يشير الستيني كندريك بايلي بيده إلى العلم الأميركي الصغير الذي زرعه في حوض للزهور قرب خيمته... رغم سنوات الخدمة التي أمضاها خلال حرب فيتنام، يعيش هذا العسكري السابق اليوم حياة تشرد على رصيف قذر في لوس أنجليس.
ويقول: "لم أتقدم كثيرا في تحصيلي العلمي لذا اتجهت للحياة العسكرية. كان أناس يموتون جراء انفجار قنابل يدوية، كنا نرى أشخاصا يُقتلون (...) كان ذلك مريعا".
وقد كانت عودته للحياة المدنية قاسية. ويوضح هذا الرجل بحسرة: "لم أجد يوما عملا". ومع أنه "أقام في منازل أناس آخرين" في الماضي، انجرف بايلي سريعا في الدوامة التي تطال كثيرا من قدامى المحاربين الأميركيين بما يشمل الاضطرابات النفسية والبطالة والإدمان على الكحول والمخدرات والعزلة الاجتماعية والعائلية والسجن من ثم... الشارع.
وحوله في حي سكيد رو المعروف بأنه يضم أكبر عدد من
المشردين في الولايات المتحدة، يفترش 5 آلاف شخص الأرصفة والشوارع.
أكثرية هؤلاء هم من السود أو المتحدرين من أصول أميركية لاتينية ويعانون أمراضا ذهنية أو حالات إدمان، وكثير منهم عسكريون سابقون. وفي بلد يمجد فيه "أبطال" الأمة، وضعت الحكومة الفدرالية خصوصا في ظل إدارة الرئيس السابق الديموقراطي باراك أوباما ومدينة لوس أنجليس كأولوية لها إيواء قدامى العسكريين والمشردين كما أعلنت رصد مئات ملايين الدولارات بخاصة على شكل "قسائم سكن" وضمانات للإيجارات.
"أين ذهب المال؟"
وقد حصل نحو 3500 مقاتل سابق على مسكن دائم العام الماضي في مقاطعة لوس أنجليس. وعلى الرغم من التقدم المسجل خلال السنوات الأخيرة، تثير أحدث الإحصائيات قلقا كبيرا، إذ إن عدد المشردين في المقاطعة ارتفع بنسبة 23 % إلى 58 ألف شخص العام الماضي بينهم 5 آلاف عسكري سابق (ارتفاع 57 % خلال عام).
ويقول غاري بلازي وهو أستاذ الحقوق في جامعة "يو سي أل ايه" والخبير في هذا الملف: "نسير في الاتجاه الخطأ (...) نظرا إلى ثروة الولايات المتحدة ونفقاتها العسكرية (الهائلة) هذه فضيحة".
ويعزو الخبراء هذه الظاهرة إلى النقص الصارخ في المساكن الاجتماعية في إطار يتسم بالارتفاع الكبير في أسعار العقارات مع ثبات في الرواتب الدنيا.
وثمة صعوبة أخرى تكمن في تمنّع مالكي عقارات كثيرين عن تأجير مشردين من المقاتلين السابقين خشية تسببهم بإزعاج للآخرين رغم كون تسديد الإيجارات مضمون من الدولة. كذلك تندد الجمعيات بتراجع عديد العاملين في وزارة قدامى المقاتلين في لوس أنجليس العام الماضي، وهو ما أبطأ بدرجة كبيرة عمليات المتابعة للملفات الجديدة.
وقد قاضت جمعيات عدة الحكومة لإرغامها على الالتزام بتعهداتها بتحويل مجمع واسع إلى مساكن للعسكريين السابقين.
ويسأل ستيف ريتشاردسون الملقب بـ"جنرال دوغون" من جمعية محلية للدفاع عن حقوق المشردين "أين يذهب المال؟". ويندد هذا الرجل الذي يعرف بدقة حي سكيد رو بنكث السلطات بوعودها إذ يشير إلى أن رئيس بلدية لوس أنجليس إريك غارسيتي لا يبذل أي جهد في هذا المجال لأنه "مؤيد لإضفاء طابع برجوازي" على لوس إنجليس.
"كما في فيتنام"
وتؤكد تيلمي بيريز وهي ناشطة في الدفاع عن المشردين أن مباني بإيجارات معتدلة القيمة تُهدم لتحل محلها أخرى فارهة خصوصا في حي داونتاون في لوس أنجليس على مقربة من سكيد رو. كذلك فإن استفادة قدامى المقاتلين المشردين وكثير منهم مقعدون من تعويضات ومساعدات على السكن ليست بالأمر اليسير.
ويوضح جوزف شكريان البالغ من العمر 33 عاما وهو مشرد منذ 14 شهرا: "لا أملك مالا في بطاقات الائتمان للحصول على شهادة ولادة في تكساس وليس لدي أي عنوان، لذا من الصعب جدا الاستحصال على بطاقة هوية ما يحول دون تقديم طلبات" للمساعدات الحكومية. أما كندريك بايلي فيؤشر إلى الغرامات التي تلقاها بسبب تضييق خيمته ومقتنياته الهزيلة للرصيف. وتبلغ قيمة هذه الغرامات حوالي 1200 دولار.
ويقول "الجنرال دوغون" إن "هؤلاء الأشخاص قاتلوا في سبيل هذا البلد وعندما يعودون يتعين عليهم افتراش الأرض كما لو كانوا ما يزالون في فيتنام".
بدل مقاتلة جيوش أخرى هم يواجهون الشرطة التي تريدهم أن يغادروا لأن وجودهم يؤثر سلبا على الأعمال التجارية. غير أن المدينة "استثمرت مئات ملايين الدولارات على السكن والخدمات للمشردين"، بحسب تأكيد أليكس كوميسار المتحدث باسم رئيس بلدية لوس أنجليس إريك غارسيتي لوكالة "فرانس برس".