رغم أنّ المفتي قد حاول تدارك الموقف ورفع الإحراج عن السلطة القائمة بأن اعتبر بيان تحريم الاحتجاجات العشوائية مجرد رأي وليس فتوى بالمعنى الصناعي للكلمة؛ فإنه لم يزد الأمر إلا إشكالا وغموضا..
لم تكن المساجد في المجتمعات التقليدية مجرّد بيوت للعبادة ولتعليم الناس أمور دينهم، بل كانت مكانا تمارس السلطة فيه حضورها وتعمل على "شرعنة" وجودها انطلاقا من السيطرة عليه
بعد ما تعرض له الرئيس السابق محمد منصف المرزوقي من "تضييقات" إعلامية تراوحت بين التدليس والصنصرة، وبعد ما تعرضت له قناة التاسعة من "ضغوطات"، قد يكون على المتدخلين في القطاع الإعلامي أن يُفكروا بجدية في مدى تمثيل "الهايكا" لهم.
عندما يفهم "الإسلامي" حديث الرسول صلى الله عليه وسلّم"تبسّمك في وجه أخيك لك صدقة" باعتباره معنى أخلاقيا لا ينحصر المقصود به في "الإسلاميين" دون غيرهم، بل يدخل في حكمه كل "إخوانهم" في الوطن.
منذ "الانكسار البنيوي" الذي أعقب الحدث الاستعماري وما أعقبه من دخول القانون إلى الفضاء الإسلامي منافسا أو بديلا للشريعة، عاشت مجتمعاتنا العربية الإسلامية–بدرجات متفاوتة-"رضّة" حضارية جعلتها مثل النقطة السوداء على خارطة العالم.
مهما كان موقفنا من الشخصيات المشكلة لحكومة يوسف الشاهد، فإن هذه الحكومة ستكون حكومة أغلبية رئاسية لا حكومة توافق، وستجعل سلطة القرار أساسا في قرطاج وليس في القصبة
مبدأ المناصفة سيصبح جزءا من الأزمة المجتمعية، بل جزءا من إعادة إنتاج المجتمع لنفسه إذا لم يتم الدفع به الى مناطق كانت قبل الآن داخلة في إطار اللامفكّر فيه.
السيد يوسف الشاهد لن يكون مهما كانت نواياه وكفاءاته جزءا من الحل، بل سيكون لبنة أخرى من لبنات الأزمة السياسية التي يتفنن السيد رئيس الجمهورية - ومن ورائه "المسؤول الكبير" - في إغراق البلاد فيها
مهما كانت اختلافاتنا مع أداء اليسار التونسي قبل الثورة وبعدها، ومهما كانت احترازاتنا على مواقفه من الإسلاميين ومن الواجهات السياسية والجمعياتية للدولة العميقة وللقوى البرجوازية التي تُمثل نواتها الصلبة، فإنه لا يمكننا إنكار حاجة الجمهورية الثانية له.
في ظل غياب مشروع وطني جامع يتحرك في أفق مواطني اجتماعي، وفي ظل هيمنة المال السياسي الفاسد على الحقل السياسي، لا تستطيع الحكومة القائمة ولا البدائل المقترحة لها - سواء أكانت حكومة ائتلافية، أم حكومة وحدة وطنية، أم حكومة إنقاذ- إلا أن تعيد إنتاج الأزمة البنيوية التي تعاني منها تونس.
مقترح "حكومة الوحدة الوطنية" يضعنا أمام مأزق هو أشبه ما يكون بمتناقضات زينون. إذ لا يمكن الخروج من الأزمة الحادة التي تعيشها تونس إلا بوجود حكومة وطنية-مهما كان شكلها- ولا يمكن وجود حكومة وطنية في ظل واقع سياسي يهيمن عليه المال السياسي الفاسد.
تمنع الصور النمطية التي يتداولها العلمانيون عن الإسلاميين هؤلاء "الديمقراطيون" من التفكير فيهم خارج أسطورة "الاستثناء الإسلامي" والتعارض الماهوي والجذري بين الإسلام في ذاته وبين الديمقراطية.
هذه المقاربة التفهمية ستبقى متعذّرة ما دام الهاجس"السياسوي" المباشر يمنع الإسلاميين من الحسم في الكثير من "المرويات النبوية" خوفا من خسارة القواعد الانتخابية "المتدينة".