كتاب عربي 21

حول مخصصات المركزي للأشخاص بالدولار

1300x600
بعد أيام من إعلان رئيس ديوان المحاسبة عن مبادرة للإصلاح المالي تضمنت تخصيص مبالغ بالعملة الصعبة للأشخاص وللتجار وغيرها، أعلن المصرف المركزي في بيان له عن تخصيصه 400 دولار أمريكي لكل حامل رقم وطني من الليبيين تنقل إلى حساب شخصي فرعي في المصارف، تسيل في حال توفر النقد الأجنبي، أو يتم الاستفادة منها عبر البطاقات الدولية "الفيزا"، أو غيرها من طرق التحويل.

قرار المصرف المركزي كان مفاجئا، باعتبار أن الموقف المعلن للمحافظ أنه ضد الإجراءات الانتقائية ومع حزمة كاملة من الإصلاحات تتعدى السياسات الاقتصادية (المالية والنقدية والتجارية) وتشمل الملفين السياسي والأمني. وما رشح من تصريحات عن بعض المعنيين بالشأن الاقتصادي فإن السيد الصديق الكبير يتحفظ على مبادرة ديوان المحاسبة، وكان من المتوقع أن لا يستجيب لها، وأظنه قد فعل.

ناقشت في مقال سابق الخطوات الإصلاحية التي اقترحها ديوان المحاسبة، وفي هذه السانحة أحاول أن ألمس جوانب القوة والضعف في قرار المركزي الليبي.

فمن حيث القيمة الإجمالية نلحظ أنها أقل مما اقترحه الديوان، فإجمالي المخصصات المقررة من قبل المصرف المركزي في حدود 2.6 مليار دولار أمريكي إذا قدرنا أن هناك نحو 6.5 ملايين ليبي يحملون رقما وطنيا، بينما اقترح الديوان 3 مليارات للتحويلات الشخصية. 

الجانب الإيجابي أن المبالغ يمكن أن تصل حسابات الأفراد في حال توفر ودائع في حساباتهم ودون حاجتهم لتدبير نقد ليبي لشراء الدولار، وبالنسبة للمجموع العام أو الأغلبية الساحقة، فهذه النقطة مهمة وذلك في ظل أزمة السيولة.

أعتقد أن المصرف المركزي والمصارف التجارية ستعجز عن توفير طلبات تسييل تلك المخصصات نقدا لأصحابها حال شرائها، حيث من المتوقع إقبال جميع من يحملون الرقم الوطني على الشراء حتى من لا يتوفر لديهم النقد الليبي لشراء المخصصات بالدولار، فمن المحتمل جدا أن يتدخل القادرون على السداد لدفع القيمة مقابل نسبة تمنح للعاجزين عن الدفع، وقد أشار البيان بوضوح لهذه النقطة بالقول "فور توفر إمكانية توريد السيولة"، وقد تطرقت إلى هذه المسألة في مقالي الذي عقبت فيه على مبادرة ديوان المحاسبة.

بناء عليه فليس من المتوقع أن يكون لهذه الخطوة تأثير كبير على مستوى سعر صرف الدينار في السوق الموازية، ولا الارتفاع الفاحش في المستوى العام للأسعار، وربما لن نشهد تراجعا مهما في قيمة الدولار مقابل الدينار في السوق السوداء في المدى القصير.

فيما يتعلق بالبدائل الأخرى للاستفادة من المخصصات الدولارية التي أشار إليها بيان المركزي الليبي، فإن شريحة واسعة جدا من الليبيين لن يستفيدوا منها بشكل مباشر وكامل ذلك أن معظم الليبيين لن يستطيعوا السفر خارج البلاد واستخدام البطاقات المصرفية الدولية، وسيكون الاستفادة من التحويل المباشر لشريحة قليلة لصالح العلاج أو دعم أقاربهم من الدارسين في الخارج على حسابهم الخاص مثلا.

إذا المتاح نقدا من هذه المخصصات سيكون محدودا وبالتالي أثره محدود أيضا على الوضع المالي والاقتصادي، ويمكن في ظل ضعف الرقابة وتفشي الفساد أن تتوسع المضاربات على تلك المخصصات، ويتم التحكم في تداولها وتسييلها بشكل لا يؤثر على التوازن المطلوب لسعر صرف الدينار الليبي، ويكون المستفيد الأكبر هم المضاربون والمتاجرون بالعملات.

لهذا فإن القرار على هذه الشاكلة ليس شيئا مهما، ولأنه قد صدر فندعو إلى الصرامة في التطبيق والرقابة الشديدة لضمان أن يكون المستفيد الأول هو المواطن المطحون. أيضا يتطلب تحقيق نتائج جيدة لهذا القرار ممارسة ضغوط على الأطراف الدولية لرفع قيودها على تسييل النقد الأجنبي الليبي في مصارفها في الخارج، مع مرادفته بخطوات مساندة تتعلق بالتسهيلات المالية الأخرى والموازنة الاستيرادية لأجل توفير السلع الأساسية وغيرها بسعر معقول، وقطع الطريق على المضاربين عليها وبالتالي إخضاعها لدهاليز السوق الموازي الذي صار يتضخم ويكبر على حساب الاقتصاد الرسمي.