نعم أيها الفلسطينيون.. نعم أيها المقدسيون لقد حققتم الانتصار، إنه انتصار فلسطيني بامتياز ولا فضل لنظام عربي عليكم ولن نزيد، نعم حققتم الانتصار بسواعدكم وتصميمكم وصمودكم وتضحياتكم وثورتكم الشعبية، لا بفضل غيركم من المتربصين يسرقون انتصار الأقصى.
نعم أيها الفلسطينيون.. نعم أيها المقدسيون لقد حققتم الانتصار، إنه انتصار فلسطيني بامتياز ولا فضل لنظام عربي عليكم ولن نزيد، نعم حققتم الانتصار بسواعدكم وتصميمكم وصمودكم وتضحياتكم وثورتكم الشعبية، لا بفضل غيركم من المتربصين لاختطاف هذا الانتصار وقطف ثماره، أو على الأقل الحصول على جزء من كعكته،
ولكن يظل هذا الانتصار معنويا، وإن كان كبيرا وكبيرا جدا، فالقدس والأقصى والضفة الغربية لا تزال تحت الاحتلال، والانتصار الحقيقي يكون بتحريرها من براثن الاحتلال الصهيوني.
حذارِ أيها المرابطون من مناورات وغدر دولة الاحتلال للالتفاف على انتصاركم ومحاولة إفساد فرحتكم، المعركة لم تنته بعد، والعدو ومن معرفتكم به، بالتأكيد يعد لضربة موجعة، ردا على الصفعة التي وجهتموها إليه وإلى كل دعاة الاستسلام والتطبيع والمتخاذلين والمتأسرلين و«السعوديون الجدد»، الذين من دون أن يرف لهم جفن، يريدون الالتفاف على صمودكم وانتصاركم وخطف هذا الانتصار منكم ونسبته لأنفسهم.
لم أكن أرغب في العودة إلى موضوع «السعوديون الجدد» حتى لا يعتقد البعض أنه جزء من حملة منظمة في إطار الخلافات الخليجية الخليجية. ولكن تبجحهم والضجة التي أثاروها بعد انتصار الأقصى، بدلا من التزام الصمت، وبدلا من التعبير عن الأسف عن مواقفهم المخجلة، راحوا يدعون هذا الانتصار لأنفسهم زورا وبهتانا.
فهؤلاء هم أنفسهم الذين دعوا مع بداية انتفاضة الأقصى، قبل أقل من أسبوعين، الفلسطينيين للتخلي عن الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وهم القائلون إنه لا يستحق دم فلسطيني واحد وكأن دماء الفلسطينيين التي تنزف لعقود تعنيهم بشيء! وهم الذين يرفضون في وسائل إعلامهم الإشارة إليه بالشهيد. وهم الذين أطلقوا هاشتاغ «سعوديون من أجل التطبيع» مع دولة الاحتلال. وهم الذين يرفضون تسمية الجيش الإسرائيلي بجيش الاحتلال، وهم الذين استبدلوا في وسائل إعلامهم أيضا قبل أكثر من عشرين عاما، مصطلح «دول الطوق (المحيطة بالكيان الصهيوني) بدول الجوار (وإسرائيل بالطبع هي الجارة الرحيمة المسالمة)» وهم أنفسهم وباعترافهم في وسائل إعلامهم أيضا من نصح «بنيامين نتنياهو» رئيس حكومة الاحتلال، بوضع البوابات الإلكترونية عند مداخل المسجد الأقصى، وهم أنفسهم الذين التزموا الصمت وعلى مدى أسبوعين، إزاء انتهاكات الاحتلال للأقصى، ولم يتطرق أي من كبار خطباء مساجدهم ودعاتهم من أمثال السديس أو القرني أو العريفي، حتى بالإشارة ولو من بعيد أو من باب المجاملة، إلى ما كان يجري في المسجد الأقصى.
والآن، بعد كل هذه المواقف، يطلعون علينا يوم الانتصار الكبير والتقهقر الاحتلالي، بهاشتاغ جديد «الأقصى في قلب سلمان»، أطلقه ناشطون سعوديون وكان موضع سخرية للعديد من المغردين، أطلقوه لا تعبيرا عن ندم، أو محاولة مسح الصورة المخجلة، أو محاولة اللحاق بقطار فاتهم.. بعد أن أضاعوا الفرصة، والفرصة لا تأتي إلا مرة واحدة.
والحقيقة تقال أن الملك سلمان كان من أكبر المؤيدين لحركة فتح والفلسطينيين، وهو في حديثنا ليس المعني، بل «السعوديون الجدد». وسارعت أشهر وسائل الإعلام السعودية إلى الادعاء بأن جهود الملك سلمان الموجود حاليا في إجازة في المغرب، بعد أن سلم إدارة شؤون البلاد لنجله ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يدعم حملة الانفتاح والتطبيع مع دولة الاحتلال بدفع وتوجيه من عرابه نائب رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، رائد التطبيع في المنطقة. أن جهود الملك سلمان، تكللت بالنجاح وبالشكل الذي يسهم في إعادة الاستقرار والطمأنينة للمصلين والحفاظ على كرامتهم وأمنهم. وهي بالمناسبة وسيلة الإعلام نفسها التي ادعت أن «الجنود الإسرائيليين (الرحماء) (وليس جنود الاحتلال) حاولوا إقناع الفلسطينيين بالدخول إلى المسجد الأقصى»، لكن الفلسطينيين هم الذين يرفضون. ولم يتطرق هؤلاء ولو بالإشارة إلى دور الشعب الفلسطيني بصموده ومقاومته وتصميمه، في تحقيق الانتصار وإرغام جيش الاحتلال على جر أذيال الخيبة، ولعق كل قراراته، والتراجع عن كل إجراءاته من أبواب إلكترونية وكاميرات ذكية وأجهزة كاشفة للمعادن وحواجز حديدية.
الانتصار في معركة الأقصى، ما كان ليتحقق لولا وحدة الفلسطينيين وتلاحمهم، شعبا وقيادة سياسية ودينية إسلامية ومسيحية وفصائل وتنظيمات. ولولا الموقف الحازم الذي تبنوه مجتمعين. فباتحادكم قوة لكم. وقد أثبتم ذلك فعلا لا قولا. الانتصار على قوى الاحتلال والشر والطغيان، ما كان ليتحقق لولا صمودكم ونضالكم وإرادتكم وتصميمكم وتضحياتكك، كما أثبتم مجددا «كم من فئة صغيرة غلبت فئة كبيرة».
وكما أسلفنا، هذا انتصار معنوي في حرب طويلة الأمد، فلا بد من البناء على هذا الإنجاز الذي حققه الموقف الفلسطيني الموحد، بتحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام، الذي لا يمكن تبريره وتفسيره إلا بتغليب المصلحة الفصائلية على المصلحة الوطنية ولا أستثني أحدا.
إن نصب البوابات الإلكترونية والكاميرات الذكية لم يكن وليدة اللحظة، بل كان جزءا من مخطط احتلالي مبيت، وكانوا في انتظار اللحظة المناسبة للتأكيد أن السيادة على الأقصى إسرائيلية بحتة. وجاءت اللحظة المناسبة في عملية «الجبارين الثلاثة»، فأخرج هذا المخطط إلى حيز الوجود كما يخرج الحاوي الأرنب من جرابه.
كان كل شيء مبيتا، مثلما كان المخطط لتقسيم الحرم الإبراهيمي في الخليل جاهزا، وجاءت اللحظة المناسبة في المجزرة التي ارتكبها باروخ غولدشتاين ضد مصلي الفجر في رمضان 1994.
إن ما جرى ويجري وسيجري في القدس ليس صراعا على أحجار وجدران وبوابات، إنه صراع قومي وجودي حضاري، وهذا ليس كلامي بل ما قاله الحاخام إيلي دهان نائب وزير الحرب الإسرائيلي «الأمر المهم بل الأهم، أن نفهم وندرك أن صراعا قوميا يدور هنا وليس نضالا موضعيا يتعلق بنصب بوابة إلكترونية، أو مسا متخيلا بالكرامة العربية. يدور هنا صراع قومي يوجد هنا عرب يريدون السيطرة على البلاد وأن يرثوها ويطردوننا منها، وهذا هو بالضبط جوهر الصراع، وهم سيقاتلوننا في كل فرصة تسنح لهم، وسيخترعون وجود الشعب الفلسطيني ويواجهون البوابات الإلكترونية، وفي كل مرة سيجدون سببا وذريعه لمقاتلتنا، لذلك يجب علينا أن نتحلى بنظرة أشمل وان نتصرف ونتعامل بطريقة مختلفه بشكل مطلق».
نعم، إنها معركة صراع قومي وجودي تاريخي حضاري. إنها معركة السيادة على الأقصى ودرته المسجد الأقصى، إنها معركة الحرم القدسي بقبة الصخرة، معركة البلدة القديمة، إنها معركة القدس التي ستبقى «زهرة المدائن» التي غنت لها المطربة فيروز، بعيد احتلالها عام 1967. إنها معركة وطن، معركة الدولة؛ فلا دولة فلسطينية من غير القدس، والقدس ليست شعفاط، وبيت حنينا، وصور باهر والعيزرية والعيساوية، أو سلوان وأبو ديس أو جبل المكبر والطور، أو جبل الزيتون أو الشيخ جراح إلى آخره، رغم اهمية ومعزة كل ملميتر من أرض القدس وفلسطين، القدس هي البلدة القديمة بتاريخها ومعالمها وحواريها وأحيائها وحوانيتها ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.
إنها معركة يفوز فيها فقط من يصبر ويثابر ويقاوم، لا من «يستسلم ويطأطئ رأسه أمام العاصفة، ويخسر من يرفع راية الاستسلام. وليس معروفا عن الشعب الفلسطيني أنه استسلم يوما. إنه شعب أثبت على مر التاريخ أنه الشعب الصبور المثابر الذي لا يقبل ضيما ولا ظلما ولا احتلالا ولا استعمارا. إنه فعلا شعب الجبارين.
وأخيرا؛ من يُحرّم على هذا الشعب النضال والمقاومة لاسترداد حقوقه، ليس منا. ومن يدعو الفلسطينيين للتخلي عن القدس، غريب عنا. ومن تذكّر بعد 1400 سنة أن الأقصى ليس المسجد الذي جاء ذكره في سورة الإسراء، ملفوظ من بيننا. من يدعو إلى التطبيع مع دولة الاحتلال، مدسوس علينا. من يحاول إخفاء عوراته بالخوف على مصالح الشعب الفلسطيني مكشوف لدينا. ومن يحاول ذرف دموع التماسيح على دماء الفلسطينيين، هو بالتأكيد ليس منا. ليس منا من يرى في الاحتلال حالة لا تستوجب النضال والكفاح والجهاد. ليس منا «شيوخ السلاطين» الذين يتعاملون مع الدين كوسيلة للاسترزاق والثراء. لا يشبع جشعهم وتعطشهم للمال شيئا، و«لا يملأ عيونهم سوى التراب» كما يقال. فهؤلاء هم المنافقون الملعونون والملفوظون والمرفوضون في مجتمعاتنا.