لا يمكن أن يلوم أحد الإخوان إن طالبوا بالإفراج عن المعتقلين فهؤلاء ليسوا ألفا أو ألفين بل عشرات الآلاف من خيرة أبناء وبنات هذا الوطن؛ وليس بمقدور أحد أن يماري في عطاء الإخوان على مدار العقود الماضية، ولا يمكن لمنصف أن يتجاهل صمودهم ومقاومتهم للاستبداد منذ العهد الملكي وحتى اليوم مرورا بحكم عبد الناصر والسادات ومبارك المخلوع.
أين تقع نقطة الخلاف في الوقت الراهن: من وجهة نظري أن معسكر الثورة والشرعية ومقاومة الانقلاب في مجمله لم يتفق بعد على خطة واضحة المعالم لكسر الانقلاب، وما يدور في الغرف المغلقة هو حوار حول هل نسقط الانقلاب أولا أم نتفق على عودة الرئيس محمد مرسي والدستور والبرلمان أولا ثم نذهب معا في طريق كسر الانقلاب.
فريق يرى أن الإخوان رغم تضحياتها لا تزال تمسك بملف الثورة لأنها الأكثر قوة وعتادا وتنظيما وهذا من وجهة نظر هذا الفريق يحول دون أن يكون للآخرين كلمة، بينما يرى الإخوان ومن حولهم أن المسألة متروكة للميدان والجميع مدعوون للمشاركة ولا حكر على رأي وتعالوا وستجدون كل الدعم.
الحقيقة أن الفريق الأول يعتقد أو يظن أن الغرب لديه فيتو على عودة الرئيس مرسي وعلى قيادة الإخوان وسيطرتهم المحتملة (الموهومة) على الحياة السياسية بعد انتصار الثورة، وهذا الاعتقاد لا نعرف مدى صحته ومدى الثقة في مرجعيته، بمعنى أنه لو تأخر الإخوان وتنازل الإخوان، فهل سيسمح للثورة بأن تنتصر؟ أو بطريقة أخرى لو فعل الإخوان ما يطلب منهم، فهل سيزاح الانقلاب بين عشية وضحاها ويعود الثوار من غير الإخوان مرفوعي الرأس مكبرين ومهللين؟
الإجابة ليست معروفة أو غير مطروحة حتى توقيت كتابة هذا المقال. أما الفريق الثاني وأعني الإخوان وفريق دعم شرعية الرئيس محمد مرسي -وأنا معهم- يرون أن الغرب لن يدعم ثورة ولن يمنح دعما، وأن التخلي عن الشرعية والرئيس تحديدا، يعني نهاية مشروعية الثورة لأن الرئيس مرسي ليس رئيسا للإخوان بل رئيسا لمصر، وتجارب التاريخ تعلمنا أن الغرب لا يأتي من ورائه في الثورات تحديدا إلا كل شر.
بين الفريقين تحدث تداخلات وتلميحات وليس تصريحات بأنه على الإخوان أن يتحركوا ويعطوا إشارة لحلحلة الموقف الراهن ليتيحوا الفرصة لغيرهم أن يأخذوا بزمام الأمور، خصوصا أن البلد "بتضيع" وعلى الجميع أن يقدم تنازلات ولو تكتيكية من أجل إنقاد الوطن. وهنا يثور في ذهني سؤال لهؤلاء الحريصين على الوطن: لماذا لا تتحركون لتنقذوا الوطن وأنتم ترون الجاني أو الجناة أمام أعينكم، والكلام ينطبق على من يسمونهم الشرفاء في معسكر الانقلاب ولغيرهم؟ لماذا لا تتحركون كما يتحرك أنصار الشرعية وفيهم نساء وبنات خلف القضبان من أجل قضية مصر أولا وأخيرا؟
ثم لقد تحرك الإخوان وأعلن الأستاذ إبراهيم منير نائب المرشد العام، عن تلبيته لدعوات هؤلاء الذين ألحوا في الطلب، ودعاهم إلى التحرك من أجل إنقاد الوطن؟ ترى هل من مجيب؟ لا أعتقد؛ فالمطلوب هو إبعاد الإخوان والثورة والرئيس قبل التفكير في إبعاد السيسي وحده مع الإبقاء على الطغمة الانقلابية بأسرها، لأنها مجموعة المصالح التي يتعامل معها الغرب، وهل من المعقول أن يضحي الغرب برجاله؟ وقد يقول قائل إن الضغط على الإخوان كبير وهائل ومتنام وعليهم أن يلقوا بحجر في المياه الراكدة، وأقول: نعم.. وهاهم قد ألقوا بالحجر، فهل ستتحرك المياه، أم سنجد أمامها ألف سد وسد؟
هل ما أقوله يعني أنني ضد الإفراج عن تاج الرؤوس وأسيادنا في الزنازين؟ كلا وألف كلا، ويعلم الله أنه لم يطب لي طعام ولم تنم لي عين منذ الانقلاب وحتى تاريخه لأننا وبعيدا عن السياسة "بني آدمين" وما يصلني من رسائل من وراء القضبان ومن خارجها يشيب له الولدان.. وهنا يثور السؤال: إذا كانت القضية الآن هي المعتقلون فتعالوا نتحرك عبر العالم، إسلاميين ويساريين، ليبراليين ومحافظين، نحمل قضيتهم هنا وهناك ونضع خطة للضغط على الانقلاب، ولتكن هذه بداية الاصطفاف الحقيقي الذي يظهر قوتنا فعليا بعيدا عن المهاترات وادعاء البطولة، وبعيدا عن التخوين.
تعالوا جميعا نتفق على قضية ونتعاطي معها بإنسانية بعيدا عن خلافاتنا السياسية. المصالحة شيء والتسوية السياسية شيء آخر، إذا أردتم التسوية فلها طريق ويمكن للجميع أن يتفق عليه، أما المصالحة فليست بيد أي فصيل بل بيد الشعب وأولياء الدم وأهالي المعتقلين والمصابين والمشردين.