هل يحتمل العالم ترمب جديدا في قصر الإليزيه؟!

تخيلها في قصر الإليزيه يثير القلق والدهشة والإحباط.

لم يفق العالم بعد من صدمته بفوز الرئيس الشعبوي دونالد ترمب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية حتى تطل على المشهد مرشحة اليمين للانتخابات الرئاسية الفرنسية التي ستجري في نيسان / أبريل المقبل.

مارين لوبان تعيد خلط أوراق اللعب ليس في فرنسا وحدها وإنما في أوروبا التي لا تزال تترنح على وقع التصويت البريطاني بالخروج من الاتحاد الأوروربي.

كثيرون في العالم يرون أن التصويت لمارين لوبان، المولودة عام 1968 في مدينة نويي الفرنسية، انتكاسة أكبر للديمقراطية الليبرالية، وهي التي كبرت وهي تشاهد والدها مؤسس حزب "الجبهة الوطنية" جان ماري لوبان يمزق الساحة السياسية في فرنسا.

مارين لوبان ليست حالة طارئة في المشهد السياسي الفرنسي فقد درست القانون وأصبحت محامية في باريس.

ورغم أن مسيرتها في مهنة المحاماة لم تكن ملفتة، لكن زملاءها يثنون على مثابرتها وجديتها في العمل، وكانت تتطوع ضمن المحامين الذين تعينهم المحكمة، وكثيرا ما وجدت نفسها تدافع عن مهاجرين "غير شرعيين".

غادرت مارين لوبان نقابة المحامين عام 1998 لتلتحق بحزب والدها "الجبهة الوطنية" ضمن الفريق القانوني.

وفي عام 1998، حصلت لأول مرة على مقعد مجلس مقاطعة "نوربادكالي"، ثم أصبحت في عام 2000 عضوا في المكتب السياسي للحزب.

وظهر خط مارين داخل "الجبهة الوطنية" يتميز عن مواقف والدها، منذ عام 2003 عندما تحدثت لأول مرة عن "ضرورة إيجاد إسلام فرنسي، لأن إسلام فرنسا، له مفهوم إقليمي".

وفي عام 2004 انتخبت في البرلمان الأوروبي، وجمدت مارين عضويتها في هيئات الحزب عام 2005 بعد تصريح أدلى به والدها يقول فيه إن "الاحتلال الألماني لفرنسا لم يكن بالبشاعة التي يتصورها الناس، على الرغم من الأخطاء التي يستحيل تفاديها في بلد كبير مثل فرنسا".

ومنذ ذلك التاريخ، يقول المؤرخون، إنها سعت جاهدة لخلافة والدها، والترويج لرؤيتها الجديدة داخل الحزب وفي وسائل الإعلام.

وتذمرت مارين من تصريحات والدها المثيرة للجدل في وسائل الإعلام، فدعت إلى تصويت أعضاء الحزب بالمراسلة من أجل تغيير قوانين الحزب وإلغاء منصب الرئيس الشرفي الذي كان يشغله والدها.

مارين احتلت مقعد والدها في "الجبهة الوطنية" بداية عام 2011 رغم معارضة رفاق الطريق، لكن الدعم المطلق الذي وفره لها والدها أتاح لها أن ترثه سياسيا بعد أن انضوت في العمل السياسي في صفوف "الجبهة" منذ أن كانت طالبة.

واعتبر جون أن ابنته دبرت مؤامرة ضده، ولجأ إلى القضاء، فألغت المحكمة قرار تغيير قوانين الحزب والانتخابات.

ولكن المكتب التنفيذي أعلن فصل جان ماري لوبان من الحزب نهائيا عام 2015 لتخلو لابنته زعامة "الجبهة الوطنية".

وترشحت مارين لوبان للانتخابات الرئاسية عام 2012، وعادت وحزبها لتحقق نتائج متميزة في الانتخابات الأوروبية عام 2014، وشكلت عام 2015 كتلة برلمانية في البرلمان الأوروبي باسم "أوروبا الأمم والحريات" وانضمت إليها أحزاب "رابطة الشمال الإيطالي" وحزب "الحرية" النمساوي، وحزب "الحرية" الهولندي و"فلامز بيلانغ" البلجيكي، والنائبة جانيس أتكينسون المبعدة من حزب "يوكيب" البريطاني.

واشتهرت مارين بموقفها ضد المهاجرين، وهي تعترض على سياسة التبادل الحر في الاقتصاد، وترى أنها تفرض على فرنسا تنافسا مجحفا مع الدول النامية، ولذلك تقترح نوعا من الحماية المعقولة للاقتصاد الوطني، لا تصل إلى الانغلاق تماما، وتدعو إلى خروج تدريجي من منطقة اليورو والعودة إلى الفرنك الفرنسي.

وتكهنت قبل يام باختفاء الاتحاد الأوروبي من الخريطة السياسية للعالم، واندلاع انتفاضة عالمية للشعوب، ووعدت في الوقت نفسه بحماية فرنسا من العولمة.

وتعد مارين لوبان، إذا وصلت إلى سدة الحكم، بتجميد جميع مشاريع بناء المساجد في فرنسا وتوسيع قانون منع ارتداء الرموز الدينية في المدارس ليشمل الأماكن العامة، ومنع الحجاب وليس النقاب أو البرقع.

وتدعو أيضا إلى منع ذبح الحيوانات وفق الشريعة الإسلامية، وبيع اللحم أو تقديمه في المطاعم على أنه "حلال"، أو وفق الديانة اليهودية.

كما حاولت زعيمة "الجبهة الوطنية" التخلص من إرث والدها بالتقرب من "إسرائيل" وانتقدت الحملة الداعية إلى مقاطعة "إسرائيل" بأنها "عنصرية"، مؤكدة أنها لن تسمح بـ"معاداة السامية" في حزبها.

وبداية آذار/مارس الماضي وافق البرلمان الأوروبي على رفع الحصانة عن لوبان، بناء على طلب من القضاء في بلادها، على خلفية نشرها "صورا عنيفة" لإعدامات قام بها "تنظيم".

ولن يشمل رفع الحصانة إلا هذه القضية، أي أنه لا علاقة له باتهام لوبان بتوظيف مساعدين وهميين لصالح نواب من "الجبهة الوطنية" في البرلمان الأوروبي.

وأواخر عام 2015، نشرت لوبان 3 صور صادمة لإعدامات رهائن قام بها "التنظيم"، ونشرت لوبان صورة حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حيا، ودهس دبابة لرهينة آخر، وقطع رأس رهينة ثالث، ردا على تصريحات وردت في برنامج على أثير إذاعة "أر أم سي" الفرنسية، عندما قال الصحفي الفرنسي الشهير جان جاك بوردين إن هناك روابط غير مباشرة بين "تنظيم الدولة /داعش" و"الجبهة الوطنية".

وكثيرا ما تتهم لوبان بالعنصرية وكراهية الأجانب، ولكنها تنفي ذلك، وتقول إنها "تناضل" ضد الهجرة وليس ضد المهاجرين كأشخاص، وإنها دافعت عنهم أمام المحاكم، عندما كانت محامية.

ويصنف حزبها بأنه يمثل اليمين المتطرف من قبل أحزاب السيار، ووسائل الإعلام الكبرى، وترفض لوبان هذا التصنيف، وتعرف حزبها بأنه "اليمين الوطني"، وتصفه أيضا بأنه حزب "لا يمين ولا يسار".

ويرى الكاتب فيليب كولينز أن مارين لوبان أخطر من دونالد ترمب، فتحت المظهر البراق يخطط هذا الحزب اليميني المتطرف لتغيير فرنسا بطرق يمكن أن تخيف حتى ترمب نفسه.

واحتمالية أن تكون الرئاسة الفرنسية من نصيب شخصية عنصرية يضع  الديمقراطية تحت المجهر وفي مواجهة العاصفة والقرارات الشعبوية التصادمية.

ويقول إعلاميون فرنسيون إن التصويت للوبان يعني التصويت للعنصرية وانتكاسة للقيم الفرنسية.

وتبدو أن مواجهة لوبان في الانتخابات الرئاسية المقبلة محصورة في الدورة الثانية مع مرشح الوسط إيمانويل ماكرو الذي ترتفع فرص فوره في الاستطلاعات.