سيثبت "تهمة الانقلاب" الموجهة إليه من خصومه، وسيعزز بذلك حالة العزلة التي يواجهها حاليا في الداخل والخارج، وبالتالي ستجد تونس نفسها في وضع غير مسبوق اقتصاديا وسياسيا، لأن المغامرة التي ستدخلها البلاد ستكون مجهولة العواقب..
ماذا يقترح للخروج من الأزمة الحالية التي شاركت النهضة في صناعة الجزء الأكبر منها؟ هل الضغط الخارجي وحده كاف للتوصل إلى حل، أم إن المطلوب التخلص من أوهام الماضي، والتفكير في المستقبل بعقلية مختلفة ورؤية جديدة لبلد مرهق؟
ستحمل الأسابيع القادمة إجراءات جديدة تتعلق بالمؤسسة القضائية تحديدا، والتي تجد نفسها اليوم أمام تحديات كبيرة. فهي من جهة مهددة في استقلاليتها النسبية، خاصة في حال صدور مرسوم جديد يقضي بحل المجلس الأعلى للقضاء وإعادة هيكلته وفق تصور بديل، وهو ما يقتضي التصدي لذلك بشكل قانوني ومؤسساتي
لم يفعل مثل آخرين دعوا إلى إحداث قطيعة معرفية مع التراث للتخلص من ثقل الماضي ومن وصاية الأجيال السابقة وطرق تفكيرهم وأجوبتهم عن قضايا وأسئلة مستحدثة، وإنما اعتبر أن التخلص من التراث عملية غير تاريخية
لا يمكن لأي قيادة سياسية أن تغض الطرف عن مثل هذا المشهد المتكرر. فتقسيم الشعب على هذه الطريقة لن يخدم مصلحة الشعب والبلاد، وسيلحق الضرر الشديد بالجميع، بمن فيهم رئيس الجمهورية.
تونس حبلى بأحداث جسام، والمؤشرات تدل على أن الخلاف بين سعيد الرئيس وبين خصومه أصبح عميقا ومعقدا، وأن الإصرار على الذهاب نحو الصدام ستكون عواقبه وخيمة، وأن تحكيم العقل وحفظ المصالح العليا للبلاد، وإنقاذ الثورة من عملية إجهاض لها أصبحت وشيكة؛ يقتضي ذلك كله إطلاق حوار وطني عاجل ومسؤول
يرتكب الرئيس سعيد خطأ فادحا لو أصر على الذهاب في هذا الطريق إلى الآخر. سيجد النخبة السياسية ضده، وسيعمق من حالة العزلة الداخلية والخارجية التي بدأت تهدده بجدية
فعلا، الوضع خطير ودقيق، وهناك من يدفع إلى تصفية كاملة وجذرية للحساب مع حركة "النهضة". ولم يعد هناك أي شك في أن الرئيس سعيد يضع الإسلاميين في مقدمة أعدائه، ويعدهم بتوجيه صواريخ أخرى نحوهم من أجل نسفهم.
ما حصل في تونس حول الصراع السياسي إلى هدف في ذاته، وجعل من موازين القوى الانتخابية عاملا وحيدا أو يكاد للتحكم في اللعبة السياسية أو في تعطيلها. لكن بعد سنوات من الرقص داخل نفس المربع على حساب مصالح الناس ومستقبل أبنائهم، اهتزت الأفكار، وأغرق صراع الأحزاب واللوبيات البلاد في أوضاع رديئة جدا
وجب التمييز بين الأهداف والمعارك، فما يجري في تونس يتجاوز قصة الانتصار لحزب على حزب أو جماعة على جماعة، أي أن جوهر الصراع ليس الانتصار لحزب النهضة وإنما هو انتصار للديمقراطية. وهذا الأمر لم تفهمه للأسف كثير من النخب التي لا تزال مستعدة في دول عربية كثيرة للتضحية بالحقوق والحريات..
ما يحصل في تونس يدل بوضوح أن الحرب الدائرة ضد كوفيد تخضع أحيانا للارتجال، وتعاني من تفكك القيادة؛ فالصراع الدائر بين رأسي السلطة التنفيذية منذ أشهر انعكس سلبا على مختلف القطاعات والمؤسسات، ليشمل أخيرا الميدان الصحي، ويربك القائمين عليه في هذا المنعرج الخطير الذي تمر به البلاد
رغم شخصيته القوية والمعاندة، إلا أن الرئيس سعيد يجد نفسه حتى الآن مقيدا ليس فقط بدستور كاره له، ولكن أيضا بأحزاب ليست مستعدة لتقدم على انتحار جماعي من أجل إرضاء جامعي نظيف ومستقيم أخلاقيا؛ يظن بأنه لو أصبحت جميع الصلاحيات بين يديه لتمكن من أن يجعل من تونس "جنة فوق الأرض"!!
يلاحظ أن بعض التيارات الفكرية والجماعات السياسية تواصل معركتها ضد حركات الإسلام السياسي بما في ذلك حماس، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الإخوان المسلمين، مستعملة نفس المنطق والخطاب اللذين يعودان إلى أربعينات القرن الماضي
كان ينتظر أن تجري الانتخابات الفلسطينية في موعدها الذي حددته السلطة وجميع الفصائل؛ فهذه الانتخابات من شأنها أن توفر فرصة نادرة لإعادة الوحدة الفلسطينية التي أضرت بها الخلافات الداخلية، وأن تشكل ضربة قوية للعنجهية الإسرائيلية.
هذا التصريح الرئاسي، وإن بدا خارج السياق، إلا أن دلالاته عديدة ومثيرة للجدل. فالمسافة بين الرئيس سعيد وحركة النهضة تزداد اتساعا حتى تكاد تقترب من القطيعة السياسية وتتحول إلى مواجهة صريحة بين الطرفين..