إن ما شهدته منطقة الخليج العربي من عاصفة إعلامية كبيرة خلال الأيام القليلة الماضية استهدفت أساسا دولة قطر، يمثل دليلا جليا على حجم الصراعات التي تمزق الجسد الخليجي من الداخل.
العاصفة تفاقمت إعلاميا وبلغت حدودا ما كان لها أن تبلغها لولا مجموع العناصر التي ارتبطت بها والتي تعبر عنها خاصة في السياق الخاص والعام للحملة الإعلامية.
فبقطع النظر اليوم عن العوامل التي قادت إلى الأزمة مثل قرصنة موقع وكالة الإعلام القطرية وغيرها من العوامل المغذية، فإن جملة من النتائج والاستنتاجات يمكن تبينها في خضم المخاطر الكبيرة التي تحدق بالمنطقة وبشعوبها.
أول ما يمكن تبينه هو أن العاصفة على السطح إنما تترجم عمق الخلافات داخل دول مجلس التعاون وهي خلافات لا تنفك تعود إلى الواجهة وتهدد بمخاطر الانزلاق إن لم تتم معالجتها اليوم وبأسرع وقت ممكن. هذه الخلافات يعود بعضها إلى سنوات قديمة يمكن أن ترتقي إلى مرحلة تأسيس الدولة خلال بدايات النصف الثاني من القرن الماضي وخروج الاستعمار البريطاني.
والبعض الآخر حادث حديث ومستحدث مثل حرب الخليج أو ثورات الربيع العربي وهو يتصل بوقائع كثيرة ضربت منطقة الخليج العربي أو جواره المباشر فأدت إلى إحداث صدع كبير داخله باعتباره القطعة العربية الأكثر تماسكا. بناء عليه، فإن مشهد اليوم هو بنية من التراكمات القديمة وهي البنية التي تحكم خاصية التعاود والتكرار لهذه الموجات الانفعالية التي تتطور أحيانا إلى صراع علني وتبادل للتهم البينية.
ثاني هذه العناصر هو التنافس الذي لا يخفى بين الفواعل الإقليمية من أجل لعب أدوار متقدمة داخل مجلس التعاون، وخاصة بين القوى الصاعدة ممثلة في دولتي قطر والإمارات. ففي الوقت الذي تراجع فيه دور السعودية كلاعب مباشر وسريع في الملفات الإقليمية لأسباب كثيرة تحركت القوى الإقليمية من أجل سد هذا الفراغ الاستراتيجي.
هذا التراجع لدور السعودية ليس ضعفا بنيويا وليس غيابا للقدرة الذاتية بقدر ما هو غياب للمبادرة، وحذر مبالغ فيه وفشل في المناورة السياسية خلال التجارب القليلة الماضية. فحرب الخليج الأولى والثانية أدتا إلى انهيار واحدة من أهم بوابة الخليج العربي وبوابات المملكة بعد سقوط نظام صدام حسين واختراق المشروع الايراني للحاضنة العربية السنية. أما بعد الربيع العربي والخطأ الخليجي الكبير في التعامل معه ودعم الثورات المضادة فقد انكشف المشروع الإيراني في اليمن حيث بقيت السعودية تدعم علي صالح إلى أن انقلب عليها وتحالف مع المشروع الايراني.
إن ضرورة استعادة السعودية زمام المبادرة داخل منطقة الخليج يمثل خطوة على الطريق الصحيح لرأب الصدع الخطير الذي يضرب المكون الأهم للأمتين العربية والإسلامية. ولن تكون هذه الاستعادة إلا باستقراء حقيقي للمتغيرات داخل المنطقة في قراءة تتجاوز الإطار التفاعلي التقليدي لسياسة المملكة لأن تسارع خطى المشاريع الإقليمية وتراجع الفواعل العربية السنية في كل مكان من سوريا والعراق واليمن ينذر بما هو أخطر وأشد.
من الصعب القول بأن نفس الحلول تصلح لنفس المشاكل في أزمان وسياقات مختلفة وبناء على هذه القاعدة فإن إعادة قراءة التحالفات في منطقة الخليج العربي وأثرها على المحيط الإقليمي المباشر والدولي الواسع هو الذي يمكن أن يكون مدخلا حقيقيا لتحصين البيت الخليجي.
لا يمكن من جهة أخرى قراءة التحالفات الجديدة دون الأخذ في عين الاعتبار التغير العميق الذي طرأ ولا يزال على بنية الوعي العربي الشعبي القاعدي بسبب ما أحدثته ثورات الربيع العربي من اهتزازات غيرت كامل المشهد محليا وإقليميا ودوليا.
فالمواطن العربي والمواطن الخليجي ليس هو نفس المواطن الذي كان قبل اندلاع ثورات الربيع العربي، لأن حجم الكشف في المشهد وفي طبيعة المكونات وأدوارها كان بالضخامة والعمق اللذين غيرا تمام تصور العربي والمسلم للمحيط الذي هو جزء منه.
إذن فإذا كان من الممكن الانقلاب على الأنظمة السياسية التي جاءت الثورات ببعضها وإذا كان من الممكن استعادة القبضة الأمنية والعسكرية على مكونات عديدة من مكونات الوطن العربي، فإنه من شبه المستحيل تزييف الوعي الناسل عن هذه التغيرات. من المؤكد أن العاصفة الحالية التي تضرب الخليج العربي ستمر كغيرها من العواصف لكنها ستترك دون شك آثارا سلبية على البنية الداخلية لمنطقة الخليج لصالح مشاريع إقليمية على رأسها المشروعين الصهيوني والإيراني بشكل خاص.
هذه الخلاصة تضع المسؤولية كاملة على أهل القرار في الخليج العربي بأن الوقت ليس للدسائس وللتآمر على أحلام الشعوب وثرواتهم وسيادتهم، وإنما الوقت هو وقت التضامن من أجل إنقاذ المركب بمن فيه، وإلا فإن العاصفة القادمة لن ترحم أحدا ولن تترك كرسيا لأحد.
2
شارك
التعليقات (2)
أحمد
السبت، 03-06-201707:21 ص
تحيّة إلى الأستاذ هنيد،مرة أخرى نلاحظ أن "مقاصد" التحليل والكتابة تختلف عند الأستاذ هنيد باختلاف البلد موضوع التحليل ‘ فإذا تعلّق المر بالشأن التونسي مثلا فهو تحليل " ثوري " نقدي حدّي صارم..أما إذا تعلّق بالشأن الخليجي ، والسعودي خاصة، فهو تحليل "واقعي " إصلاحي يغلب عليه النصح و يلتزم "الحذر " في توجيه النقد...