بعد مرور خمسة عشر عاما على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 يمكن للمرء أن يعيد فحص ومعاينة العالم ربما بواقعية أكثر عما مضى، خصوصا وأن الكونجرس الأمريكي صوت لصالح السماح لعائلات ضحايا تلك الحادثة برفع قضايا ضد الحكومة السعودية مباشرة وهو أمر تردد من قبل عدة أشهر وتم نفيه، واليوم ها هو كواحد من أهم الأخبار السياسية.
الحادي عشر من سبتمبر 2016 يختلف عن نظيره في 2001، ففي 2001 كان سفير المملكة العربية السعودية بندر بن سلطان بن عبد العزيز يجلس مع الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن في البيت الأبيض ملحا عليه أن يشن الحرب على العراق ويعده بدعم غير مسبوق من السعودية للقضاء على صدام حسين، كما نشر بوب وودوور الصحفي المخضرم في كتابة خطة الهجوم.
وربما في التوقيت نفسه، أو بعده، كان حسني مبارك يحرض أمريكا ضد العراق ورئيسها آنذاك صدام حسين مدعيا أن لدى صدام حسين أسلحة كيماوية ونووية وأخرى من نوعية الدمار الشامل، وهذا أيضا ما ذكره بوش نفسه، وهو من أفصح أن هذه المعلومات جاءته من مبارك شخصيا، والعجيب أن كلا من بندر ومبارك لا يزالان على قيد الحياة ولم يكذبا أيا من الصحفي أو الرئيس الأمريكي.
ما أريد أن أقوله إن اثنتين من أكبر الدول العربية وجدتا الفرصة سانحة لتقديم فروض الطاعة والولاء للأمريكان في أعقاب الحادث الجلل ربما خشية اتهامهما بأنهما وراء الحادث، ونسي قادة البلدين أن بلدا بحجم أمريكا لا تترك الأمور تمر بسهولة وأن أجهزة التحقيق لديها قادرة على الوصول إلى الحقيقة وإظهارها ولو بعد خمسة عشر عاما.
لقد قدمت السعودية دعما سخيا في غزو أفغانستان وفي غزو العراق، ولا تزال تقدم في الحرب على "داعش"، ولكن ذلك كله لم يمنع من وقوع القدر المحتوم وهو إدانة النظام نفسه إذا ما سمح فعليا للعائلات برفع قضايا - وهنا سيتعين على الحكومة السعودية أن تدفع التعويضات وهو أمر يعني الإدانة سواء تم في إطار محاكمات عادية أو تسويات ترضية بين الحكومة وعائلات الضحايا.
مبارك الذي فتح سجونه على البحري أمام المخابرات الأمريكية لتقوم باستجواب المشتبه بهم من حول العالم وهو ما عرف بالسجون السرية التي تقدم وجبات التعذيب المجانية على يد زبانية التعذيب وأساتذته في مصر لم يشفع له كل ما قدم، وانتهى به الأمر معزولا ومتهما ومحكوما عليه بعد ثورة الشعب المصري ضده ومحاولات كلينتون إنقاذه قبل إعلان تنحيه مجبرا في الحادي عشر من فبراير 2011.
أمريكا التي عربدت في العالم شرقا وغربا، وقتلت وسحلت، لم تجد من يحاسبها على غزو وتدمير كل من العراق وأفغانستان، لكنها تسمح لضحايا الحادي عشر من سبتمبر أن يحركوا القضايا ضد أهم حليف وداعم لها في كل حروبها في المنطقة.
هذا هو الفرق بين ما يجري اليوم وما جرى قبل خمسة عشر عاما. دولة عظمى تستخدم حلفاء مستبدين أغنياء وأغبياء في غزو دول مستقلة، ثم تقلب لهم ظهر المجن وتنقلب عليهم ورغم ذلك يلهثون وراءها راجين عطفها أو عفوها أو مصافحة رئيسها على النحو الذي شاهدنا فيه الجنرال القزم وهو يقف في طابور من سينالون شرف مصافحة أوباما في الصين.
في الوقت الذي حذرت فيه الشعوب من مغبة الغزو الأمريكي للعراق، كانت بعض أو معظم دول الخليج تفتح مطاراتها وتقدم جزءا من نفطها مجانا لدعم غزو دولة عربية جارة وشقيقة، وعضو في جامعة الدول العربية. في لحظة لم يمر على الأمة مثلها من قبل، باع الخليجيون والعرب صدام حسين وهو من وصفوه يوما ما أثناء حربه مع إيران بأنه حامي حمى البوابة الشرقية.
لقد عوقب العراق ثلاث مرات بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، مرة حين تم غزوه وأخرى حين أعدم رئيسه الذي كان صديقا لكل المستبدين من الزعماء العرب، والثالثة حين تم تمزيق العراق إربا فلم ولن يعود كما كان يوما أحد أهم حواضن الثقافة العربية والإسلامية.
إذا كانت أمريكا قادرة، وهي بالفعل قادرة، على محاسبة الحكام المستبدين حتى أولئك الذين ساعدوها في حروبها الهمجية على أشقائهم، فإن من حق الشعوب أن تحاكم هؤلاء ولو بعد حين، وأعتقد أن ثورة الخامس والعشرين من يناير2011 والتي لم تكتمل كانت مجرد بداية أجهضتها أمريكا لكي تحافظ على عملائها، وأجهضها المال الخليجي لكي يحافظ على تبعيته لأمريكا.
أحداث سبتمبر 2001 كانت هدية لأمريكا لكي تعربد، وفرصة للمستبدين لكي يستمروا في تقديم التنازلات.