قضايا وآراء

خيارات تركيا في سوريا

جلال زين الدين
1300x600
1300x600
كشفَ القصف التركي الأخير لمواقع سيطرة قوات الحماية الكردية في بعض المناطق في الشمال السوري، ولا سيما أقصى شمال شرق سوريا (الدرباسية)، وما تبعه من تسيير الولايات المتحدة آليات لمراقبة الحدود؛ عن القلق التركي العميق جرّاء ما يحدث في سوريا، فما يحدث على الحدود الجنوبية لتركيا له انعكاسات مباشرة على الأمن القومي التركي.

وتتبّع تصريحات المسؤولين الأتراك يُشعِر بحالة التأزم والضيق التي تعيشها تركيا تجاه الملف السوري، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الكردية وقوات حماية الشعب التي تتلقى دعما عسكريا مباشرا من الولايات المتحدة وروسيا معا، ناهيك عن تشابك المصالح لدول الإقليم وتداخلها بشكل معقد. وكل ذلك يجعل الخيارات التركية في سوريا عموما، والملف الكردي خصوصا، محدودة ومُرَّة رغم الأريحية السياسية التي حصلت عليها حكومة العدالة والتنمية بعد الاستفتاء الأخير، ورغم شبه إجماع الأحزاب التركية على محاربة حزب العمال الكردستاني، ومنع قيام إقليم كردي شمال سوريا. ويمكن إيجاز الخيارات التركية بالتالي:

- السير مع روسيا، وقد حقق هذا الخيار حتى الآن بعض المكاسب لتركيا؛ منها عملية درع الفرات التي منعت وصل عين العرب بعفرين وسيطرة الكرد بشكل كامل على الشريط الحدودي، وحققت للروس غطاء سياسيا تمثل بمحادثات أستانا، لكنّ هذا الخيار لا يخدم تركيا على المدى المتوسط، فضلا عن المدى الطويل. فروسيا ما زالت تُقَدِّم الدعم للأكراد، ونشرت مؤخرا قوات لها في عفرين المسيطر عليها من الأحزاب الكردية شمال سوريا، كما أنّ روسيا لا تملك الضغط على الكرد شرق الفرات حيث السيطرة للأمريكان، فضلا عن صعوبة إدارة تركيا ظهرها للغرب ولا سيما الولايات المتحدة. كما أنّ الروس يمثلون طرف نظام الأسد، ويمسكون العصا من المنتصف، ويدرك الأتراك أنّ الروس يبتزونهم لتحقيق مصالحهم، وربما ينقلبون بأي لحظة ويمضون بمخطط التقسيم الذي تتخوف منه تركيا كثيرا.

- العمل وفق الرؤية الأمريكية باعتبار الولايات المتحدة حليفا تقليديا لتركيا، وشريكا في حلف الناتو، وهذا الخيار أثبت فشله خلال السنوات السابقة، فطالما كبّلت الولايات المتحدة تركيا، ومنعتها من قلب المعادلة على الأرض. واعترف الرئيس التركي أردوغان صراحة بأن أوباما خدع الأتراك. لكن لم تلمس تركيا حتى الآن تغيرا حقيقيا في الموقف الأمريكي في عهد ترامب. فما زالت الولايات المتحدة تدعم الكرد، وتُقدمهم على تركيا في مُحاربة تنظيم الدولة. وهذا ما دعا الرئيس التركي للقول بأن التحرك الأمريكي مع قوات الاتحاد الديمقراطي يؤذي روح الشراكة والتحالف.

- خيار بناء تحالف وتفاهمات مع الإقليم، تحالف مع قطر والسعودية، وتفاهمات مع العراق وإيران. فقيام دويلة كردية لا يصب في مصلحة الإقليم، ويهدده بالتشظي. لكنّ هذا الخيار غير ممكن على أرض الواقع؛ لأنّ مخالب هذه الدول كليلة، ولا سيما فيما يخص الملف الكردي.

- خيار الاستمرار بدعم الثورة السورية وفق الرؤية الحالية، وهذا خيار غير مُجدٍ، في المرحلة القادمة وغير آمن؛ لأنّ تركيا لا تملك دالة على كل الفصائل الثورية، كما أنّ الصراعات الداخلية بين الفصائل، وارتهان قرار بعضها للخارج يُصَعِّب هذا الخيار، ناهيك عن بُعد المناطق التي يسيطر عليها الثوار عن مناطق الكرد.

- خيار تطوير دعم الثورة السورية وَفق المُمكن مع الاستفادة من الخيارات السابقة وفق المتاح، ويشبه هذا الخيار السير في حقل ألغام. إذ تدرك تركيا أنّ هناك من يحاول ابتزازها من خلال إقامة دويلة كردية أو توريطها في صراع تركي كردي، لذلك يتطلب الخيار بعد نظر وكفاءة سياسية عالية، كما أنه يبقى رهن المستجدات السياسية والتطورات الميدانية.

 وتبقى تركيا رغم ذلك رقما أساسيا للاعبين في الملف السوري لا يمكن تجاهله.

ويُلاحظ المتابع حاجة الجميع لتركيا، وهذا ما تحاول تركيا استثماره والاستفادة منه، فروسيا عرضت فكرة المناطق الآمنة على تركيا لمنع ذهابها بعيدا باتجاه الولايات المتحدة، وتدرك روسيا أنّ محادثات أستانا لا معنى لها من دون تركيا.

وتحاول الولايات المتحدة إعادة مد جسور الثقة مع تركيا، فمنعت تقدم قوات الحشد الشعبي باتجاه تلعفر في العراق إرضاء لتركيا، لكنّها لم تطمئن تركيا فيما يخص الملف الكردي في سوريا.

 ولا شك أن لقاء أردوغان وترامب سيجعل الصورة أكثر وضوحا. فالرئيس التركي سيقف على حقيقة الموقف الأمريكي تجاه الكرد ومستقبلهم في سوريا، وسيرى إن كانت الولايات المتحدة تسعى لإقليم كردي أم أن دعمها للكرد آني، ومرتبط بالحرب على تنظيم الدولة.

ولا يستبعد هنا خيار المواجهة العسكرية والدخول في صدام مباشر مع المليشيات الكردية، ولم يخفِ الرئيس التركي هذا السيناريو عندما أوضح أن بلاده لن تبقى دون رد حيال من يسعون لإقامة دويلة كردية، وتندرج الغارات التركية في إطار الرد التركي فهي رسالة عمليّة للروس والأمريكان قبل الأكراد؛ بأنّ تركيا مستعدة للمضي بعيدا في خيارتها إذا تطلب أمنها القومي ذلك.
التعليقات (0)