صحافة دولية

"ميدل إيست آي": نتكلم عنه يوميا ونحاربه.. لكن ما هو الإرهاب؟

الإرهاب
نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا، تحدث فيه عن نظرة المسؤول عن مراقبة قوانين مكافحة الإرهاب في بريطانيا، ديفيد أندرسون، لمفهوم الإرهاب، وإعادة تعريفه، خاصة في ظل اختلاط هذا المفهوم عند عامة الناس. 

وفيما يلي النص الكامل للتقرير من ترجمة "عربي21" وتحريرها:

في الواقع، سعى السياسيون من جميع الأحزاب الموجودة في العالم لإقناع مجتمعاتهم بأن الإرهاب هو شكل فريد وخاص من الجرائم. ولذلك، عمدوا إلى إدراجه في فئة "الشر السيكوباتي" الذي يتميز المصنفون ضمنه بقدرة على ارتكاب أفعال لا إنسانية.

علاوة على ذلك، نبذ المجتمع المتحضر الإرهابيين. ووضع السياسيون الإرهاب في خانة غير قابلة للتفاوض ولا حتى التسوية، واعتبروه أخطر معضلة تواجهها الإنسانية في عصرنا.

في المقابل، كل هذا السرد السياسي ليس سوى محاولة بائسة منهم بغية الحصول على صلاحيات خاصة، وضخ المزيد من المبالغ الضخمة في مكافحة التهديدات الإرهابية، فضلا عن تحقيق مصالحهم الأمنية والدفاعية في القطاعين العام والخاص، على حد السواء.

عموما، هناك بعض المفاهيم التي تم تناولها بطريقة معمقة أكثر بكثير من مصطلح "الإرهاب"، إذ إن قلة قليلة من هذه المفاهيم استطاع عامة الناس فهمها. وفي الواقع، وقع إعادة تعريف مصطلح الإرهاب مرارا وتكرارا بطريقة لا تخدم سوى أجندات السياسيين.

ونتيجة لهذا التعريف الفضفاض، أصبح هذا المصطلح غامضا لدى الناس، إذ لا يوجد أي تعريف شاف وواف له يستطيع أي شخص أن يقبله، خاصة أن الأنظمة الاستبدادية تستعمل هذا المصطلح للحط من قيمة المعارضين الشرعيين.  

على سبيل المثال في مصر والسعودية، ومعظم دول الخليج عامة، يتم تصنيف أي حزب سياسي يدعو إلى التغيير الديمقراطي السلمي على أنه "إرهابي".

في الأثناء، تمت إعادة تشكيل هذا المفهوم في المملكة المتحدة، ليس فقط لكي يتماشى مع أعمال العنف، بل أيضا للإشارة به إلى بعض الأنشطة التي لا تقع تحت طائلة العنف.

بالتالي، لا يستخدم الإرهاب للإشارة إلى الأشخاص الذين يرتكبون أعمال العنف فقط، بل أيضا للإشارة إلى الأشخاص الذين يحملون أفكارا يمكن أن تهدد بريطانيا، والقيم التي تأسست عليها ونمط الحياة الذي يعتمده جل المواطنين البريطانيين.

وبهذا التعريف، أصبح مفهوم الإرهاب جزءا لا يتجزأ من جهاز مضايقة الدولة.

الإرهاب الحكومي

في الواقع، اخترع مصطلح "الإرهاب" على أعقاب الثورة الفرنسية، التي أطاحت بسلالة بوربون في سنة 1793، وقدمت مقاليد حكم الجمهورية الفرنسية على طبق من ذهب لجماعات أكثر تطرفا وراديكالية، كل واحد منهم لديه قاعدة سياسية مختلفة.

وآخر واحد من بينهم كان ماكسميليان روبسير الذي وضع نظاما خاصا يقضي بإعدام معارضيه من دون الخضوع إلى محاكمة خاصة في حال وصفهم بالإرهابيين. ولكن فيما بعد، تم وصف السياسة التي اعتمدها روبسير في القواميس على أنها "سياسة إرهابية".

في حقيقة الأمر، كانت كلمة "الإرهاب" تكتب مثل الأسماء الصحيحة مع ضرورة كتابة الحرف الأول من الكلمة بحجم كبير. وكان ذلك يوظف للإشارة إلى السياسات المعتمدة من طرف بعض الحكومات، وليس لوصف المنظمات أو الجماعات المتمردة.

ومن هذا المنطلق، عرّف قاموس "أكسفورد" الإنجليزي هذا المصطلح على أنه "صفة تميز الحكومة التي تقوم بتخويف الناس ليخضعوا للتوجهات التي وضعها الحزب الحاكم". وإذا لم يتم تحوير هذا التعريف، لكانت جل الحكومات في العالم تصنف على أنها إرهابية.

ولكن تم إهمال هذا التعريف وغض الطرف عنه، ليعود للظهور من جديد في منتصف القرن التاسع عشر بيد أنه تم تطويعه هذه المرة للسيطرة على العنف الفوضوي ولا سيما تلك الموجهة للتصدي للنظام القيصري في روسيا.

في الحقيقة، ذاع صيت مصطلح "الإرهاب" من دون كتابة الحرف الأول بالحجم الكبير خاصة في الخمسين سنة التي مضت؛ أي قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى وذلك في أعقاب الهجوم الذي شنه كل من الوزراء الحكوميون والسلالات الحاكمة في أوروبا وأيضا في الولايات المتحدة ضد كل من الرئيس، جيمس جارفيلد ووليام ماكينلي.

وفي هذا الإطار، نشر الكاتب جوزيف كونراد، رواية تحت عنوان "العميل السري" كانت معنية بدراسة هذه الجماعة، في حين عمد الكاتب الروسي، فيودور دوستويفسكي في روايته "الشياطين" إلى ربط الصلة بين الإرهاب ومجريات الأحداث في روسيا.

بالتالي، تم توظيف مصطلح "الإرهاب" للإشارة إلى مجموعة واسعة من أعمال العنف ومرتكبيها، وبعض القتلة المعزولين والذين لا يعملون تحت إدارة أية منظمة إرهابية، وبعض المنظمات محكمة التنظيم وذات أهداف سياسية واضحة على غرار الحركة الثورية الايرلندية، فنيان.

وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الحركات الإرهابية ظهرت في تلك الفترة ولا سيما في روسيا الذي كان البعض منها ممولا من قبل الحكومات.

في المقابل، اختفى هذا المصطلح مرة أخرى بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى لنحو نصف قرن. وكان لتجاهل هذا المصطلح عواقب وخيمة، إذ أن الحرب العالمية والشمولية غيرا وجهة النظر التي يتم من خلالها تناول مصطلح الإرهاب.

علاوة على ذلك، شهدت الفترة الفاصلة بين سنتيْ 1914 و1945 إراقة الدماء وأعمال شغب، وهو ما أدى إلى الخلوص إلى أن الاغتيالات والاعتداءات التي ارتكبت في الغرب من طرف الأناركيين والقوميين قبل سنة 1914، ومن قبل "الإرهابيين الإسلاميين" في 2001، تعد أمرا غير مقبول وغير منطقي.

صناعة الإرهاب

في الواقع، علينا أن ندرك أن مصطلح الإرهاب في معناه الأصلي يشار به إلى استخدام الحكومات للعنف لأغراض سياسية ضد أعدائها المحليين. وإن كان هذا التعريف يدل على شيء، فإنه يدل على أعمال العنف التي جدت عقب 1914، والاعتداءات التي ارتكبت ضد السكان الروس من قبل ستالين، وفظائع الشيوعيين في ماو، والاعتداءات التي ارتكبتها جيوش هتلر ضد السكان المدنيين في أوروبا (هذا من دون ذكر المحرقة، التي في حد ذاتها تعد إبادة جماعية).

وهذا التعريف يتماشى مع التعريف الأصلي الذي وضعه أكسفورد، ولكن هذه الحكومات نادرا ما كانت توصف بالإرهابية.

في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، زار الصحفي والروائي البريطاني الفطن، جورج أورويل، إسبانيا ووصف الفظائع التي يرتكبها الجيش الفرنسي ومعارضوه الشيوعيون خلال الحرب الأهلية الإسبانية بالإرهابيين.

ومن المثير للسخرية أنه، بموجب القانون البريطاني المعاصر يمكن اعتبار أورويل إرهابيا، إذ أنه حارب ميليشيا الأناركي في الحرب الأهلية.

من جانب آخر، واجهت بريطانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية انتفاضات عنيفة في كينيا، وعدن، وماليزيا، وفلسطين، وغيرها من الأماكن ومما لا شك فيه أنه في حال جدت هذه الانتفاضات في وقتنا الراهن، لكانت صُنفت على أنها حركات إرهابية.

في المقابل، نادرا ما تستخدم المملكة المتحدة هذا المصطلح، وذلك يوعز إلى أن هذه الانتفاضات جدت في مستعمرات جدُ بعيدة عنها وتسعى لقطع الصلة معها تماما. فضلا عن ذلك، كان هناك تعاطف دولي واسع النطاق، خاصة من قبل الولايات المتحدة، التي كانت تناهض حركات المستعمرات ضد بريطانيا.

من جهة أخرى، كانت القوى الاستعمارية الأخرى ولا سيما استعمار فرنسا للجزائر، متمسكا بمستعمراته باعتبارها جزءا لا يتجزأ من دولتهم، حيث كانوا من جهة، يصفون خصومهم بالإرهابيين ومن جهة أخرى يستعملون أساليب إرهابية (بكل ما تحمله الكلمة من معنى) ضدهم.

تغير تعريف الإرهاب في أعقاب 11 أيلول
 
في حقيقة الأمر، عاد مصطلح الإرهاب ليتداول بكثرة في أواخر ستينات وسبعينات القرن الماضي، ولكن هذه المرة كان مرتبطا بشكل كبير بالجماعات القومية وعلى رأسها الجيش الجمهوري الايرلندي، ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة إيتا، بالإضافة إلى حروب العصابات التي نشبت في أوروبا وأمريكا الجنوبية والتي سرعان ما لفتت أنظار دول العالم إليها.

وكانت أكثر الحروب عتاوة تلك التي شنتها جماعة بادر ماينهوف. وتجدر الإشارة إلى أنه تم تصنيف جل هذه الحركات على أنها تشكل خطرا على أمن، وحتى على وجود، الدولة المضيفة.

أما في المملكة المتحدة، كان الجيش الجمهوري الايرلندي يقوم بانتفاضات مناهضة للاستعمار البريطاني، وهو ما حتم على بريطانيا أن تدخل في حرب مع الجيش الجمهوري الايرلندي الذي طالب بتأسيس دولة حرة ايرلندية ككيان مستقل عن المملكة المتحدة، فضلا عن أنهم قتلوا العديد من المدنيين الأبرياء على الأراضي البريطانية.

وقد ساهم ذلك في اتخاذ الحكومة البريطانية لبعض التدابير التي لم يتوقع بأنه سيتم اتخاذ مثلها في زمن السلم (الاعتقال الوقائي والاعتقال من دون إجراء من دون محاكمة). وكل تلك التدابير كانت ترتكز على فرضية أن جرائم الجيش الجمهوري الايرلندي تندرج ضمن فئة "الإرهاب".

في المقابل، واجهت الحكومة البريطانية صعوبة حشد دعم الولايات المتحدة ، إذ ظفر الجيش الجمهوري الايرلندي بتعاطفهم.

علاوة على ذلك، حتى في ذروة الهجمات التي شنها الجيش الجمهوري الايرلندي، لم تفكر أبدا الحكومة البريطانية في إغلاق أبواب التفاوض.

عموما، لم يعتبر قادة الغرب الإرهاب تهديدا حقيقيا إلا في أعقاب هجوم تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة في 11 أيلول/ سبتمبر سنة 2001، حيث أعلن جورج بوش "حربه ضد الإرهاب" في حين أن توني بلير توصل، في سنة 2004، إلى أن "الإرهاب الإسلامي" معضلة "وجودية" مهمة سيستغرق حلها "جيلا كاملا".

من ناحية أخرى، غيّر الخوف من الإرهاب أسلوب عيش المجتمعات المعاصرة، وهو ما دفع بدوره الدول لتغيير قوانينها.

ففي المملكة المتحدة مثلا، أعطت القوانين الجديدة التي سنت لمكافحة الإرهاب صلاحيات لا متناهية للدولة. ومن بين القوانين التي وضعت نذكر؛ قانون مكافحة الإرهاب والجريمة والأمن العام سنة 2001، وأضيف هذا القانون في كتاب النظام الأساسي مباشرة بعد هجوم 11 أيلول/سبتمبر. العدالة الجنائية لسنة 2003 (التعاون الدولي)، وقانون منع الإرهاب لسنة 2005، وقانون الإرهاب لسنة 2006، وقانون مكافحة الإرهاب لسنة 2008، وقانون تدابير ردع الإرهاب والتحقيق لسنة 2011، وقانون حماية الحريات لسنة 2012.
 
صوت العقل ضد الإرهاب

في الواقع، عندما عين ديفيد أندرسون مسؤولا عن مراقبة قوانين مكافحة الإرهاب في شباط/ فبراير سنة 2011 ورث معه كل هذه المشاكل. فعلى الرغم من افتقاره للخبرة اللازمة لخوض غمار هذا المجال، إلا أنه كان يعمل محاميا تجاريا. وعلى الرغم من أنه كان على صلة بشركات تابعة لعائلة بن لادن، إلا أنه نفى أن تكون له ولاءات سياسية.

فضلا عن ذلك، استطاع أندرسون إعادة تعريف مهمة مراقبة القوانين الإرهابية. فمثلا استطاع سلفه أليكس كارلايل، الذي كان نائبا سابقا في حزب الديمقراطيين الأحرار، اكتساب ثقة الأجهزة الأمنية، إلا أنه لم يعرف الطريق الأنسب للتعامل مع المجتمعات الإسلامية، والتي كانت المتأثر الرئيسي بالتشريعات الجديدة المتعلقة بالإرهاب.

وعلى خلاف كارلايل، قام أندرسون باعتماد سياسة جديدة تقوم بالأساس على تقصي الحقائق والعمل ليس فقط لفائدة أجهزة المخابرات بل من أجل الجميع. كما استمع إلى منظمة "كايج"، وهي منظمة دعوية مثيرة للجدل حملت نفسها مسؤولية "العمل على تقوية الدول المحلية المعنية بالحرب ضد الإرهاب"، التي يتولى رئاستها المعتقل السابق في غوانتانامو، معظم باغ. كما تواصل أيضا مع مؤسسة كويليام، التي ترعاها الحكومة والتي ينظر إليها من قبل المسلمين بعين الريبة.

وبعد فترة وجيزة من تسلمه لمهامه، تساءل أندرسون عما إذا كانت كلمة "الإرهاب" عقبة تقف في طريق التصدي له.

وفي سنة 2013، كتب أندرسون إلى الجماعة الدعوية المثيرة للجدل الآتي:

"تمكنت العديد من الدول المتقدمة، حتى وقت قريب، من دون اللجوء إلى سن قوانين خاصة بمكافحة الإرهاب من التصدي له - تهمة الإرهاب- قادرة على تشويه أي شيء يقف في طريقها. فالإرهاب يقف وراء كل شيء متطرف، وخطير، وسري، ومخيف، وهذه هي الصفات التي تضفي بريقا على المنتسبين له".

وأضاف أندرسون أنه "بإمكان المجرمين المتمرسين في أيرلندا الشمالية، المعنية بالدرجة الأولى بتهريب التبغ أو وقود الديزل من أجل إثراء أنفسهم، الاستفادة من الإرهاب لتحسين مكانتهم في المجتمعات الفرعية المكونة من المتعاطفين. كما يتم إغراء البريطانيين المسلمين الذين يسافرون إلى مناطق تفتقر إلى قوانين تناهض الإرهاب، في سن حرج يتسم بمدى تشبثهم بمعتقداتهم".

من جانب آخر، من الممكن أن يكون الإرهاب السمة التي تميز القادة السياسيين، وأعضاء النيابة العامة، والصحفيين، والمحامين والناشطين، وهو ما من شأنه أن يضخم ميزانيات الأجهزة العسكرية والاستخباراتية، والناشرين، والجامعات واستوديوهات السينما. ولذلك وحد ضباط الشرطة صفوفهم للتصدي للإرهاب.

واستفاد المسؤولون عن الجدران الأمنية والدوائر التلفزيونية المغلقة من الظهور مع حوالي 400 عارضا و8 آلاف مندوب في حدث بالغ الأهمية تواصل على مدى يومين كاملين.

وفي هذا الصدد، قال أندرسون إن "كل هؤلاء الناس لمجرد استعمالهم لكلمة "إرهاب" حولوا المفردات العادية كالجريمة، والحكومة، والتجارة، والأكاديمية، إلى فضاء عقلي يقوم بالأساس على أفكار روبسبير، والمفجرين الأيرلنديين، والأناركيين الروس، والمجاهدين، وأمراء الصحراء.

أما على الجهة الأخرى للسياج، فنجد الفروع الخاصة، والعملاء السريين، والطائرات دون طيار والقوات البحرية، حيث أن كل طرف منهم لديه مصالحه الخاصة".

"لهذه الكلمة سحر خاص وصفات جذابة تجعل كل كلمة تتماشى معها منبوذة ولا يمكن الوثوق بها. وكان من الأفضل أن لا تجد طريقها نحو القانون. ولأغراض قانونية أكثر واقعية، كان هناك شيء سياسي يحفز على مزيد ارتكاب جرائم أكثر عنف".

"ولكن فات الآن الأوان على مناقشة ذلك، فهذا المصطلح أصبح قانونيا. وسواء للأفضل أو الأسوأ، علينا أن نحمي بوصلتنا ونتطرق إلى الطرق التي تم بها تفسير هذه القوانين".

في الواقع، لم يتوقف أندرسون عند ذلك الحد بل ذهب أبعد من ذلك بكثير، إذ أنه شكك في مدى خطورة الإرهاب وفند فكرة أن الإرهاب يشكل "تهديدا كبيرا على رفاهيتنا وحياتنا" كما توصل إلى أن "لا يوجد مبرر لهجوم 11 أيلول/ سبتمبر، الذي أسفر عن مقتل 2800 شخصا".

ومع ذلك أضاف أندرسون قائلا: "ليس في الإشارة إلى 180 ألف شخص الذين قتلوا في هجمات إرهابية أخرى تقليل من احترام القتلى الذين لقوا حتفهم في هجوم 11 أيلول/سبتمبر.

وفي الحقيقة، ظل ضحايا التفجير الذي جدّ في 7 من تموز/ يوليو سنة 2005 في لندن، على الأقل إلى غاية أيار/ مايو سنة 2013 الأشخاص الوحيدين الذين لقوا مصرعهم على أيدي تنظيم القاعدة على الأراضي البريطانية".

بالإضافة إلى ذلك، سرعان ما تحدى أندرسون المغالطة التي تفيد بأن كل أنواع الإرهاب مرتبط أساسا بالإسلام. كما أفاد أنه خلال سنة 2015 كان  هناك 15 قانونا في إيرلندا الشمالية متعلقا بالإرهاب ولكن لا يوجد أي هجوم إرهابي تم التخطيط له من قبل مسلمين في المملكة المتحدة.

قمع حرية التعبير

في حقيقة الأمر، احتفظ أندرسون- وهذا أمر نادر الحدوث- بالمنظور التاريخي، إذ لم يمض وقت طويل قبل أن ينفي أن تكون شبكات تنظيم القاعدة المنتشرة في أنحاء العالم وراء ظهور أشكال جديدة من الإرهاب.

علاوة على ذلك، أشار أندرسون إلى أن حملة القصف التي نظمها "فنين" في لندن في ثمانينات القرن التاسع عشر تم التدريب لها في معسكرات في نيويورك، وأن المسؤول عن مؤامرة البارود، جاي فوكس تم تجنيده في الإقليم الفلامندي.

علاوة على ذلك، خلص أندرسون إلى أنه لا يوجد أي جديد طرأ على التفجيرات الانتحارية ولذلك كتب "لديهم تاريخ عريق في الحروب، تسببت في الإطاحة بالعديد من قادة العالم في الماضي، بما في ذلك ألكسندر الثاني في روسيا سنة 1881، وهو القيصر الذي حرر العبيد. وتجدر الإشارة إلى أنه تم اللجوء بكثرة إلى الهجمات الانتحارية في أواخر القرن العشرين؛ في الحرب الأهلية اللبنانية ونمور التاميل في سريلانكا.

فضلا عن ذلك، توصل أندرسون إلى أن هدف تنظيم القاعدة لم يكن إسقاط أكبر عدد من الضحايا من المدنيين، كما هو الحال بالنسبة لقصف الطيران الهندي سنة 1985، وتفجير لوكربي سنة 1988.

ومن بين الأمور التي شكك فيها أندرسون، والأكثر هرطقة من كل شيء، هو تساؤله عن مدى فاعلية القوانين الإرهابية، فهي لا تستعمل إلا كوسيلة للتعبير عن الاستياء العام من هذه الأحداث، مشيرا إلى أن القوانين العامة تفي بالغرض ولا داعي لسن قوانين خاصة بالإرهاب:

"اتهم جيمس مكاردل، المهاجم في الكناري وارف (إحدى أشهر مدن المال والأعمال في لندن) بالقتل وأدين بالتخطيط لشن هجوم إرهابي. أما الرجال الأربعة الذين فشلوا في تفجير أنفسهم في لندن بعد أسبوعين من هجوم 7 تموز/يوليو تم اتهامهم بالتخطيط للقتل، على غرار الرجال الثمانية متهمين في جريمة محاولة تفجير طائرة من خلال استعمال "قنبلة سائلة" سنة 2006. وقد وصف أحد القضاة المعينين للبت في هذه القضية، هذا المخطط على أنه أخطر مؤامرة تحاك وتثبت من قبل السلطات القضائية.

وبسبب هذه الحادثة أصبح يتعين على أي شخص يصعد على متن الطائرة أن يفرغ زجاجة الماء التي يحملها. ولكن لم يتم اقتراح، في أي من هذه المحاولات، أنها جريمة إرهابية محكمة التخطيط وبمقدورها أن تؤثر على المزاج العام".

كان أندرسون باعتباره مسؤولا عن مراجعة القوانين الإرهابية، دائما ما يندد بخطورة استعمال شبح الإرهاب لقمع الاحتجاجات الاجتماعية. وخير دليل على ذلك، هي قضية ديفيد ميراندا الذي اعتقل سنة 2013 في مطار لندن هيثرو بموجب المادة 7 من قانون الارهاب لسنة 2000 بسبب حيازته لوثائق متعلقة بإدوارد سنودن.

وفي هذا السياق كتب أندرسون:

" من خلال التفكير (بمنطق لا غبار عليه) في أن نشر مواد تعنى بالدوافع السياسية من شأنه أن يشكل خطرا يهدد حياتنا، صحتنا وسلامتنا وهو ما سيتحول بدوره إلى إرهاب. كما اعترفت المحكمة أن الصحفيين والمدونين والمنتمين لهم، بسبب كتاباتهم يمكن أن يتم وصفهم بأنهم إرهابيون، وبذلك يصبحون معرضين لمجموعة واسعة من القيود العقابية والتنفيذية. وبالتالي، كانت النتائج المترتبة عن حرية التعبير وخيمة وخطيرة جدا".

لطالما كان أندرسون من ألد الناقدين لفكرة التطرف الغير العنيف (الذي يعد جزءا من خطة تيريزا ماي، التي تقضي بأن الانسياق وراء الإرهاب لا ينطوي فقط على الأعمال الإرهابية، بل يشمل أيضا التطرف غير العنيف، الذي من شأنه أن يخلق مناخا مناسبا للإرهاب، وأن يساعد على تعميم ونشر الأفكار التي يروج لها الإرهابيون".

علاوة على ذلك، حذر أندرسون من أن الناس الذين يبعدون "أميالا" عن الإرهاب يمكن أن يتم التحقيق معهم بسبب دينهم، على الرغم من أنهم لا يملكون أية نوايا مبيتة لارتكاب جرائم تتسم بالعنف.

وعلى الرغم من توقفه عن الدعوة لضرورة تفكيك استراتيجية المنع، كان في المقابل، يحثهم على إعادة النظر فيها وعلى وجوب إجراء تقييم لهذه الاستراتيجية لتتماشى مع الطرق الخاصة التي يعتمدها كمسؤول عن مراقبة القوانين المتعلقة بالإرهاب.

من ناحية أخرى، لم يكن أندرسون بالنسبة لقراء صحيفة الغارديان اليساريين موثوقا فيه، وذلك لمساندته قانون صلاحيات التحقيق لسنة 2016 الذي وضعته الحكومة.

وبسبب خيبة الأمل التي شعر بها الليبراليون المدافعون عن الحريات، صرح أندرسون "أنه لم يكن لديه نية الاعتراض، بالشكل الذي يتم فيه ممارستها الآن، والتي تلعب دورا هاما في حماية الأمن القومي". كما ندد بأن هذه الممارسة يجب أن تستمر وتخضع "لضمانات إضافية" وصفت من قبل الليبراليين على أنها "غير قانونية، وغير متجانسة".

الحاجة إلى الشجاعة المعنوية

في حقيقة الأمر، تعود وظيفة المراقب الاستخباراتي إلى أكثر من 40 سنة، وذلك منذ تمرير قانون الوقاية من الإرهاب والمصادقة عليه، في أعقاب  تفجيرات حانة برمنغهام، في سنة 1974. وعلى خلفية تلك الأحداث، أعلن وزير الداخلية البريطاني، "ميرفيين رييس" عن إنشاء مراقبين مستقلين للتشريع.

الجدير بالذكر أن أول شخص يشغل هذا المنصب كان اللورد شاكلتون، نجل المستكشف الشهير، إرنست تشاكلتون. أما من تلاه فهو اللورد جليكو، ابن الأميرال، جون جيليكو الذي شارك في الحرب العالمية الأولى. ولكن أندرسون كان أقرب إلى وايت هول القديمة.

وفي هذا الصدد، قال إندرسون: "لقد عرض علي ثلاثة مسؤولين مجهولي الهوية أن أشغل منصب مراقب استخباراتي. وعن طريق الحيلة تمكنوا من دخول مكتبي، بعد أن أعلموا الكاتبة لدي أنهم عاملون، ويريدون مشورتي القانونية.

ومرة أخرى، عندما كنت في قاعة المؤتمرات، كشفوا عن هوياتهم وأعلموني أنهم من طرف وزير الخارجية الذي يرغب في أن أقبل المنصب الذي عرضه علي، والذي لا تجمعني به أي علاقة ولا أي انتماء سياسي.

عموما، من بين الانجازات التي حققها أندرسون نذكر تحديثه لطرق التعيين. فالمراقب الاستخباراتي المقبل عليه أن يمر بعملية تعيين رسمية بدلا من تعيينه بطريقة مريبة أو من خلال وساطات.

وتجدر الإشارة إلى أنه من المقرر أن يتنحى أندرسون قريبا من منصبه، لكنه سيغادر محملا بخيبة أمل كبيرة، نظرا لأن العديد من الوزراء قد تجاهلوا بصفة مستمرة توصياته المتعلقة بطرق الحد من نطاق الأعمال الإرهابية.

عموما، لا تزال الحكومة البريطانية تعتمد على الإستراتيجية الردعية نفسها ضد الإرهاب متغاضية عن توصيات وانتقادات أندرسون. ومن المثير للسخرية أن الحكومات تتجنب دائما ارتكاب جرائم إرهابية إلا أنها لا تتوانى عن إزهاق أرواح العديد من المدنيين الأبرياء من أجل تحقيق أغراضهم السياسية.

وطوال الست السنوات التي شغل فيها أندرسون منصب المسؤول عن مراقبة قوانين مكافحة الإرهاب، كان بمثابة صوت العقل ومدافعا شرسا من أجل خدمة العديد من الأهداف النبيلة.

علاوة على ذلك، كان يتسم أندرسون بوضوح فكري، وشجاعة أدبية منقطعة النظير، ونظرة استشرافية ثاقبة، فضلا عن أنه كان محل ثقة جميع الأطراف البارزين، على الساحة السياسية البريطانية.