متكئة على والدتها وبخطوات بطيئة، تخرج الطفلة جواهر من إحدى الخيم في مخيم الهول في شمال شرق
سوريا، بعد تضميد إصابتها جراء قذيفة أطلقها تنظيم الدولة قرب الحدود
العراقية السورية، مستهدفين الفارين من مدينة
الموصل.
وتقول جواهر بعد ساعات على وصولها مع عائلتها إلى المخيم إثر رحلة شاقة من مدينة الموصل العراقية، لوكالة "فرانس بريس": "كنت أجلس مع أصدقائي ولم أر إلا قذيفة سقطت بيننا وفقدت بعدها الوعي" في الجهة العراقية من الحدود.
وتضيف الفتاة الخجولة التي ترتدي فستانا ترابي اللون وتغطي رأسها بحجاب زهري اللون: "ما زلت أشعر بالألم في قدمي إثر إصابتي بشظايا القذيفة، لكنني بت أفضل الآن".
ومنذ إعلان السلطات العراقية عملية عسكرية واسعة لطرد تنظيم الدولة من مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية وأبرز معقل للتنظيم منذ العام 2014، نزح الآلاف من السكان نحو مناطق أكثر أمنا وتوجه عدد منهم نحو سوريا المجاورة.
ورغم أن الهجوم بدأ فعليا الإثنين لكن المئات من العائلات غادرت المنطقة تحسبا. وأحصت منظمة "سايف ذي تشلدرن" في بيان الأربعاء وصول حوالي 5 آلاف شخص من الموصل إلى سوريا خلال الأيام العشرة الماضية.
محاطا بالحقائب والأكياس التي أحضرتها العائلة معها، يجلس والد جواهر، شمس مهدي متعبا ينتظر حصوله على خيمة تأويه مع أسرته.
ويتحدث الرجل الستيني الذي يرتدي جلبابا أبيض اللون بحرقة عن الظروف المعيشية الصعبة تحت سيطرة تنظيم الدولة في الموصل.
ويقول: "وضعنا مأساة ومفلسون ولا نملك شيئا.. كانت معيشتنا صعبة"، قبل أن يضيف: "مهما كان الوضع سيئا هنا (المخيم) فهو أفضل من العيش تحت حكم داعش".
يستعيد مهدي بحزن تفاصيل الرحلة الصعبة تحت وابل القذائف التي يطلقها تنظيم الدولة حينا أو الضرب الذي يتعرضون له على أيدي عناصره قائلا باللهجة العراقية: "بهدولني وعائلتي وضربوني على راسي".
ويزدحم المخيم الذي تصطف فيه مئات الخيم البيضاء جنبا إلى جنب فوق أرض رملية وسماء مغبرة، بالوافدين العراقيين. نساء ورجال يحملون أطفالهم وما أمكنهم من حقائب يصلون تباعا. ويجول آخرون في أنحاء المخيم حاملين صناديق مساعدات أو حاجيات أخرى في وقت يلهو أطفال أمام الخيم المزنرة بحبال الغسيل المنشور.
وعلى غرار والد جواهر، وصلت ابتسام خضر مع عائلتها إلى مخيم الهول بعد رحلة طويلة. وتقول السيدة الأربعينية وهي ترتدي ثوبا أسود مرقطا بالأزرق وتغطي جزءا من وجهها بحجاب أسود: "لو كان داعش يعلم أننا سنغادر لقام بذبحنا".
ويخوض الفارون من الموصل رحلة شاقة للوصول إلى الحدود مع سوريا ومنها إلى مخيم الهول، حيث يسيرون في منطقة صحراوية على مسافة تمتد لأكثر من 200 كيلومتر، ويضطرون لقطع جزء كبير منها سيرا على الأقدام.
وتروي ابتسام، وهي تجلس مع أطفالها أمام خيمة باتت منزلها: "مشينا من السابعة مساء حتى السادسة والربع صباحا، مشينا كل الليل بين الانفجارات والعبوات.. والطلقات فوق رؤوسنا حتى وصلنا إلى الحدود".
وتضيف: "قدمنا إلى هنا عن طريق مهربين سوريين وكان الخوف يرافقنا طوال الوقت، من الطائرات وداعش. كل شيء كان يخيفنا". ولم تكن رحلة فايز عافار سهلة بعد اضطراره للسير طويلا.
ويشير الشاب الثلاثيني الممتلئ البنية والأسمر البشرة إلى قدميه المدموغتين بالسواد وأصابعه المتشققة جراء السير طويلا قبل الوصول إلى المخيم.
ويروي معاناة العائلات خلال هذه الرحلة جراء اعتراضهم حينا من عناصر تنظيم الدولة، وانفجار الألغام التي زرعوها خلفهم حينا آخر.
ويقول: "خلال الطريق ليلا، انفجر لغم بإحدى العائلات التي كانت ترافقنا، وأضاعت عائلات أخرى أولادها".
في جهة أخرى من المخيم، تجري آليات أعمال جرف وتوسيع تمهيدا لوضع خيم جديدة لإيواء اللاجئين الوافدين.
ويقول القيمون على المخيم إنهم يعملون لاستيعاب حوالي 30 ألف لاجئ في المرحلة المقبلة.
ويوضح المسؤول عن مخيم الهول رودر يونس أن المخيم يستضيف حاليا "نحو 6 آلاف إلى 6500 لاجئ عراقي وفدوا على مراحل عدة" خلال العامين الأخيرين منذ سيطرة تنظيم الدولة على المناطق العراقية الحدودية مع سوريا.
ويضيف: "نستعد لاستقبال أعداد ضخمة من الموصل"، لافتا إلى أن "ألفين إلى 3 آلاف عراقي ينتظرون عند الحدود للدخول إلى المخيم".
وتخضع عملية دخول اللاجئين الهاربين من الموصل إلى المخيم لإجراءات أمنية احترازية خشية من تسلل عناصر من تنظيم الدولة.
ويقول يونس: "دخل 500 عراقي إلى المخيم منذ أكثر من أسبوعين، ونتخذ احتياطات أمنية قبل إدخال العراقيين، لأننا نخشى دخول عناصر داعش عن طريق التنكر بزي المدنيين، بهدف إحداث تفجيرات"، ويؤكد: "نتخذ كل الاحتياطات في هذا المجال".
وكان جنرال أمريكي في صفوف التحالف الدولي الذي يدعم هجوم الجيش العراقي في الموصل، أعلن الأربعاء أن العراقيين سيراقبون كل شخص يغادر الموصل مؤكدا أن محاولات المقاتلين الأجانب الاختلاط بين النازحين لن تنجح.
وحذرت الأمم المتحدة مع بدء الهجوم على الموصل من نزوح أكثر من مليون شخص خلال احتدام عمليات القتال، ما قد يتسبب بأزمة إنسانية كبرى.