كشفت وثائق الأمم المتحدة التي تم تسريبها مؤخرا أن هناك نزاعا داخليا كبيرا في الأمم المتحدة؛ متعلقا بنهجها إزاء الإبادة الجماعية للروهينغا.
وهذا شيء متوقع. فهناك صراع بين الأهداف الإنسانية الحقيقية للأمم المتحدة، والتي لا تزال الطبقة الثانوية من المسؤولين تؤمن بها، وهناك الأجندة المرسومة التي تهيمن عليها الشركات بشكل متزايد. فالتركيز على الاستثمار الإنمائي كحل لمشاكل
ميانمار تسبب في عرقلة حتمية لقدرة الأمم المتحدة على اتخاذ أي إجراء هادف لوقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يرتكبها النظام، بعد أن أصبحوا يخشون أن يؤدي هذا إلى التأثير بالسلب على العقود التجارية المحتملة والمشاريع الاستثمارية التي تسعى إليها الشركات متعددة الجنسيات. ولذلك يجب أن نرى الأمم المتحدة، في هذه المرحلة، كشريك لنظام ميانمار في الحفاظ على الوضع الراهن؛ حتى لو كان ذلك يعني مواصلة الإبادة الجماعية.
ويجب أن ننظر لقرار "أون سان سو كي" برفض منح تأشيرات لفريق الأمم المتحدة المختص بالتحقيق في الانتهاكات ضد الروهينغا في ميانمار؛ كدليل على هذه الشراكة. فرفض السماح بدخول محققي الأمم المتحدة يعتبر تكتيكا مفيدا لكلا الطرفين. فبالنسبة للنظام، هذا بطبيعة الحال يعتبر تأكيدا رمزيا على سيادته، كما أنه سيؤدي بالتأكيد لتأخير (لا منع) الإفراج عن تقرير آخر يدين الفظائع المستمرة. ومن المرجح أيضا أن هناك حملة عسكرية أخرى في طريقها إلى التنفيذ، وهذا سينهي الحاجة لتأجيلها، ولن يجعل تنفيذها مرهونا بالقيود التي يتطلبها وجود فريق تحقيق تابع للأمم المتحدة.
بيد أنني أعتقد أن الأمر أكثر فائدة للأمم المتحدة، فحظر محققي الأمم المتحدة من القيام بتحقيقاتهم يجعل الأمر يبدو كما لو كانوا ذوي أهمية أو فاعلية بشكل ما، بعد أن كشفت الوثائق المسربة عن عدم فاعليتهم. فمن خلال حظر فريق الأمم المتحدة، دفعت أون سان سو كي عن الأمم المتحدة تهمة عدم كفاءتها. كما أن منع دخول المحققين يكسب للأمم المتحدة المزيد من الوقت لتجنب التوقعات بتدخلها بفاعلية أكبر. وحتى لو كان قد تم السماح للفريق بالدخول، فإن نتائج التحقيقات لن تكون على الأرجح مختلفة عن تلك التي أجريت في السابق، وهذا من شأنه أن يضغط على الأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات تصعيدية (وهو شيء لا تريد القيام به). كل ما عليها القيام به الآن هو انتقاد النظام لحرمان فريقها من الدخول، والمطالبة بالحق في التحقيق.. مرة أخرى. ومن هنا فمنع دخول المحققين يسمح بمواصلة حلقة التقاعس، وهو ما يريده كل من النظام والأمم المتحدة.
وبينما أكتب هذا، ووفقا لمصادر على الأرض في أراكان، فهناك حوالي "400 جندي مدججين بالأسلحة والبنادق دخلوا بلدة بوثيداونغ الحضرية... فساروا على الطريق الرئيسي حيث أحياء
المسلمين. وكانوا وكأنهم يستعدون لمعركة ما، يصرخون، ويركضون، وعلى رؤوسهم أوشحة حمراء... والناس يشعرون أن هذه التدريبات نذير خطر قادم... فنحن لا نعرف بالضبط ما هي نواياهم ..."، لذلك، فاستنادا إلى التجربة السابقة، أفترض أن هناك حملة قمع وشيكة.
وبمجرد الانتهاء من حملة القمع القادمة، ربما يُسمح للمحققين بمقابلة الضحايا الجدد وتوثيق الفظائع الجديدة. وسوف يستجيب النظام بعمل تحقيقه الخاص للتأكد من مزاعم الأمم المتحدة بإساءة المعاملة؛ وذلك حتى تستمر الحلقة المفرعة للتطهير العرقي في الدوران والدوران والدوران.
الأمم المتحدة تعمل كمثبت بين مجتمع الأعمال الدولي والنظام في يانغون؛ وهي تبذل قصارى جهدها لكلا الجانبين لضمان عدم ضياع فرص الاستثمار. ولن يكون هناك أي حل لهذه الكارثة من خلال الأمم المتحدة، إذ لا بد من تناول المسألة مباشرة مع المستثمرين والشركات التي تخدم مصالح الأمم المتحدة، ويجب أن تتناولها دوائر المستهلكين لخدمات وسلع هذه الشركات؛ في ميانمار، وفي ماليزيا، وفي إندونيسيا، وفي منطقة جنوب شرق آسيا برمتها، بل وفي العالم كله شرقه وغربه.