صحافة دولية

فورين بوليسي: كيف أصبحت حرب فرنسا مع الإسلام بضاعة رائجة؟

فورين بوليسي: ستعاني أوروبا نتائج أخطاء أعوام 2012 و2013 و2014- أرشيفية
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للصحافية إيما كيت سايمونز، تقول فيه إن ديفيد ثومسون هو من أوائل الذين أعلنوا أن الدين هو جزء من المشكلة في حرب فرنسا على الإرهاب.

وتقول الكاتبة إنه "قبل أن يركز الصحافيون والمراسلون والسياسيون والعلماء والشرطة جميعهم على تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة والمخاطر المترتبة على عودة المقاتلين في الخارج.. كان هناك مراسل إذاعة فرنسا الدولية ثومسون، الذي أمضى سنوات مراسلا في شمال أفريقيا، وكان على اتصال بالجهاديين، وكان قد أعلن قبل الهجوم على تشارلي إيبدو بتسعة أشهر بأن الفرنسيين الذين ذهبوا للقتال في سوريا مصممون على العودة إلى فرنسا، للقيام بهجمات فيها، في حوار تلفزيوني على القناة الفرنسية الثانية". 

وتضيف سايمونز أن العالم الاجتماعي رفائيل ليوغير رد على ثومسون في ذلك الحوار، فقال: "لم أسمع بهذا أبدا! لماذا يذهبون بعيدا إلى هناك إن كان العدو هنا؟"، وحذرت ضيفة أخرى في البرنامج، وهي الباحثة حناني كريمي من "وصم المسلمين"، في الوقت الذي سخر فيه ضيف آخر من ثومسون، قائلا إن مقابلته لعدد من الجهاديين لا تجعله خبيرا في الموضوع، مشيرا إلى أن هناك حاجة لشيء من التواضع.

وتستدرك الكاتبة في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، بأنه "بعد ذلك الحوار بعامين، وسلسلة من الهجمات الإرهابية على الأراضي الفرنسية، وبعد 13 شهرا متواصلة من حالة الطوارئ، وعلى أبواب انتخابات رئاسية جديدة، أصبح ثومسون، الذي يصفه البعض في الإعلام الفرنسي بـ(الرجل الذي تحدث مع الجهاديين) و(النبي) والمفكر المفضل لدى العامة، وذلك بعد إصداره لكتابه (العائدون)، الذي حقق رواجا، ويبرز مقابلات العائدين من القتال مع تنظيم الدولة في سوريا، وظهر ثومسون على صفحات (لوموند)، ولمع اسمه في الصحافة المطبوعة، وعلى الإنترنت وفي الحوارات المتلفزة، بالإضافة إلى أن ناشري كتاب (العائدون) طلبوا إعادة طبعه بسرعة، حيث نفدت النسخ المطبوعة، وأصبحت تعرض النسخ المستخدمة منه على الإنترنت بثلاثة أضعاف سعر الجديد".

وتشير سايمونز إلى أن "ثومسون أقام كتابه بناء على مقابلات شخصية  أجراها على مدار عامين مع عشرين شخصا، بعضهم في السجون، وبعضهم في البيوت، وبعضهم في مطاعم الكباب في فرنسا، والبعض الآخر على الهاتف، بما في ذلك عناصر في سوريا، ورسم المؤلف، الذي تحدث مع أكثر من مئة جهادي على مدى العقد الماضي، فرنسيين بشكل خاص وبعض التونسيين والبلجيكيين، صورة لمقاتلين استهوتهم فكرة تجربة الخروج عن المألوف من العنف والمتعة، وهو ما أطلق عليه ثومسون اسم (جهاد القهقهة)، وآخرين عادوا من تنظيم الدولة خائبي الأمل، لكنهم غير نادمين، وفي بعض الحالات جاهزين لتكرار التجربة مرة أخرى".

وتنقل المجلة عن لينا، وهي إحدى الأشخاص المتعطشين للدماء الذين قابلهم ثومسون، قولها: "إن (تشارلي إيبدو) كان أسعد أيام حياتي.. وأتمنى أن يتكرر، وآمل أن تقوم أخت بتنفيذ الهجمات القادمة".

دور الإسلام

وتجد الكاتبة أن "ما أكسب الكتاب الكثير من الاهتمام هو حكم ثومسون ومن قابلهم حول موضوع (دور الإسلام) المشحون، و شعور الأقلية المهمشة، والتمييز والغضب الناتج عن الاستعمار في الماضي، وغياب الآباء، والمشكلات العائلية، ومخاطر انزلاق الأحداث في ارتكاب الجرائم، و(الحرب المقدسة)، ووعد الشباب بالحصول على الجنس -كل هذه مهمة في تفسير الجهاد في فرنسا، بحسب ثومسون، ومع ذلك لا يكفي أي من تلك الأشياء لجعل أولئك الأشخاص لتجاوز الحد لولا دور الدين، الذي في العادة ما يهمل، ولولا القناعات الروحية السياسية، خاصة تلك المتعلقة بالخط السلفي الوهابي المتشدد، الذي يرى أنه السبب في انزلاق الأشخاص الذين كتب عنهم في العنف الجهادي، وهو ما يوضح أيضا أنهم لن يخرجوا من تلك الحالة".

وتورد المجلة ما كتبه أليكساندر ديفيتشيو في "لوفيغارو"، بأن المفكرين الفرنسيين والعلماء والقضاة والشخصيات الدينية ودعاة مكافحة التطرف والصحافيين، قضوا السنوات الأخيرة في محاولة إيجاد إجابات لأسباب التحول الذي تشهده بلادهم، وسط أخبار لا نهاية لها، حول هجمات يقوم بها فرنسيون، وإحباط خطط لعمليات إرهابية، في الوقت الذي ذكر فيه ثومسون القارئ بأن الجهاد هو "المصدر الأقوى لتهديد واستهداف وضرب" الغرب، لكن القليل نجح في الإقناع.

خلافات

وتلفت سايمونز إلى أن "العلماء المتخصصين في العلوم السياسية، مثل جايلز كيبل وأوليفر روي، اختلفوا في مواقفهم، ففي الوقت الذي يرى فيه روي أنه تم إلباس التطرف ثوبا إسلاميا، وأنه يجب عدم الإلقاء باللائمة على الإسلام، فإن كيبل يرى بأن الإسلام تحول للتطرف، ويلقي باللائمة على الإسلام، وفي الوقت الذي بقي فيه هذا الخلاف في دوائر النخبة وانتقد كلاهما؛ روي لإهماله القناعات الدينية لدى أعضاء تنظيم الدولة، وكيبل لرؤيته الإرهاب من منظور ديني، إلا أن كتاب ثومسون وفق بين الخطابين، بحسب ديفيتشيو، الذي يقول: (الجهاد المنتج في فرنسا هو ثمرة اجتماع بين الإسلام الراديكالي وزمن الفراغ.. الابن الهجين للمثالية القاتلة وزمن الانعتاق من السحر)".

وقت مناسب

وتبين المجلة أن "نشر كتاب (العائدون) جاء في وقت سياسي ملائم، ممثلا في الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2017، التي لم يبق عليها سوى أشهر قليلة، وبدأ يأخذ شكل الاستفتاء حول الإرهاب والإسلام، وبعد المواربة لسنوات حول مدى المواجهة مع دين فرنسا الثاني، يبدو أن السياسة بشكل عام في فرنسا بدأت تقتنع بالفكرة كاملة، وقبل نشر كتاب (العائدون) كان الطامح اليساري للرئاسة مانويل فال يوجه اللوم للسلفية بصفتها مقدمة للإرهاب، ولم يبق سوى القليل من اليساريين الذين لا يلومون الإسلام لما تواجهه فرنسا، أما على اليمين فيتوقع تقدم المرشحين في انتخابات الربيع القادم، الجمهوري فرانسوا فيلون ومن الجبهة الوطنية مارين لوبان، وكلاهما يصور الإسلام على أنه متناقض مع القيم الفرنسية، ويأتي كتاب ثومسون في وقت يبدو فيه أن الفرنسيين قد قرروا إنهاء النقاش حول دور الإسلام في مشكلة الإرهاب في بلدهم، حيث كسب أصحاب الرأي الذي يقول إن الدين هو المشكلة".

لمسة أنثروبولوجية

وتنوه الكاتبة إلى أن "ثومسون يطبق لمسة أنثروبولوجية للتصرف الإنساني ومهارة المراسل في الحصول على مصادر أولية والاستماع إليها، وكانت بدايته في تغطية ما بعد الربيع العربي في تونس وليبيا قبل العودة إلى باريس، وقام بعدها ببناء أعمق شبكة من الأشخاص الذين يتصل بهم لأي صحافي غربي حاول الدخول إلى صفوف تنظيم الدولة الفرانكفونية، وقام المراسل يتتبع هجرة الجهاديين الأجانب إلى سوريا عام 2014 في مقال (الجهاديين الفرنسيين)، الذي أعطى صوتا للشباب الفرنسيين (المتحمسين تماما لمشروعهم) القائم على شن الحرب في سوريا، وأولئك الذين، في بعض الحالات، يريدون العودة إلى فرنسا لشن هجمات إرهابية، ويصف في كتابه الأول شبكة جهاديين في سوريا والعراق شكل أعضاؤها (الخلية الأولى للكوماندو)، الذي قام بهجمات قاعة احتفالات باتاكلان في باريس في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015". 

وتذكر المجلة أن "كتاب (العائدون) تضمن مقابلات مع شخصيات مختلفة، بعضهم حر وآخرون في السجن، وهناك شباب متحمسون من خلفيات شمال أفريقية، مثل صفية، التي ذهبت إلى سوريا، لكنها عادت إلى فرنسا لتستمر في التدخين علنا، وهو ما كان سيكلفها 40 جلدة تحت حكم تنظيم الدولة، لكنها تتحدث عن العودة ثانية، ليس إلى سوريا هذه المرة، لكن إلى اليمن، وتقول: (لا أستطيع البقاء في فرنسا، أنا أكره فرنسا، حيث لا أشعر أن لي مكانا فيها)، بالإضافة إلى كيفين من بريتاني، الذي نشأ عضوا في جوقة الكنيسة الكاثوليكية، والبالغ من العمر 21 عاما، واعتنق الإسلام وعمره 14 عاما، وعندما أصبح عمره 17 عاما ذهب إلى سوريا، ويأمل الآن بالعودة إلى فرنسا ليعيش مع زوجاته الأربع وأطفاله الستة، حيث تزوج في ظل تنظيم الدولة، وهو الآن مسجون في تركيا، كما يتضمن الكتاب مقابلات مع طلاب ثانوية سابقين وعمال وأعضاء سابقين في الجيش الفرنسي، وزوجين طبيبين اعترفا بأنهما قضيا وقتا يعملان مع تنظيم الدولة في الرقة مع بناتهما؛ لا لأنهما يؤيدان تنظيم الدولة، ولكن لإنقاذ ابنهما". 

تاريخ مدنس

وتفيد سايمونز بأنه "أصبح من المسلّمات هذه الأيام بأن تاريخ الجهاديين الغربيين مدنس، لكن معظم من قابلهم ثومسون لكتابه تلقوا تعليما دينيا كأطفال، وينحدر 70% منهم من عائلات مسلمة ومحافظة في العادة، وقابل العديد منهم أشخاصا ساعدوا على تحولهم نحو التطرف في المساجد، ومن بين الناس الذين يعرفونهم، قال معظمهم إنهم اتخذوا خطواتهم الأولى تجاه تنظيم الدولة بعد انجذابهم أولا للسلفية الهادئة غير العنيفة، الذين يقلدون السلف الصالح من وقت الرسول، قبل أن ينفصلوا عن السلفية للانضمام للجهاد المسلح، وجذبت الحركة السلفية بقيمها الأصولية المتطرفة، التي تدعو إلى الانسلاخ عن المجتمع الرئيسي، عددا أكبر من الملتزمين في فرنسا على مدى العقود الماضية".

وبحسب المجلة، فإن زبير البالغ من العمر عشرون عاما، وهو الوحيد الذي يقول إنه تاب، تحدث عما كان يفعله عند تردده على مجموعة سلفية قبل الذهاب إلى سوريا، حيث تعرف على المهاجمين في باريس وبروكسل في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 وآذار/ مارس 2016، ووصف الأيام الأولى في المخيم الجهادي مع تنظيم الدولة بأنها تشبه النزهة، حيث "كان المكان الوحيد الذي بإمكانك أن تطلق فيه النار على الناس وتأكل البوظة"، وكان من أول من عاد من سوريا، وتطوع بعد سنة من السجن للعمل في برنامج للمخابرات بإعطاء الشباب المعرضين للتطرف خطابا بديلا.

وتنقل الكاتبة عن ثومسون قوله إن السلفية تقول إنها ترفض الجهاد المسلح، وإن أتباعها يقومون حتى بتبليغ الشرطة عن التكفيريين بينهم، لكن شقي السلفية المتصارعين يشتركان في المعتقدات الرئيسة ذاتها، ويقول ثومسون: "الزبير، مثل معظم الفرنسيين الذين قابلهم في سوريا، يعد السلفية الهادئة الأرضية التي مهدت وشكلت المنطلق إلى الجهادية".

وتشير المجلة إلى أن المسؤولين يستخدمون ما ساقه ثومسون في كتابه بصفته دليلا على صحة قراراتهم السياسية، حيث أصبحت فكرة المؤلف أن عملية إعادة متطرف إلى جادة الحق أمر شبه مستحيل، التي يصر عليها، أمرا مقبولا حتى في مؤسسة مكافحة الإرهاب التي تتحدث عن "الانفصال"، بالإضافة إلى أن السلطات الحكومية تستخدم مقالات ثومسون لتبرير إغلاق المساجد السلفية، كما يطلب من ثومسون بشكل متزايد أن يوضح سبب عدم انتباه فرنسا والغرب للمؤشرات المحذرة من الجهاد المنتج محليا، مستدركة بأنه يبدو أنه لا يملك الأجوبة على تلك الأسئلة التي تتعلق بالغرب أكثر مما تتعلق بالجهاديين.

وتختم "فورين بوليسي" مقالها بالإشارة إلى قول ثومسون: "الواقع أنه لا أحد يعرف كيف يحل المشكلة.. لقد وقعت الجرائم المرعبة، وأنا أعرف أن هذا سيصدم البعض، لكن أوروبا ستعاني نتائج أخطاء أعوام 2012 و2013 و2014؛ لسماحها لمئات الفرنسيين بالمغادرة باتجاه سوريا والعراق لإنشاء قاعدة هناك بأهداف إرهابية، ولم تمنعهم من الذهاب".