كل ما يدور اليوم في تونس يتلخص في الغلاء وفقدان المواد الغذائية الأساسية، والمحاكمات الكيدية للمعارضة، والانتخابات البرلمانية والقروض المرتقبة، وعجز الميزانية وتأخر رواتب الموظفين، وحراك المعارضة التي تكرر نفسها.
الخطر الداهم الذي يتحدث عنه قيس سعيد هو الوضع القائم حاليا، وليس ما كان قبل الانقلاب.. الوضع الداهم هو الظلم الواقع على المعارضين في تونس والمحاكمات الزائفة التي يتعرضون لها.
لم يعد ثمة مبرر لبقاء هذا المنقلب في السلطة أكثر مما كان، وقد آن للمعارضين التونسيين أن يستحوا قليلا، وينبذوا خلافاتهم، ويلتقوا على قلب رجل واحد لإنقاذ تونس؛ فمن العار أن يظل التونسيون يفكرون في الإقصاء لطرف أو لآخر، خلافا لكل قواعد الديمقراطية التي يدّعونها.
لقد وصل بنا الحال أن نصبح مثلا سيئا يتداوله الإعلام المصري لإقناع شعبه بتعاستنا وبؤس حالنا، مع أن الوضع في تونس على سوئه لا يقارن بأوضاع مصر المزرية، إلا أن ذلك يعد مؤشرا على أننا وصلنا إلى حالة من البؤس، أغرت الإعلام المصري بصيدنا والتندر بنا بهذه الطريقة الانتهازية.
توجيه الاتهامات لحركة النهضة وزعاماتها في هذا الوقت، ليس مجرد محاولة لصرف أنظار الناس عن الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعيشه البلاد وحسب، بقدر ما هو لعب على عواطف عامة الشعب من المؤيدين والمناهضين على حد سواء، بغية توتير الأجواء وتعكير ما تبقى من صفاء في نفوس الناس
السيناريوهات المتوقعة كثيرة، ولها صلة بالداخل والخارج، إلا أن أكثرها منطقية هو ثورة شعبية تحرق الأخضر واليابس حين يحس التونسي بعمق المشكلة، ويتأكد بنفسه من كذب المنقلب وزيف ادعاءاته، ويصبح غير قادر على إطعام أبنائه وتوفير لقمة عيشهم الكريمة.
إنني أتنبأ بسقوط هذا النظام قريبا، فحصوله على قرض البنك الدولي، يستلزم تسديد جزء كبير منه، وإنفاق ما تبقى على العجز الكبير في الميزانية؛ فماذا سيفعل من بعد؟ هل سيسعى لقرض آخر جديد؟ وكيف ستصبح حياة المواطنين بعد الغلاء القائم والذي سيزداد بوتيرة متسارعة
الأوضاع في تونس لا تبشر بخير، والقادم أسوأ حتى في حال الحصول على القرض المنتظر، فلن يكون له أي أثر ملموس على الشعب، لأن معظمه سيذهب لتغطية ديون المشتريات الحكومية التي لم تدفع أثمانها للموردين.. فلننتظر قيس سعيد لنرى ما هو فاعل في ظل الوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد.
ما قام به حتى اليوم لا يعدو كونه إجراءات لتمرير مشروعه الانقلابي وجمع السلطات كلها في يده الملوثة، مانحا نفسه عصمة النبوة وحصانة ولاية الفقيه، بحيث تحول هاتان دونه ودون المساءلة أو العزل
المطلوب اليوم، تصعيد ميداني من خلال تظاهرات لا تتوقف في مدينة حتى تظهر في أخرى، ووقفات احتجاجية، ومؤتمرات صحفية ولقاءات جماهيرية ونشاط صحفي على أعلى مستوى ممكن، وتفاعل مع تساؤلات الجمهور وآرائهم على صفحات التواصل الاجتماعي.
مشروع الجمهورية الجديدة يشبه إلى حد بعيد جمهورية معمر القذافي الفاشلة، وإنه لمن المستهجن أن يعود قيس سعيد بالبلاد إلى الوراء حيث الدكتاتورية المقيتة والتعسف؛ فمن خلال هذه المنظومة التي يسعى المنقلب لتطبيقها على الواقع سيكون للرئيس صلاحيات غير محدودة
شوكتان في حلق قيس سعيد تكادان تخنقانه، إحداهما بلغت البلعوم وهي اتحاد الشغل، والأخرى بلغت الحلقوم وهي حركة النهضة وأنصارها والمتحالفون معها، ولن يهدأ لسعيد بال حتى يخرجهما من حلقه، ولو بعملية جراحية خطيرة.
وبات من الواضح أن قيس سعيد يسعى لتنفيذ برامجه التي يطبخها في الليل مع نفسه، وما المستشارون الذين يحيطون به سوى ثلة من الانتهازيين والكارهين للثورة الذين تربوا في حضن الدكتاتورية في العهدين السابقين، ولم ترق لهم الديمقراطية التي سلبتهم مكانتهم الاجتماعية الزائفة التي تمتعوا بها عبر عقود