"رسمتُ بخيالي عالما من الريف
المصري يشابه الريف الأوروبي على أرض توشكى، وذلك بمجرد رؤيتي للإعلان عن مشروع زراعة الميلون ونصف المليون فدان، ولكن في الحقيقة إنهم يتاجرون بأحلامنا"، كانت تلك كلمات أحد الفائزين بقطعة أرض في المشروع.
وأعلنت حكومة الانقلاب عن إطلاق المرحلة الأولى لمشروع المليون ونصف المليون فدان، في تشرين الأول/أكتوبر 2016، بواقع 170 ألف فدان بالصحراء الغربية، و120 ألف فدان غرب المنيا، و110 آلاف فدان في توشكى، و100 ألف فدان فى الفرافرة؛ متضمنا الزراعة والإنتاج الحيواني والسمكي، وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة.
وأكدت شركة الريف المصري، القائمة على المشروع، حينها، أن الحكومة خصصت مواقع متميزة ومجهزة في المشروع؛ للشباب وصغار المزارعين، ووضعت لهم ما يمكنهم من تفادي مخاطر الأعباء الاستثمارية.
يتاجرون بأحلامنا
لكن في حديثهم لـ"عربي21"، أكد 23 فائزا بأراض بمشروع توشكى (جنوب البلاد) أنه بعد معاينتهم للأرض، تأكدوا من أنهم يتعرضون لعملية نصب كبرى من النظام، وأن ما تم عرضه بوسائل الإعلام وما روجته شركة الريف المصري عن المشروع؛ مغاير للواقع.
وقال صبري سنجر، (50 عاما - مدرس): "رسمت في خيالي عالما من الريف المصري يشابه تماما الريف الأوروبي، وذلك بمجرد رؤيتي للإعلان عن المشروع، وبالفعل تقدمت أنا و22 آخرين من سبع قرى بمركزي منيا القمح وبلبيس بمحافظة الشرقية (شرق)"، مضيفا: "حالفنا الحظ في القرعة في 19 آذار/ مارس الماضي، وفزنا بالقطعة رقم 41 التي تبلغ مساحتها 230 فدانا، فقررنا الذهاب لمعاينة الأرض قبل دفع أول مقدم تعاقد (1.5 مليون جنيه)، وكانت الصدمة كبيرة وتأكدنا من أنهم يتاجرون بأحلامنا".
غير مستصلحة
وقال صبري لـ"عربي21": "ذهبنا إلى أرض الأحلام (توشكى) من أقصى الشمال لأقصى الجنوب، رغم بعد المسافة (أكثر من 1200 كيلومتر)، فوجدنا مجموعة من الآبار تصل لـ50 بئرا، وبجوار كل بئر وحدة لإنتاج الطاقة الشمسية، فكانت فرحتنا غامرة".
وأضاف: "ولكن الصدمة الأولى كانت في أن الأرض غير مستصلحة، وتغطيها الكثبان الرميلة، ومليئة بالارتفاعات والانخفاضات، وأنها بهذا الشكل غير قابلة للزراعة، وإصلاحها يحتاج ملايين الجنيهات، وهو ما لا يتناسب مع إمكانياتنا كأفراد"، بحسب قوله.
غير صالحة للزراعة
وقال سعيد محمد (60 عاما- فلاح): "كان قراري وأسرتي الانتقال والعيش في توشكى، إلا أنني لم أجد تلك البيوت التي رأيتها عبر الإنترنت والتلفزيون، ولم أر أي مزرعة أو شجرة أو نخلة على بعد 20 كيلومترا من جميع الجهات، ولم أجد أي مظاهر للحياة هناك"، وفق تأكيده.
وأضاف سعيد لـ"عربي21": "المشكلة لم تكن في أن الأرض غير مستصلحة فقط، بل إنها غير صالحة للزراعة، حيث أنني اختبرت الأرض بالفأس فوجدها صخرية، وحاولت غرس قطعة من الحديد بها فلم تدخل سوي 15 سم بصعوبة بالغة، فتأكدت أن الأرض صخرية".
وقال سعيد: "هناك مشكلة أخرى تتمثل في وجود الكثبان الرملية الناعمة جدا، والتى قد تقتل أي زرع بمجرد هبوب عاصفة رملية"، كما قال.
أين نعيش وماذا نأكل؟
وقال حسين رشاد، (55 عاما- مدرس): "حلمت بجنة أتركها لأحفادي، وتخيلت أنني زرعت العشرة أفدنة التي فزت بها نخيلا فقط، وعشت فيها لأربي الماعز وأقيم برج صغير للحمام، وأنقل مجال عملي لتوشكى، وهو ما كدت أفعله هذا العام؛ لولا أننا قررنا أن نرى أولا".
وأكد حسين لـ"عربي21": "وجدنا مجموعة الآبار تبعد عن أقرب مكان يعمره البشر بحوالى 20 كيلومترا، وهي مدينة أبو سمبل الأثرية السياحية، ووجدنا الأرض المخصصة لنا تبعد عن مدينة توشكى الجديدة بحوالي 20 كيلومترا أيضا"، على حد قوله.
وقال حسين: "كان السؤال: إن انتقلنا بأسرنا وتركنا أعمالنا للإقامة؛ أين نقيم؟"، ليضيف: "خدعتنا الحكومة وإعلانات المشروع بوجود مئات البيوت، بجانب مدارس ومرافق ومستشفيات ومخابز وأسواق، وهو ما لا وجود له في الحقيقة".
وأوضح أن "مدينة توشكى الجديدة يبنى فيها ألف وحدة سكنية فاخرة الإسكان (450 ألف جنيه) للشقة، لا نقدر على شرائها".
وتابع: "وكان السؤال أيضا: من أين نحصل على رغيف خبز نأكله أو خضار نطعمها، أو مياه صالحة للشرب، في ظل عدم وجود أية وسائل مواصلات، كما أن شبكة الاتصالات غير موجودة، وشبكة المحمول ضعيفة جدا"؟
قد لا تكفي
وقال رضا. ع (45 عاما - يعمل بهيئة تابعة للجيش): "القائمون على المشروع خدعونا بإعلاناتهم، وتخيلنا أنه بمجرد الضغط على زر التشغيل ستنطلق المياه لتغمر الأرض التي كنا سنزرعها قمحا ونخلا وزيتونا، ولكن في الحقيقة فإن المياه قد لا تكفي للاستزراع".
وأضاف رضا لـ"عربي21": "زادت مخاوفنا من احتمال نضوب الآبار، فعندما رأيناها تذكرنا قول أحد الخبراء بشركة الريف المصري أثناء أحد الاجتماعات بالقاهرة، أن الري سيكون بالخراطيم وليس بطريقة الري الميكانيكة، وأن هناك نظام تحكم بالآبار حتى لا تستخدم لفترة طويلة خلال اليوم الواحد، حتى لا ينضب منها الماء"، وفق ما رواه رضا.
الغمر للكبار والتنقيط للصغار
وقال صبري عكاشة، (51 عاما- أعمال حرة): "عندما وصلنا ترعة الشيخ زايد التي تأتي عبر مفيض توشكى من بحيرة ناصر خلف السد العالي، تهللت وجوهنا، وسألنا كمائن الشرطة والجيش المنتشرة عبر الطريق من أسوان نحو توشكى؛ فأكدوا أن تلك المياه هي للري بالغمر لأراضي كبار رجال الأعمال المصريين والعرب، وكبار رجال الدولة والجيش والشرطة والقضاة".
وأضاف لـ"عربي21": "بمجرد أن وصلنا للآبار؛ أحزننا أنها تروي بالتنقيط فقط، بينما جميع أنواع الري يستخدمها كبار المستثمرين، وأنهم يتمتعون بالخدمات، ونحن لا نجد شجرة نستظل بها من الشمس"، كما قال.
اجتماع بعد رمضان
وبالاتصال بشركة الريف المصري، رد أحد العاملين على مراسل "عربي21"، دون ذكر اسمه، مؤكدا أنه سوف يُعقد اجتماع بمقر الشركة عقب شهر رمضان لتوضيح كل الأمور للفائزين، وأن المشتركين سيتلقون رسالة عبر الهاتف بموعد الاجتماع.
وتقع منطقة توشكى في الصحراء الغربية، جنوب أسوان بحوالي 225 كيلومترا. وتوشكى كلمة نوبية تعني موطن نبات الغبيرة، وهو نبات عطري تشتهر به المنطقة.
اقرأ أيضا: الوليد يبيع الجيش المصري مشروع توشكى.. ومعلقون يسخرون