نشر موقع "ميدل إيست آي" في لندن تقريرا لمراسلته ليزي بورتر، يكشف فيه عن أدلة تشير إلى تورط الجيش
اللبناني بتعذيب اللاجئين السوريين.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن صورا مثيرة للرعب تظهر آثار
التعذيب التي تعرض لها أربعة لاجئين، حيث تم اعتقالهم بعد مداهمة لبلدة عرسال القريبة من الحدود السورية.
وتقول بورتر إن اللاجئين الأربعة ماتوا في المعتقل، بعد حملة اعتقالات واسعة طالت اللاجئين السوريين، وماتوا بعد اعتقالهم لعدة أيام لدى الجيش اللبناني، وهو ما أدى به إلى فتح تحقيق في الأمر، لافتة إلى أن صور التشخيص الأولية أظهرت أن "لا أدلة على تعرضهم للعنف"، وأنهم ماتوا لأسباب طبيعية.
يستدرك الموقع بأن الصور التي شاهدتها مراسلة "ميدل إيست آي" تظهر آثار كدمات عدة وجروح على أجساد ثلاثة منهم، وهم مصطفى عبد الكريم العبسي، وأنس حسين الحسيكة، وخالد حسين مليص، والرابع واسمه مهري مليص.
وينقل التقرير عن مصدر قانوني شاهد الصور في 11 تموز/ يوليو، قوله إن الجيش ترك الأربعة والقيود البلاستيكية على أيديهم ولأيام عدة، بشكل أدى إلى التسبب بالألم والأذى لأيديهم وأرجلهم، وأضاف: "هناك جراح منتشرة على أجسادهم كلها؛ خاصة أكتافهم وأذرعهم وركبهم، وأخبرني الذين اعتقلوا وأفرج عنهم بأنهم تعرضوا للتعذيب أيضا".
وتورد الكاتبة أن المصدر القانوني، الذي لم يكشف الموقع عن اسمه؛ لأسباب أمنية، تساءل عن الرواية الرسمية للأحداث، التي جاء فيها أن المعتقلين ماتوا نتيجة لسكتة قلبية أو جلطات دماغية بسبب الجو، وقال: "كيف يكرر (تقرير الوفاة الصادر عن الجيش) بأنه لم يحدث عنف؟ وكيف يقول الطبيب أنهم لم يتعرضوا للعنف؟"، وأضاف: "من الواضح وجود جراح على الرأس الذي ترك ينزف".
وينقل الموقع عن مصدر ثان لديه خبرة في فحص صور لضحايا التعذيب، قوله: "تكشف الصور عن أدلة كافية على وجود إشارات تعذيب"، وأضاف: "هذا دون شك، وهناك إشارت للضغط والكدمات على الأيدي، بشكل يشير إلى أن الضحية تم تعليقه من يديه"، وتابع قائلا: "لن تكون إشارة على مظاهر قيد عادية؛ لأن مستوى الصدمة والضغط يظهر بوضوح أنه تم تعليق الضحايا من أيديهم".
ومضى المصدر الثاني قائلا للموقع: "يمكننا مشاهدة ملامح من الصدمات الكثيفة على البطن والجزء السفلي من الظهر، وهي ليست بالتأكيد نتيجة للوقوع على الأرض، فلو سقط شخص فإن الصدمة ستكون على الأطراف، وليس في وسط البطن".
ويلفت التقرير إلى أن أقارب الضحايا عبروا عن شعورهم بالارتباك من رواية الجيش، وقال أحد الأقارب، الذي قدم صورة للموقع التقطت أثناء دفن قريبه: "لم يكن يعاني من مشكلات صحية سابقة"، وأضاف: "كان في صحة جيدة 100%"، وعندما سئل عن تعرض قريبه للتعذيب، فإنه أجاب: "الله أعلم، لكن الصور تتحدث بنفسها"، وقال مصدر آخر من مستشفى عرسال إن واحدا من الضحايا كان عاملا في المستشفى، ولم يكن في مخيم اللاجئين "وكان خبيرا في التخدير"، وأضاف: "عندما قالت رواية (الجيش) إنه كان يعاني من مشكلات صحية شعرنا بالصدمة؛ لأن الواقع ليس كذلك، بل كانت صحته جيدة".
وتفيد بورتر بأن محامين عن ثلاثة من الضحايا استطاعوا الحصول على إذن لفحص الجثث، إلا أن الأمن العسكري تدخل وقام بمصادرة العينات التي أخذت من الجثث قبل أن يتم فحصها، حيث قال وسام طريف، الذي يمثل ثلاث عائلات: "لسنا مقتنعين في دقة التقرير الأولي"، وأضاف: "لم يحصل تحليل مستقل، ووضعوا معوقات أمام هذا الأمر، وحصلنا على أمر من قاض في زحلة للقيام بتشريح مستقل، وتم نقل العينات إلى هوتيل ديو (مستشفى) في بيروت، إلا أن الأمن العسكري تدخل وأخذ العينات".
ويذكر الموقع أن مراقبين في شؤون حقوق الإنسان قاموا بإرسال الصور للخارج؛ لفحصها بشكل مستقل، وسط مخاوف من عدم نشر الجيش للتحقيق الذي قام به في الحادث.
وينقل التقرير عن الباحث في منظمة "هيومان رايتس ووتش" في لبنان بسام الخواجة، قوله: "أرسلنا صور ثلاث جثث إلى طبيب لديه خبرة في توثيق التعذيب؛ لتقييمها والنظر فيما إن كانت تحمل أدلة على الوفاة، خاصة أن في لبنان تاريخا لفتح تحقيقات، لكن لا يتم نشر الأدلة، ولا يعرف الرأي العام والعائلات النتائج".
وتنوه الكاتبة إلى أنه تم اعتقال الأربعة بعد عملية للجيش في مخيمي عرسال، النور والقرية، حيث كان الجيش يبحث عن "إرهابيين"، وقوبل بسلسلة من الهجمات الانتحارية وإلقاء القنابل اليدوية التي جرحت عددا من الجنود، واعترف الجيش بمقتل سوري أثناء العملية وطفلة وأربعة في الحجز، إلا أن مصادر في عرسال قالت إن هناك سبعة على الأقل قتلوا في المخيمين، ما يرفع عدد القتلى إلى 12 شخصا.
ويورد الموقع نقلا عن مصدر عسكري، قوله إن المستشفيات في عرسال وتلك القريبة في شرق لبنان استقبلت جثثا عدة قبل عملية الجيش وبعدها، وأشار المصدر إلى أنه "قبل أربعة أيام من العملية في 4 تموز/ يوليو استقبلنا أربع جثث من بلدية بعلبك، وتم دفن ثلاث منها مباشرة، والرابعة كانت لشخص وقد تشوهت وقطعت يداه، وترك لمدة أسبوع حتى يتم التعرف على هويته، لكنه دفن بعد أسبوع".
وتبين بورتر أنه في الوقت الذي زعم فيه الجيش أن الطفلة السورية قتلت بسبب هجوم انتحاري، فإن مصادر أخرى قالت إنها ماتت دهسا تحت عربة مصفحة للجيش، ومنع الأطباء من فحص جثتها، وقال المصدر للموقع: "استقبلنا جثة طفلة بالغة من العمر 4 أعوام، ولم يسمح لنا بفحصها"، وأضاف: "قالت معظم العائلات إن الطفلة ماتت دهسا، وبالطبع لم أكن هناك لأشهد على ما حدث"، لافتة إلى أن جثة أخرى نقلت لمستشفى رفيق الحريري في بيروت، قبل أن تعاد للدفن في عرسال، ولا يعرف سبب فصلها عن البقية.
ويشير الموقع إلى أن التفاصيل حول وفاة الأربعة جراء التعذيب تأني على خلفية تاريخ من ممارسات العنف المتهم بها الجيش، ففي نهاية كانون الأول/ ديسمبر، نشرت "هيومان رايتس ووتش" تقريرا مرعبا عن لاجئ سوري ضرب وتعرض للشتم، وعلق من عمود في سجن الريحانية العسكري، لشبهة أنه "مثلي"، لافتا إلى أن "هيومان رايتس ووتش" وثقت 10 حالات قال فيها مدنيون إنهم تعرضوا للتعذيب والتحقيقات دون حضور محامين.
وينقل التقرير عن مدير برنامج "هيومان رايتس ووتش" في لبنان جورج غالي، قوله: "يستخدم التعذيب ولا يمكننا نفيه، ولم تتم محاسبة المسؤولين عن هذه الحالات، بشكل خلق ثقافة حصانة من العقاب وتسامح معها وقبول لها"، وعبرت مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عن مظاهر القلق، مشيرا إلى أن مداهمة الجيش اللبناني لعرسال في 30 حزيران/ يونيو تعد الأخيرة من سلسلة مداهمات يقوم بها الجيش تحت ذريعة الأمن، حيث تم اعتقال 350 لاجئا خلال هذه المداهمات، ويعبر مراقبو حقوق الإنسان عن قلقهم من فشل المؤسسات الأمنية بمعاملة المعتقلين بإنسانية.
وبحسب الكاتبة، فإن مداهمة الشهر الماضي أثارت غضبا بين اللاجئين، بعدما تم تداول الصور للاجئين وهم ملقون على وجوههم، وتحت حراسة الجنود، مشيرة إلى أن الجيش لم يقدم مبررات اعتقال لمن احتجزهم.
ويعلق غالي قائلا للموقع: "جعلهم يستلقون على بطونهم ووجوههم على الأرض لن يقدم أمنا ولا حماية"، ويضيف: "إن استمرار انتهاك حقوق الإنسان، وبطريقة منتظمة، سيغذي الجو المرحب بالتشدد".
ويكشف التقرير عن أنه لم يسمح للصحافيين ولا مراقبي حقوق الإنسان بدخول عرسال منذ العملية الأخيرة، التي يتعامل الجيش معها على أنها منطقة عسكرية، مستدركا بأنه رغم الإفراج عن الذين اعتقلوا في المداهمة الأخيرة، إلا أن منظمات حقوق الإنسان قلقة حول مصير من لا يزالون في المعتقلات، حيث يقول بسام الخواجة من "هيومان رايتس ووتش": "هناك بالتأكيد أشخاص لا يزالون في المعتقلات".
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى أن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري قال في 10 تموز/ يوليو إن التحقيق في الحادث سينتهي في غضون يومين أو ثلاثة أيام، وحتى الآن لم يصدر شيء.