الخبر الذي نشر قبل يومين في رسالة إخبارية قصيرة عبر الموبايل من خلال خدمة صحفية تقدمها صحيفة "الوطن" والذي يتحدث عن تدبير انقلاب في الجيش عن طريق ضباط موالين للفريق أحمد شفيق، هو خطير بالفعل، ولا يصح أن يمر بتلك البساطة، أو أن يغلق ملفه؛ لأن الصحيفة قالت إن هناك اختراقا حدث للخدمة وأدى لذلك، وحتى لو كان هناك اختراق بالفعل، فإن الأمر برمته ينبغي أن يخضع لتحقيقات عالية لمعرفة مصدر هذا الاختراق وأهدافه، خاصة وأنه مسيء للغاية للقوات المسلحة، فضلا عن أنه يهدد السلام الاجتماعي ويثير قلق ملايين المواطنين على بلدهم وما يجري فيه.
حتى الآن، لم أسمع أن جهة تحقيق رسمية قامت بعمل جدي في الموضوع، سواء أكانت النيابة العامة أم القضاء العسكري، باعتبار أن الأمر يمس سمعة الجيش، وهو ما يستوجب فتح تحقيق عسكري في ما جرى، لإزالة اللبس، وضبط المجرم في تلك الواقعة، ولمعرفة الدوافع، وأيضا لقطع الطريق على آخرين أن يلعبوا تلك اللعبة، طالما بدت سهلة، ونتعامل معها بتلك البساطة، وكأنها من أخبار الطقس أو كرة القدم، وخدمة الرسائل الإخبارية القصيرة عبر الهاتف النقال تكون محصورة بين ثلاث نقاط لا رابع لها، أصحاب الخدمة الأصليين وهم محررو الخدمة في الصحيفة، والشركة الموفرة لخدمة البث، وهي إحدى الشركات الثلاث التي توفر اتصالات الهاتف المحمول في مصر، والشركة الوسيطة في برمجة الخدمة، والجهات الثلاث بالكامل تحت السيطرة والرقابة من أكثر من جهاز أمني نافذ، وبالتالي من السهل أن تصل التحقيقات إلى حقيقة ما جرى، والنقطة التي دلف منها هذا الخبر، شريطة أن نأخذ الأمور بجدية كافية.
الفريق شفيق علق على الخبر بطرح كثير من الأسئلة عمن له مصلحة في الزج باسمه في هذا الموضوع، وقال في حديثه إلى وائل الإبراشي أمس: (من قام بهذا الفعل غرضه إثارة البلبلة أو جس نبض لجهة من الجهات)، فما الذي يعنيه شفيق بعبارة (جهة من الجهات)، ومن هي الجهة التي يمكنها أن تلعب تلك اللعبة الخطرة في مصر بتلك الجرأة، شفيق أضاف في حواره قوله: (هذا عمل صبياني حتى لو فعله بعض العواجيز)، والعواجيز لا يكونون هواة، وإنما يكونون محترفين، وقصدوا أمرا بعينه لسبب ما، من بينه خلط الأوراق، وإشارة شفيق إلى "العواجيز" هي إشارة واضحة إلى شكوكه في أن "رؤوسا كبيرة" يتصور أنها كانت وراء هذه اللعبة، خاصة وأننا جميعا على ثقة بأن القوات المسلحة المصرية الأكثر انضباطا في المنطقة والأكثر توحدا والأكثر حذرا من الزج المستهتر باسمها في تلك الأمور والاتهامات.
الخبر الذي تم بثه في الوقت الذي كان فيه رئيس تحرير الصحيفة بصحبة الرئيس عبد الفتاح السيسي في واشنطن، أثار ضجة كبيرة، وعلامات استفهام عديدة، وهو جدير بذلك، وضجته والتساؤلات فضلا عن الهمسات التي لا تقال، ترجع إلى أن الأجواء بشكل عام في مصر مربكة، وغامضة، وهناك يقين لدى كثير من المهتمين بالشأن العام أن مصر ما زالت تعيش فترة تحول سياسي، فترة انتقالية، وكل شيء جائز وعابر، كما أن هناك أفكارا متداولة عن أن كثيرين في مصر يرون أن البلد أفلتت من السيسي على أكثر من صعيد، وأن تجربته لم تكن موفقة، وأنه هو شخصيا أصبح عقدة لكثير من المشكلات، وحلها الوحيد في نظرهم هو البحث عن بديل، كما أن الفريق أحمد شفيق يحظى بقبول واسع في الخليج وثقة كاملة في أبو ظبي تحديدا، وهي الأكثر دعما لمصر طوال الأعوام الماضية، كما يحظى باحترام في مصر، سياسيا وعسكريا باعتباره أحد أبناء المؤسسة، كل هذا جعل من شخصيته عامل انجذاب متكرر لفكرة أن يكون البديل لفك العقدة في مصر.
شفيق قال بوضوح أنه لم يحسم أمره، وأن من حقه أن يترشح، صحيح أنه لم يؤكد أنه ينوي الترشح، لكن الأكيد أيضا، وهو الأهم، أنه لم ينف نيته أو تفكيره في الترشح، وهو ما يعني أن المستقبل مفتوح على احتمالات كبيرة.
هناك مناخ سياسي عام في مصر مربك وغامض وغير مريح هذه الأيام، والمشكلة أن هموم البلد وتحدياتها الاقتصادية والأمنية والاجتماعية لا تتحمل هذا الغموض والارتباك فضلا عن المزيد منه، فهل تشهد نهايات 2017 جلاء ذلك كله؟!.
المصريون المصرية