ثورة 25 يناير المصرية هي امتداد طبيعي لثورة 17 ديسمبر كانون الأول التونسية التي فجّرت موجة الربيع العربي وأنهت حقبة طويلة من تأبّد المنوالات الاستبدادية العربية في نسختها الكلاسيكية و كذلك هي ثورة سوريا وثورة ليبيا.
ضربُ الهيئة وضربُ رئيسة الهيئة وتبيضُ العصابات ونهبُ مال الشعب التونسي وبيعُ السيادة الوطنية لمخابرات السفارات الأجنبية هو الكفيل بتجديد شروط الثورة والغضب الشعبي.
لا يمكن تصور الوضع المصري وضعا قابلا للحياة أو الوضع العراقي أو الوضع السوري كذلك وهي أوضاع ستفرز حتما بدائل حقيقية قابلة للحياة وقابل لتجاوز واقع الجحيم العربي القائم.
النظام الاستبدادي العربي يعيد بغبائه المعهود إنتاج الشروط المؤدية إلى نفس الانفجار الذي اندلع في الريف التونسي الفقير يوم 17 ديسمبر 2010 وكان فاتحة الثورة العربية.
الفساد العربي خاصة في بعض الدول الغارقة فيه حتى النخاع ليس ظاهرة، بل هو الدولة نفسها فالفساد هو الدولة مع بعض الإيهام بوجود الدولة أي أن الدول الغربية مثلا هي دول فيها فساد أو بعض فساد لكن في الدول المتخلفة القاعدة تنعكس..
تونس ستحدد لفترة طويلة اتجاه بوصلة التغيير في المنطقة العربية بعد أن كانت الشرارة التي أيقظت الجماهير الواقعة تحت تأثير حقن التخدير التي حقنها إياها وهم النخب العربية وأبواق الإعلام الاستبدادي العربي.
لا عودة إلى الوراء مهما قصفت منصاتُ إعلام العار خلايا الوعي العربي ومهما حاولت إيهامه بأن الأرض لا تدور وبأن الاستبداد قدَرنا الذي لا فكاك منه لأنها نسيت أن إرادة الحياة من إرادة الله وأن إرادة الله لا تخيب أبدا.
"الجزيرة" كابوس الطغاة العرب وكابوس نخب العار المزيفة من أدعياء المقاومة والممانعة التي كشف الربيع أنها شعارات جوفاء تخفي وراءها أشرس الأنظمة القمعية وأبشع فرق الموت الطائفية.
المشهد اليوم بعد ما يزيد على أربع سنوات من اندلاع ثورات الحرية العربية يراوح مكانه عبر مجموع الأزمات التي تتخلله في أكثر من دولة عرفت ثورات شعبية أطاحت برأس الاستبداد..
لم ينكشف حجم الخراب والدمار والإرهاب الذي يمارسه إعلام الاستبداد في تونس مثلما انكشف خلال هذا الشهر الكريم، فلا يمكن تصور المستويات التي نزلت إليها المنابر الإعلامية التونسية الخاصة منها والعمومية،أخلاقيا وقيميا في بلد ينصّ دستوره على أنه بلد مسلم لغته العربية.
تونس مسقط رأس ربيع العرب وشرارة التغيير التي عصفت بقلب المنطقة العربية ولا تزال. تونس ثورة سلمية راقية واجهت فيها الجماهير بصدورها العارية وبحناجرها التي لا تلين آلة الموت الدموية لواحد من أشرس أنظمة..
وزارة الخارجية أو "وزارة الشؤون الخارجية" هي أخطر الوزارات على الإطلاق سواء كان ذلك في الدول المتقدمة أو الدول المتخلفة مثل تونس التي تحصد اليوم زرع سنواتها العجاف من نظامين استبداديين نجحا -منذ ما يسمى بالاستقلال عن الاستعمار الفرنسي- في تخريب كل مظاهر السيادة الوطنية من اقتصاد وسياسة وثقافة وقيم..
في واحد من أكثر الأسابيع دموية في تونس دفعت الخضراء البارحة كوكبة من خيرة أبنائها ونخبة من حماة الوطن الصادقين. سقط الفرسان من شهداء الواجب المقدس أمام زحف قطعان الموت وضباع الدم المتوشحين بوشاح الإرهاب..
حقق الشعب العربي مؤخرا في تونس نقلة ضوئية في وعيه الثوري وفي تمكّنه الإدراكي من شروط السيادة جمعا وفي تعبيره عن المطالب التي تجعل من الإنسان سيّدا على أرضه فتقطعَ عنه أصفاد العبودية وأغلال الذلّ التي كبّله بها "إعلام العار"..