خلال اللقاءات التي جمعت وفدا سويسريا مع جمعيات وهيئات وشخصيات إسلامية سنية وشيعية في بيروت الأسبوع الماضي، لبحث أشكال التعاون فيما بينهم في بعض الملفات السياسية والإنسانية والحقوقية، لوحظ أن عددا من المشاركين في هذه اللقاءات كانوا يطلبون من الوفد السويسري الاستمرار برعاية هذه الاجتماعات، ومتابعة التنسيق والتعاون بين الهيئات الإسلامية، وقد أشاد المشاركون بالدور السويسري الحيادي، واعتبروا أن وجود شخصيات أو مؤسسات سويسرية في مثل هذه اللقاءات، ومتابعة الأمور العملية والتنفيذية لأي نشاط إسلامي مشترك، يساعد في نجاح هذه التجربة وتحقيق الأهداف المطلوبة منها، خصوصا على صعيد تخفيف التوترات المذهبية والطائفية.
ذكّرتني هذه الأجواء بما كنا نقرأه ونتعلمه، ونحن في بداية تجربتنا الإسلامية، في كتب المفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي عن نظرية " القابلية للاستعمار"، وملخصها أن الاستعمار لا يستطيع أن يحقق أهدافه في أي بلد عربي أو إسلامي أو من دول العالم الثالث، ما لم يكن هذا البلد أو شعوب هذه الدول مهيأة للاستعمار أو مستعدة للتعاون مع المستعمرين، وإنه طالما أن شعب أي بلد لديه الإرادة في المقاومة، وتتوفر في بيئته ومجتمعه الظروف والشروط المناسبة للمقاومة، فإن هذا البلد لا يمكن أن يخضع للمستعمر وإنه يستطيع النجاح في معركة الحرية والاستقلال والسيادة.
وإن من شروط المقاومة أو مواجهة المستعمر أن تتوفر الوحدة الداخلية والتعاون بين أفراد المجتمع والبلد، إضافة للوعي والإرادة الصلبة والقرار بالمقاومة والمواجهة.
وطبعا، ودون المقارنة بين الدور السويسري، المشكور اليوم، في رعاية الحوارات بين الهيئات والشخصيات الإسلامية، والعمل لتخفيف التوترات المذهبية والطائفية والعرقية والدينية، وبين الأدوار الاستعمارية لعدد من الدول الكبرى الشرقية والغربية، فإن استمرار وجود الشعور لدى الشعوب العربية والإسلامية بالحاجة لدور خارجي غربي أو شرقي من أجل حل مشاكلها أو العمل؛ لتأمين الأجواء المناسبة لعقد مؤتمرات الحوار، أو الوصول إلى تسويات داخلية أو مواجهة التحديات المختلفة من استبداد أو ظلم أو قهر، كل ذلك يؤكد أن هذه الشعوب لا تزال تعاني من مشكلة " قابلية الاستعمار"، أو عدم النضج والرشد في إدارة بلادها أو مواجهة مشاكلها.
والدليل الواضح على هذه المشكلة، أن معظم -إن لم يكن جميع- القوى العربية أو الإسلامية أو الليبرالية أو القومية التي تسعى لمعالجة مشاكل بلادها تسعى للاستعانة بالخارج، سواء على المستوى العسكري أو السياسي أو الدبلوماسي أو الأمني، إضافة لغياب دور المؤسسات والاتحادات والهيئات الإسلامية والعربية عن القيام بمبادرات حقيقية وعملية لحل المشكلات والأزمات التي تعاني منها بعض الدول العربية والإسلامية.
كما أنه من الملفت حجم الأدوار والنشاطات التي تقوم بها المنظمات والمؤسسات الدولية أو مؤسسات المجتمع المدني الغربية في الدول العربية والإسلامية، وما تحظى به هذه المؤسسات من تسهيلات ومساعدات من شعوب المنطقة والهيئات والحركات الإسلامية والقومية واليسارية والليبرالية.
ولا يعني هذا الكلام الرفض المطلق للتعاون مع الهيئات والمؤسسات الدولية والاستفادة من خبراتها وإمكانياتها ودعمها في معالجة مشاكلنا في العالم العربي والإسلامي، لكن السؤال الذي ينبغي التفكير به دوما: متى نستطيع أن نستغني عن المساعدات والخبرات الدولية لحل مشاكلنا؟ ومتى نستطيع إقامة مؤسسات أو هيئات تكون قادرة على القيام بمبادرات حوارية أو معالجة الأزمات التي نعاني منها؟ ولماذا فشلت المؤسسات والمبادرات التي قامت بها بعض الهيئات والاتحادات الإسلامية والعربية؟
من الواضح لمن يراقب الواقع العربي والإسلامي أن القابلية للاستعمار لدينا أصبحت أكبر وأقوى مما كانت عليه في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، والدليل البسيط على ذلك أن الدول الكبرى أصبحت تأتي لتحتل بلادنا، وتقيم القواعد العسكرية فيها، دون أن تلقى أي اعتراض كما كان يحصل في الماضي، بل إننا أصبحنا نستجدي هذه الدول كي تأتي وتقاتل معنا ضد بعضنا البعض، ومن ثم ندعوها كي تساعدنا في حل مشاكلنا وإقامة الحوارات فيما بيننا.
فرحم الله المفكر الإسلامي الجزائري، مالك بن نبي، وغيره من العلماء والمفكرين والمناضلين، الذين عملوا لمواجهة الاستعمار، وعلى أمل أن نصل إلى يوم نتمتع فيه بالنضج والوعي، وننتهي من مشكلة قابلية الاستعمار، أو ما كان يسميه أيضا المفكر الإسلامي الإيراني الدكتور علي شريعتي: النباهة والاستحمار.