارات تتغنون بها مع تصاعد القمع والتعذيب وحملات الاعتقالات و محاكمة أصحاب الآراء الأخرى.
يا سعادة السفير، إذا كنتم تعتقدون أنكم تستطيعون مخادعة العالم باختزال العلمانية والحرية في حرية الإساءة إلى الدين الحق وممارسة التحلل الأخلاقي ومحاربة المصلحين فأنتم واهمون.
يا سعادة السفير، إذا كنتم تعتقدون أن هوية الشعب لعبة رخيصة في سوق النخاسة الدولية فأنتم واهمون.
إن شريعتنا الإسلامية لا تتعارض مع العلم والحرية والديمقراطية حتى نطالب بالعلمانية، ولكن القمع والاستبداد هو الذي يتعارض مع كل ذلك.
إن عجلة التاريخ تمضي إلى الإمام ولا تقبل العودة إلى عهود الديكتاتوريات والقمع وطال الزمن أو قصر فلا مناص من الإصلاح و الاستجابة لروح العصر في بناء الحكم الديمقراطي الرشيد وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية وبناء دولة الحق والقانون.