منذ أسبوعين ومع بداية استفزازات الاحتلال حين نصب البوابات حول المسجد الأقصى، شعرت بعجز وهزيمة لم أشعر بمثلهما من قبل. كنت أرى اجتماعات جامعة الدول العربية حول الموائد المستديرة والبيانات التي كتبها موظف ما يتلوها وزير ما يجلس على مقعد ما وبجانبه علم ما، ويقول كلاماً ما، ليستمر مشهد الحصار والاستفزاز وليزداد المشهد قتامة ولتزداد القدس ضياعا.
والحقيقة أنني شعرت بغصة وأنا أرى مصر بلا مظاهرات تقريبا.
العواصم العربية المهزومة تستمع قليلاً لفيروز، تدندن اللحن الجنائزي .. لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي ثم لا شيء .. يعودون لأعمالهم والقدس بعيدة تفصلهم عنها مسافات وأسلاك شائكة وجنود الأعداء الأغراب وجيوش تتكلم بلسانك، تقف على الحدود تحمي أعداءك. وحياة راكدة تكافح فيها الفقر والمرض وسعر الخضروات، تكافح من أجل جنيهات أو تتدافع في السوق من أجل كيلو من البامية، حياة صارت نضالاً على طبق سلطة. واقع أبشع ألف مرة من فيلم (الحدود) لمحمد الماغوط.
واقع تبدو فيه القدس صورة على الجدار أو محلا في شارع جانبي يحلم اسم (حاتي القدس)، تغضب فتغير صورة صفحتك على الفيسبوك إلى الأقصى، ترى أشعة الشمس تنعكس على قبة الصخرة .. تدب بقدميك في الأرض مع أغنية فيروز .. الغضب الساطع آت وأنا كلي إيمان .. الغضب الساطع آت سأمر على الأحزان.. تعيد سماع الأغنية مرة أو مرتين ثم ينتهي كل شيء.
لكن هذا الواقع الراكد كان على موعد مع منعطف التغيير. نساء فلسطين كنَّ يقفن على باب الأسباط يتضرعن إلى الله، المرابطون يقفون صفوفاً للصلاة. كل شيء هذه المرة تغير.
نعم في النهاية هُزم الصهاينة. هزيمة سياسية ولكنها هزيمة.
الموجة التي ظلت تكتسح ما أمامها 69 عاماً حتى ارتطمت بجدار من الصخر فارتدت.
لأول مرة ترتطم بجدار من الصخر ولأول مرة ترتد. نغمة جديدة نسمعها لأول مرة. فقد نشر موقع "عربي21" تقريراً عن انتقادات غير مسبوقة توجه لنتنياهو وأجهزة إعلام الحكام العرب تسارع لتنسب نصر الأقصى لأصحابها متجاهلة المرابطين المقدسيين.
بداية تغيير الواقع الراكد الذي ظل جاثما على الأنفاس منذ 69 عاماً.
انتصار للمرة الأولى في ملف لم نحصل فيه إلا على الهزيمة تلو الأخرى.
انتصار حقيقي هذه المرة وليس تمثيلية مدبرة توهمنا بالنصر وتخدرنا. انتصار حقيقي في صراع الإرادات مع حكومة الاحتلال.
نصر منحه الله عز وجل لمن يظنهم البعض، الطرف الأضعف!
انتصار جاء بعد سنوات من هزيمة الشعوب في مواجهة الأنظمة، التي يمسك الكيان الصهيوني بخيوطها ويحركها. انتصار جاء بعد أن حاصر الجميع فلسطين وضيقوا عليها وبعد أن بدأت الأنظمة في التكريس لواقع جديد تتعاون وتنسق فيه مع الاحتلال دون خجل فصار انقلابي مصر يتحدث عن (السلام الدافئ) وصار لا يعبأ بما تنشره الصحف على لسان رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية حين قال لهم إن (نتنياهو جدير بقيادة العالم)، ظناً من الأنظمة أن الشعوب قد ماتت وأنه لم يعد هناك خطر, فأتاهم الله من حيث لم يتوقعوا وجاء الأمل للشعوب المسلمة من حيث لا تتوقع الأنظمة.
هؤلاء المرابطون في الأقصى، قلبوا الطاولة على رأس الواقع الراكد، فاجأوا الجميع، هزموا فشلاً وركوداً داما عقودا. هذا هو النصر الأول على الاحتلال منذ إنشاء دولته في فلسطين، وهو تغير يكشف أننا ربما نكون بصدد تغير كبير في المنطقة.
هذا النصر الذي حققه الله عز وجل للمقدسيين هو أمل جديد يأتي من القدس، يمنحه الله لشعوب المنطقة المقهورة بعد عقود من الخيبات والهزائم.