قضايا وآراء

إذ يصبح الخوف هواءً يتنفسه الناس

هشام الحمامي
اعتمد الرئيس الأمريكي المنتخب في تسويق نفسه لدى جموع الناخبين على فكرة(الخوف), الخوف من المهاجرين ,الخوف من المكسيك ,الخوف من المسلمين...الخ , وهو هنا لم يأت بجديد هو فقط ركز على مشاهد محدده فى سياق الحياة الأمريكية  العادية التى يعيش بها  المواطن الأمريكي  معيشه عادية وتعامل معها بطريقة لئيمة , وللقصة تفاصيل.

 دعونا أولا نتفق فعلا على أن الخوف كامن فى عمق أعماق الإنسان ,سواء كان فردا أو جماعة لكنه ضمن مكنونات النفس الطبيعية التى يضبط بها الإنسان أمور وشؤون معاشه ,بعض المفكرين لهم نصيحة تقول (عش فى خطر)سيدفعك ذلك بالتأكيد الى الحيطة والانتباه والحذر وهى أمور مهمة للعيش المتوافق وقديما قال عمر رضي الله (لو كان الحذر لغوا لما أمرنا به).

لكن للرواية سردية أخرى وذلك حين يتم التعامل مع هذا الشعور الإنساني (الخوف) بطريقة تدبيرية كما يقول ميشيل فوكو المفكر الفرنسي الشهير يقول (أن كل نظام سياسي يمتلك مكونات تدبير الخوف والرعب وهى مكونات مهمة بالنسبة لرسوخ سلطته) وقال أيضا(إن الخوف يكون حيث تكون هناك إرادة سيطرة واستحواذ وهو بذلك يتصل بعلاقات القوة).

ويتحول الخوف إلى ثقافة فى المجتمع عندما تتلاقى جملة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية مع بعضها وينتشر الخوف وفقا لذلك رأسيا وأفقيا حتى يصبح هواء يتنفسه الناس .
....
(ناعومى وولف)كاتبه أمريكية ومؤلفة كتاب اشتهر كثيرا بعنوان (نهاية أمريكا) وذات حضور ناشط في المجال السياسي والاجتماعي لها دراسة ثرية بعنوان (تصنيع الخوف )وتزايد مساحات تأثير هذه الصناعة الرديئة في المجتمعات وخلصت فيها الى ما كان قد ذكره( فوكو)عن أن موضوع (الخوف)لم يعد مقتصرا على الحكومات(الاستبدادية)التقليدية بل يحدث من جميع الحكومات حتى الديمقراطية منها!.

تقول:(لا يمكن للطغاة نشر الخوف في صفوف الجماهير دون تجسيد هذا الخوف في صورة أعداء داخليين وخارجيين ,عندما يخاف الناس فإنهم يكونون أكثر استعدادا لقبول إجراءات تنتقص من(حرياتهم الشخصية) بل حتى من مقومات(حياتهم الأساسية)ففي الوقت الذي كان(يلتسين) يقصف فيه البرلمان بالدبابات كان يمرر القرارات الاقتصادية التي أفقرت الشعب الروسي وأدت إلى إفلاسه وفعل( بينوشيه) الشيء ذاته وهو يعلن حربه على الشيوعية بل إن قانون(الباتريوت)الأمريكي المشبوه الذي سلب الأمريكيين حرياتهم الشخصية قد تم تمريره في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتحديدا في 26 أكتوبر تحت مبرر الاستعداد( للحرب على الإرهاب) لينكولن نفسه فرض الأحكام العرفية أثناء الحرب الأهلية حريق الرايخ ستاج في 27 فبراير 1933 الذي تزامن مع إعلان الحرب ضد الشيوعية تم اتخاذه كذريعة لقمع الشيوعيين الألمان.

إنها الخطة القديمة الجديدة (صنع تهديد مرعب وغير مفهوم بشكل كبير)خطر الإرهاب - المؤامرات الخارجية تذكر دائمًا الحقيقة السابقة:(الناس لديهم الاستعداد للتضحية بقدر كبير من حريتهم إذا شعروا أنهم في خطر حقيقي بل الأنكى هو حجم استعدادهم لتقبل الممارسات الدموية للسلطة ما دامت تتم في حق غيرهم)وضع ألف خط تحت تتم فى حق غيرهم .

تحدثت أيضا الكاتبة عن(القمع خارج دائرة القانون)جميع الأنظمة الاستبدادية لديها شبكة سرية من السجون تمارس من خلالها أنشطة غير مشروعة أشهرها التعذيب لأجل انتزاع المعلومات وهو ما يفضي كثيرا إلى القتل وأحيانًا الإعدام الجماعي كما حدث في تشيلي وسوريا وأحيانًا اغتصاب النساء الذي اشتهرت به الديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين.

تشترك هذه الأنظمة أيضا في إنشائها جهازا للشرطة السرية  للقيام بالرصد والتجسس حتى في الولايات المتحدة, (نيويورك تايمز) تحدثت لأول مرة عن برنامج أمريكي للتجسس على هواتف المواطنين وهي المعلومات التي لم تعد قابلة للتشكيك بعد فضائح التنصت والرقابة التي تورطت فيها المخابرات الأمريكية بحق مواطنيها ومواطني دول العالم ورؤسائها حتى الحليفة للولايات المتحدة والتي كشفت عنها وثائق إدوارد سنودن.