هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
إن المجتمع لا يهمش المتميزين فيه فحسب، بل إن السلطة القائمة عليه تقوم بذلك أيضا خلافا للقوانين المعمول بها في البلاد. وآية ذلك التوظيف في المناصب العمومية، القائم على المحسوبية والرشوة في أكثر الأحيان، وإن تظاهر المشرفون عليه بالنزاهة والشفافية..
طوى الزمن بقدرة الله تعالى سيرة الجزار غراسياني، الذي اعترف في نهاية مذكراته بأنه لا يمكنه وصف ما ارتكبه من تنكيل وإجرام ضد الشعب الليبي، من سفك الدماء وهتك الأعراض، إلى التشريد والتجويع والقتل والنفي، حيث قال: "لقد أدى هذا الوضع إلى نزوح الكثير من الأهالي إلى مصر وتونس والسودان، تاركين خلفهم أهلهم وذويهم...
صحيح أن للإنسان علاقة بالمكان تقبل الاعتبار أصلا لقيام الإنسان العضوي لأن كل كيانه المادي مستمد هواؤه وماؤه وغذاؤه ودواؤه ومناعته العضوية من الطبيعة لب الثروة (بمفعول الزمان والتوارث العضوي) وهو لا يستطيع أن يعيش لحظة واحدة من دون أولها..
يقول فانون في خاتمة كتابه (المعذبون في الأرض): "إذا أردنا أن نحيل إفريقيا إلى أوروبا جديدة وأن نحيل أمريكا إلى أوروبا جديدة كان علينا أن نعهد بمصائر بلادنا إلى أوروبيين.. فمن أجل أوروبا، ومن أجل أنفسنا ومن أجل الإنسانية، يجب علينا يا رفاق، أن نلبس جلداً جديداً، أن ننشئ فكراً جديداً، أن نحاول خلق إنسان جديد"..
في هذا الكتاب الجديد الذي يحمل العنوان التالي: "إفريقيا أفقًا للفكر في مساءلة الكونية وما بعد الكونية"، المتكون من عدة دراسات متنوعة عن مرحلة ما بعد الكولونيالية، ويتضمن حوالي 222 صفحة من القطع الكبير، وصادر عن دار معنى للنشر و التوزيع في عام 2021، هذا الكتاب عبارة عن قراءات متقاطعة لمجموعة من القضايا التي تهم الفكر والواقع السياسي في افريقيا..
عن اختلاط الأنساب والأعراق في الجزائر داخل بوتقة الإسلام وثقافته الربانية إيمانا وإنسانا ولسانا، يقول الإمام ابن باديس؛ "إن أبناء يعرب وأبناء مازيغ وحّد بينهم الإسلام منذ بضعة عشر قرنا، ثم دأبت تلك القرون تمزج بينهم في الشدة والرخاء، حتى كونت منهم منذ أحقاب بعيدة عنصرا مسلما جزائريا، أمه الجزائر وأبوه الإسلام".
إذا كان الاحتلال معروفا لدى القراء اصطلاحا وسلوكا كواقع الجزائر بعد الغزو الفرنسي سنة 1830 وواقع فلسطين منذ الانتداب وتطبيق وعد بلفور المشؤوم حتى الآن، فإن المصطلح غير المعروف وغير المألوف هو "الاستحلال" ولذلك وجب توضيحه ابتداء ليعرف القراء ملامحه حتى لا يلتبس عليهم أمره مع الاحتلال والإستقلال!؟!؟
إذا كان العدل هو أساس الملك، فإن الصدق هو أساس الثقة، والثقة هي أساس التلاحم بين الأفراد والجماعات، وهي أساس التضحية أيضا، لأن من لا تثق فيه لا تضحي معه، فضلا عن أن تضحي من أجله!
الإيمان والعمل من التكامل في الحياة بحيث يكونان وجهين لعملة واحدة، وهما أشبه في ضرورة التلازم بالقطب السالب والقطب الموجب في الطاقة الكهربائية، حيث إن ملايين الأقطاب السالبة أو الموجبة (منعزلة بعضها عن بعض)، لا تحدث طاقة تذكر، بينما يحدثها التقاء قطبين اثنين فقط من الأقطاب السالبة والموجبة.
لا غرابة في ذلك أن تجد الفرق بين أبناء باديس وأبناء باريس حرف واحد، بل وبين التعريب والتغريب نقطة واحدة قد تمثل وقفة ذبابة عابرة على صفحة كتاب أو خطاب، ولكنَّ وراء تلك النقطة في واقع الأمر قرونا من البناء الحضاري وبحارا من الدماء وجبالا من الأشلاء والشهداء!
لقد استعمل الفرنسيون طوال الحرب العالمية الثانية كل وسائل الخداع والمناورة والمماطلة إلى حين انتصارهم، فظهروا على حقيقتهم إثرها ليرتكبوا أضخم مجزرة في تاريخ الاستعمار، عاش أحداثها ملايين الأطفال والشباب، ومن هؤلاء الشبان مؤسسو "جبهة التحرير الوطني" الذين كانوا يتقدون حماسة ووطنية في ريعان شبابهم..
إذا كانت أيام الشباب لدى الكائن الإنساني تمثل أقوى وأغلى أيام عمره المديد، إذ بها وفيها يتقرر مصيره، وعليها يتوقف ـ غالبا ـ نجاح أو فشل حياته المستقبلية، فإن الشبيبة من الأمة هي بمنزلة فترة الشباب بالنسبة لحياة الفرد، فهي عصبها الحساس، وطاقتها المحركة والدافعة إلى تحقيق الأهداف المأمولة لها في الوجود بين الأمم.
من الطرائف التي وقعت له مع ابن خدة في إحدى زياراتهما الرسمية للصين فيقول: "وكاد ابن خدة أن يختنق من الضحك، وكان هذا في مأدبة عشاء عند وزير الدفاع الصيني المارشال بن تاخاي. كان الحديث حادّا وجادّا، فلم نكن نهمل أي كلمة من حديث المارشال، حيث كان يروي لنا عن حرب كوريا، فقد كان هو قائد فرقة المتطوعين الصينيين، وقد أورد في كلامه: "كان عندي "مليون جندي" وفي الأخير رفع كأسه مناديا بانتصارنا، وصداقة شعبينا وسقوط الأمبريالية، وختم كلامه متنهدا: "للأسف لو كان عندنا حدود مشتركة مع الجزائر! لبعثنا لكم بالكثير من المتطوعين".. وعلى إثر هذه الكلمة صحت باللغة العربية الدارجة وقلت لابن خدة: حمدا لله أن هذا لم يكن..! فالفرنسيون يذهبون حتما يوما، ولكن من يستطيع إخراج الصينيين إذا ما انغرسوا عندنا!؟".
سنة التدافع بين الناس والحضارات والقيم تجعل دوام الحال من المحال ولو دامت للأولين لما دانت للآخرين!؟ وإن الكيل بمكيالين في حقوق الإنسان من القائمين على مجلس الأمن المخيف هو سبب كل الخلل في المعايير والموازين وهذا الدمار المبين..
يصف المجاهد حسين دالي المعاملة الحسنة التي كان يتلقاها الطلبة المجندون في جيش التحرير الوطني في الولاية الرابعة فيقول: "كنا نحن المتعلمين، نُعامل معاملة خاصّة من المجاهدين، فكان السي سليمان، رحمه الله (مسؤول الناحية)، يأمر أحد الجنود بأن يحملني على ظهره عندما نمر عبر واد، حتى لا أتبلل، ويقول له عني، وآخرين مثلي؛ إنهم إطارات الوطن في المستقبل".
بعد العرض الموجز لموضوع المحاضرة في الجزء الأول من هذا المقال وأهم نتائجها أدعو القارئ أن يتبين معي الأسباب التي أدت إلى "الانتقاص الخطير" كما قرأنا في التعليق على المحاضرة في جريدة "المجاهد"..