من يتابع المشهد السياسي الخليجي يصاب بالدهشة والذهول من المواقف التي اتخذتها بالأمس ثلاث دول خليجية وهي السعودية والإمارات والبحرين بحق دولة قطر الخليجية من قطع للعلاقات وطرد للمواطنين القطريين وإيقاف للرحلات الجوية وقطع للصادرات إلى قطر وغيرها من الإجراءات الصارمة التي فوجئنا بعد أيام من حملة إعلامية شنتها وسائل إعلامية تابعة لهذه الدول ضد دولة قطر .
• لماذا يغلقون أبواب التفاهم والحوار ؟!
كلنا ندرك أن هناك تباينا في الرؤى واختلافا في المواقف بين قيادة دولة قطر وبين قيادة السعودية والإمارات إزاء ملفات عربية وإقليمية عدة وكنا نتوقع ان يتم التعامل مع هذا الأمر على أنه اختلاف طبيعي لا يفسد التعاون الخليجي ولا يضر بالجوار بين دولة شقيقة وجارتها ولا يلغي الشراكة الخليجية في تحالفات كانت قائمة بين دولة قطر وتلك الدول خاصة وأن رؤاها تتوافق مع السعودية والإمارات في ملفات عديدة بالمنطقة خاصة وان هذا التأزم بالعلاقات بين قطر وبعض دول الخليج ليس الأول وقد تم حل الأزمات السابقة بالتفاهم والحوار والذي تدعو إليه قطر الآن وتبدي استعدادها للجلوس مع الجميع للوصول إلى حلول مرضية إزاء كل الاشكاليات والقضايا العالقة بين الجانبين ولكن ما حدث هو إغلاق لقنوات الحوار ووصد لأبواب التفاهم مع قطر وإلغاء لتلك الشراكة معها في ملفات في المنطقة منها مشاركتها في العمليات العسكرية للتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن .
ورغم كل ما يحدث فما تزال هناك بعض الجهود الدبلوماسية التي تهدف لنزع فتيل التوتر في الخليج وتسوية الخلافات بالحوار والتفاهم وفي مقدمة هذه الجهود الدبلوماسية تأتي الجهود الكويتية وهي جهود اللحظة الأخيرة التي إن فشلت فقد تتجه الأمور إلى التصعيد المفتوح على كل الاحتمالات .
ما نود التأكيد عليه ان مثل هذا التأزيم في الخليج والذي أعقب زيارة الرئيس الأمريكي إلى السعودية مؤخرا لا يخدم الأمن والاستقرار والتنمية المشهودة في دول الخليج ولا يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة التي تعيش حروبا وصراعات في كثير من دولها وهذا التصعيد سيصب لصالح أعداء العرب والمسلمين الذين سيجنون ثماره بلا شك كما أنه يتنافى الأخوة العربية وحقوق الجار العربي المسلم ويتعارض مع مواثيق وأدبيات مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية والأمم المتحدة وقبل هذا كله يتنافى مع الشريعة الإسلامية والأخلاق العربية التي تأبى الضيم وظلم الجار والغدر بالأخ العربي وتسليمه للأجنبي .
• إرهاب بذريعة مكافحة الإرهاب !
للأسف ما تقوم به السعودية والإمارات والبحرين إزاء دولة قطر من قطع للعلاقات وغلق للأجواء وطرد للمواطنين القطريين من أراضيها وغيرها من الاجراءات التصعيدية وقبلها وخلالاه الحملات الإعلامية التي وصلت لحد شيطنة قطر واتهامها بشتى الاتهامات كل هذا يتم بدعوى ان قطر تدعم الإرهاب وتموله ولو أمعنا النظر جيدا لوجدنا أن هذه الإجراءات هي إرهاب من نوع آخر تمارسه دولا بحق جارتها كما أنه ابتزاز سياسي يهدف لإجبار قطر على الخضوع لمنظومة من الاشتراطات المذلة بحيث يتم تجريد القرار الوطني القطري من استقلاله وسيادته ورؤاه واستراتيجيته السياسية الداخلية والخارجية وإعادة صياغة الدور الإقليمي القطري في المنطقة بما يتناغم مع الموقف الأمريكي المتناغم مع الموقف السعودي والإماراتي وهذا يتنافى مع مبدأ سيادة الدول واستقلالها وامتلاكها لقرارها الوطني ومؤكد بأن قيادات دول السعودية والإمارات والبحرين لن تقبل بأي حال من الأحوال بأي حملة تصعيدية ضدها من قبل جيرانها أو غيرهم تهدف لابتزازها واخضاعها لقائمة من الاشتراطات المذلة وتجريدها من قرارها الوطني واستقلاله وسيادته وتغيير رؤاها وسياستها الداخلية والخارجية وإعادة صياغة دورها الإقليمي في المنطقة لكنها ما تمارس هذا الآن بحق دولة قطر الجارة التي غدت بين ليلة وضحاها العدو المبين .!
• على عقلاء المنطقة التحرك العاجل
شخصيا استغرب المواقف الباردة والصمت الذي تبديه القيادات العربية والاسلامية في المنطقة إزاء ما يجري بالخليج من تأزيم مفتوح على كل الاحتمالات ولا شك أن تداعياته السلبية لن تهدد منطقة الخليج لوحدها ولكنها ستلقي بظلالها الكئيبة والسوداء على الأمة العربية والإسلامية ولعل في التجربة المريرة للغزو العراقي لدولة الكويت مطلع التسعينات من القرن الماضي خير دليل على ما نقول حيث استمرت التداعيات السياسية والاقتصادية والعسكرية السلبية لتلك التجربة الكارثية لأكثر من عقدين من الزمان وانقسمت الأمة العربية إثر ما حدث إلى معسكرين كبيرين وتفرق الصف العربي وأحدث ذلك الغزو شق كبير في النفوس والقلوب وتصدع في المواقف والسياسات ودفعت شعوب عربية مثل السودان واليمن ثمن مواقفها وتصريحات قياداتها في تلك الأحداث واعتذرت اليمن للكويت قبل سنوات قليلة من موقفها المؤيد للرئيس العراقي حينها صدام حسين خلال تلك الأحداث التي جرت قبل ما يقارب 30 عاما ، أعيد التذكير بما حدث إزاء الغزو العراقي للكويت وما تبعه من تداعيات لعل القيادات في السعودية والإمارات ترجع البصر كرتين فيما يحدث وتعيد مواقفها من دولة قطر وما تخطط له إزاءها وتجنح للحوار والتفاهم معها والذي سيثمر بلا شك وسيؤتي أكله ويجنب المنطقة تداعيات خطيرة ونتائج كارثية في حال الاستمرار بالتصعيد والمغامرة في استهداف قطر وقيادتها عسكريا وهو احتمال وارد ولو بنسبة ضئيلة .
ولعل الجهود التي تبذلها دولة الكويت مشكورة تأتي نتيجة للخبرة التي تمتلكها هذه الدولة الخليجية التي اكتوت من قبل بنيران الغزو العراقي وذاقت مرارة ظلم الأخ لأخيه وغدر الجار بحاره وعانت لسنوات عديدة من تداعيات ذلك الغزو ولذا صارت لا ترضى أن يتكرر هذا الظلم لدولة جارة وشقيقة مثل قطر .
•دعوة أخيرة للقيادات والعقلاء
ختاما نتمنى من كل القيادات العربية والإسلامية والعقلاء والحكماء والنخبة العربية والإسلامية التحرك العاجل لاحتواء ما يحدث في الخليج ونزع فتيل التوتر وحل الأزمة بالحوار والتفاهم حتى لا نجد أنفسنا جميعا أمام كارثة جديدة في منطقتنا التي تشهد حروبا وكوارث عدة ولم يعد بمقدورنا احتمال كارثة جديدة .