سياسة عربية

هل تفتح مصر أبواب غزة لتغلق أبواب رام الله؟

تعمل القاهرة مؤخرا على عزل عباس وإفساح المجال واسعا أمام محمد دحلان- أرشيفية
كشف الناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي داود شهاب، أن وفدا من حركة حماس سيزور مصر في الفترة القادمة، ضمن لقاءات تعتزم القاهرة إجراءها مع عدد من الفصائل الفلسطينية، في ظل عزمها على استضافة جلسات حوار لإنجاز المصالحة الفلسطينية.

وقال شهاب في تصريحات لـ"عربي21" إن مصر ستدعو للقاءات المصالحة الفلسطينية، بعد المؤتمر السابع الذي تعقده فتح في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، دون تحديد وقت اللقاءات بالضبط.

وفي سياق آخر، بيّن شهاب، الذي زار وفد رفيع المستوى من حركته مصر، والتقى بقياداتها، أن الأخيرة وعدت بمزيد من التسهيلات على حركة معبر رفح، وفتحه لفترات متقاربة "بما لا يتعارض مع الأمن القومي المصري، والحالة في سيناء". 

وفي خطوة غير معتادة، فتحت السلطات المصرية معبر رفح مرتين خلال 30 يوما (منذ نهاية تشرين الأول/أكتوبر حتى اليوم)، حيث بلغ مجموع الأيام التي فتح فيها المعبر خلال هاتين الفترتين 11 يوما، وهو ما يمثل ثلث أيام فتح معبر رفح منذ بداية العام، وفق ما أفاد به مسؤول الإعلام في معبر رفح، وائل أبو محسن، لمراسل "عربي21".

تعزيز نفوذ دحلان

ورأى المحلل السياسي عدنان أبو عامر، من غزة، أن هناك تغييرا تدريجيا واضحا في سياسة مصر تجاه قطاع غزة، يتجلى في الفتح المتكرر لمعبر رفح، والحديث عن منطقة تجارية مفتوحة بين غزة وسيناء، ومشاركة الوفود السياسية والاقتصادية في مؤتمرات عقدت في مصر مؤخرا. 

ونفى أبو عامر لـ"عربي21"، أن يكون للوضع الإنساني الصعب في القطاع أي أثر على توجه مصر، مؤكدا أنه لا يمكن قراءة هذا التوجه بعيدا عن حالة الاستقطاب الحادة داخل حركة فتح بين تياري رئيس السلطة محمود عباس والقيادي المفصول محمد دحلان، إضافة إلى القطيعة بين حركتي حماس وفتح.

وأضاف: "لعل مصر ندمت مؤخرا على انسحابها من المشهد الفلسطيني، وهو ما أتاح المجال للاعبين آخرين للتحرك في الساحة الفلسطينية، كتركيا وقطر اللتين زارهما الرئيس عباس مؤخرا، ما دفع بمصر لإعادة التموضع، وإلقاء ثقلها في الحالة الفلسطينية من جديد". 

وبيّن أبو عامر أن مصر تنتهج تكتيكا جديدا، يقوم على تعزيز نفوذ دحلان، وسحب ما تبقى من نفوذ لعباس في قطاع غزة، مستغلة حالة الولاء التنظيمي الأكبر لدحلان في أطر حركة فتح في القطاع، وفق تقديره.

ولفت إلى أن مصر مستمرة في هذا التكتيك حاليا، إلى حين ترتيب الخارطة السياسية الفلسطينية بعد عباس. 

وحول موقف تيار عباس من خطوات مصر الأخيرة، أشار أبو عامر إلى أن "أبو مازن" لا ينظر بعين الرضا إلى سلوك مصر، لأنه يعلم أن هذا السلوك مقصده النكاية به، ومناكفته.

واستدرك قائلا: "غير أن عباس وتياره لا يستطيعا أن يقولا (لا) لمصر، لأن هذا سيكلفه ثمنا غاليا من جهة، ولأنه لا يريد أن يظهر بمظهر من يقف في وجه التخفيف على أهالي غزة من جهة أخرى". 

وتابع أبو عامر بأن رجال السلطة و"أبو مازن" يمتلكون ما يكفي من "البراغماتية الميكافيللية" التي يستطيعون من خلالها ألا يقطعوا العلاقات بمصر نهائيا، وأن يحافظوا على "خط رجعة" للمستقبل. 

وختم بأن "حماس" من جهتها معنية بأي انفراجة في الوضع المعيشي والاقتصادي في غزة مهما كان مصدره، حتى لا يحدث انفجار متوقع، داخليا أو نحو مصر أو "إسرائيل"، في حال استمرت الظروف على حالها، مؤكدا أنها لن تتضرر من الوضع الحالي، إن لم تستفد منه.

رسالة إلى "عباس" واستعادة للدور

من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة مخيمر أبو سعدة، إن مصر تهدف من خلال إجراءاتها الأخيرة، من استضافة مؤتمرات متعلقة بالقضية الفلسطينية، وفتح معبر رفح، والحديث عن استضافة جلسات حوار مصالحة جديدة، إلى ثلاثة أمور، الأول تحسين صورة مصر فلسطينيا وعربيا، بعد ظهورها على أنها مشاركة في الحصار "الإسرائيلي" للقطاع، والثاني استعادة دور مصر الإقليمي من بوابة القطاع، بعد تراجعه كثيرا إثر انشغالها في شأنها الداخلي منذ ثورة 25 يناير".

أما الثالث برأي أبو سعدة، فهو استكمال ملف المصالحة الفلسطينية وفق الرؤية المصرية، موضحا أن "مصر ترى ملف المصالحة ملفا مصريا بامتياز، ولا تريد أن يأخذه أحد منها".

وأشار أبو سعدة في حديث لـ"عربي21" إلى أن توقيت الخطوات المصرية الأخيرة، فهم على أنه رسالة موجهة لرئيس السلطة محمود عباس، لا سيما بعد رفض الأخير خطة الرباعية العربية (مصر والسعودية والإمارات والأردن)، وإغلاقه الباب أمام أي مصالحة داخل "فتح" مع القيادي المفصول منها محمد دحلان، ما وتّر الأجواء بين مصر والسلطة. 

وحول "حماس"، وإمكانية اعتبار مواقفها اصطفافا لأحد معسكري "فتح" المتخاصمين، فقد رأى أبو سعدة أن "حماس" تبدو بعيدة عن الصورة حتى اللحظة، فمصر لم تجرِ أي حوارات مباشرة مع قياداتها، كما أنها لم تسمح لغالبية أعضائها بالسفر عبر معبر رفح في أيام فتحه الأخيرة. 

وأكّد أن المشهد يظهر أن طرفي النزاع داخل "فتح" يبدوان في صورة من يسترضي "حماس"، ويطلب ودها، وهو ما تجلّى في لقاء الرئيس عباس مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، ونائبه إسماعيل هنية في الدوحة، وحديث دحلان عنها مؤخرا.