كتاب عربي 21

مغزى تراجع ترامب عن توصيف "الاخوان" كتنظيم "ارهابي"

1300x600
كشفت هذا الأسبوع إحدى الصحف القريبة من الجمهوريين ومن الإدارة الأمريكية الحالية عن تراجع الأخيرة عن الإمضاء على "امر تنفيذي" يتم فيه اعتبار "الإخوان المسلمين" تنظيما إرهابيا وما يستتبعه ذلك من تضييق قانوني ومالي عليهم. وقد نقلت صحيفة "الواشنطن تايمز" (ثاني أهم صحيفة في العاصمة واشنطن بعد الواشنطن بوست) بالاعتماد على مصادر مطلعة من داخل البيت الأبيض أن الرئيس ترامب قرر إرجاء الامضاء على الأمر بعد أن تمت صياغته في الأشهر الماضية. ويتوافق هذا التقرير مع تقارير إخبارية ماضية تحدثت عن خلافات بين أجنحة مختلفة في الإدارة الأمريكية حول كيفية صياغة هذا الأمر التنفيذي خاصة بين ستيف بانون وبعض المقربين منه في مجلس الأمن القومي في مقابل موظفين سامين في وكالة الاستخبارات ووزارة الخارجية الامريكيتين. فما الذي يجعل ترامب يتراجع عن إحدى النقاط التي شكلت رؤيته خلال الحملة الانتخابية والتي تضع كل الإسلاميين في سلة واحدة تحت يافظة تجريم "الإخوان" وهو رأي دافع عنه بشراسة عدد من المقربين منه بما في ذلك اللبناني وليد فارس. 

كان الحديث عن صياغة هذا القرار يتردد منذ الحملة الانتخابية وأشار إليه بوضوح عدد من مساعدي ترامب من بينهم فارس ولكن أيضا مرشحون جمهوريون آخرون انضموا فيما بعد لترامب أهمهم تيد كروز الذي سارع حتى قبل تقلد ترامب الرسمي للرئاسة إلى صياغة مشروع قرار في الكونغرس يدعم مشروعا سابقا في اتجاه تجريم التنظيم الإسلامي. 

لكن اختار ترامب فيما بعد أن تكون إدارته وليس الكونغرس من يقوم بإصدار هذا القرار. وبرزت أولى الملامح لنص الأمر التنفيذي أسابيع قليلة بعد بدء ترامب عهدته وذلك في الأسبوع الأول لشهر شباط/ فبراير من خلال مقال للنيويورك تايمز نقل عن مصادر خاصة وجود صيغة أولية له. ويضع المقال هذا القرار ضمن ما تعتبره "رؤية سوداء لإدارة ترامب للإسلام" وليس لتنظيم الاخوان فحسب: "وقد رفض هذا الرأي المظلم للإسلام أهم الخبراء في المنطقة وأيضا الرئيسان جورج دبليو بوش وباراك أوباما. وبانتخابات السيد ترامب، انتقل هذا الرأي الآن إلى مركز صنع القرار الأمريكي في مجال الأمن والقانون." وتم التأكيد على أن هذا الرأي الذي يرى ان الصراع ليس فقط مع رؤية راديكالية ومتطرفة للإسلام بل مع الإسلام نفسه يمثله مقربون من ستيف بانون خاصة ستيفان غوركا الذي "ينتحل" حسب البعض صفة خبير بـ"الإرهاب" و"التطرف الإسلامي"، في حين فندت مقالات لاحقة تعرضت بالتفصيل لرسالته في الدكتوراه في جامعة مجرية إلى ضعفه العلمي البالغ. يضاف إليهما مستشار الأمن القومي المعزول الجنرال فلين الذي عرف بمقولة تماثل الإسلام بالسرطان. 

ولكن ذكر مقال النيويورك تايمز أيضا أنه حتى في تلك الصياغة المبكرة كانت هناك ضغوطات من داخل الإدارة للقيام باستثناءات في علاقة بعدد من التنظيمات الإسلامية من بينها "النهضة" في تونس و"العدالة والتنمية" في تركيا التي ينظر إليها بشكل مختلف عن التنظيمات الإخوانية الأخرى مثل المصرية أو الفلسطينية. وأشار كاتب المقال آنذاك إلى أنه: "قد يحاول المسؤولون تضييق نطاق مثل هذا الأمر لتجنب التأثير على فروع الإخوان خارج مصر، أو قد يرفضون الأمر لصالح انتظار التشريع من الكونغرس." 

لكن المقال الأخير للواشنطن تايمز يوضح أن هذه الأجنحة لم تنجح فقط في تغيير صياغته بل في تجميده. وكان موقع "بولتيكو" في أول شباط/ فبراير أشار أيضا إلى وجود مذكرة فيها تحذير من: "خبراء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من أن وضع العلامات على الجماعة الإسلامية منذ عقود "قد يؤجج التطرف" ويلحق الضرر بالعلاقات مع حلفاء أميركا، وفقا لملخص لتقرير استخباراتي نهائي لأجهزة الاستخبارات وصناع القرار." وتشير الوثيقة التي نشر موقع "بوليتيكو" مقتطفات منها، التي نشرت داخليا في 31 جانفي، إلى أن جماعة الإخوان المسلمين، التي تضم ملايين الأتباع حول العالم العربي، "رفضت العنف كسياسة رسمية وعارضت تنظيم القاعدة وداعش". وإذ تقر بأن "أقلية من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين شاركوا في أعمال العنف، فإن ذلك كان في أغلب الأحيان ردا على القمع القاسي للنظام أو الاحتلال الأجنبي أو الصراعات الأهلية". في حين، تؤكد المذكرة، أن هناك تنظيمات ينظر إليها كتنظيمات إخوانية خاصة في تونس والمغرب وتركيا ستضعف من هكذا توصيفات. 

تقرير الواشنطن تايمز أكد ما نقله موقع "بوليتيكو" حول وجود أجنحة في الادارة ضد القرار لكن تشير في ذلك ليس إلى الاستخبارات بل إلى مذكرة لوزارة الخارجية الأمريكية. وقال أحد المسؤولين الذين تحدثوا لصحيفة "واشنطن تايمز" إن المذكرة "أوضحت أنه ليس هناك جماعة واحدة متجانسة من الإخوان المسلمين"، في تمييز بين تنظيمات "تمارس العنف" وأخرى لا تمارسه، والتخصيص في ذلك على التنظيمات الناشطة في تونس والمغرب. وهناك إشارة في هذه المذكرة إلى ضغوط خارجية خاصة من أنظمة عربية على رأسها الأردن حذرت من تجريم تنظيم الإخوان. ونقلت الصحيفة: "قال المسؤول إن دبلوماسيين كبارا من الاردن - حليف وثيق للولايات المتحدة - يعتقدون أنهم حذروا بشدة من فكرة إضافة جماعة الإخوان المسلمين إلى قائمة المنظمات الإرهابية الخارجية بوزارة الخارجية، وذلك لأن الذراع السياسية للحركة في عمان تضم حاليا 16 مقعدا برلمانيا." 

وعموما يمكن أن نستخلص أن الفريق المؤدلج المحيط في البيت الأبيض بترامب وعلى رأسهم ستيف بانون، الذي يؤمن ضرورة وجود معركة نهائية مسلحة مع الإسلام، يتناقص تأثيرهم عليه كل ما ينغمس ترامب في لعبة التوازنات الإقليمية ويستمع إلى حلفاء له في المنطقة وأيضا بسبب تنوع سياسات التنظيمات الإسلامية الموصوفة بـ"الإخوانية" خاصة في تونس والمغرب والتي تشوش على الرؤية الإطلاقية "المنسجمة" لبانون وأتباعه. لكن من الواضح أن الأخيرين لن يقفوا مكتوفي الأيدي وعلى الأرجح سيدفعون بتمرير هذا النقاش والجدال إلى الكونغرس وتشجيع عدد من النواب للقيام بمشروع قانون مماثل، بما سيجعل ترامب بعيدا عن الحرج من حلفائه الإقليميين. بمعنى آخر التجميد الحالي لهذا القرار لا يعني موته.