حول العالم

كيف حول تطبيق للهواتف الذكية "متشردا" في الهند إلى مليونير؟

وصلت قيمة تطبيق "بليبار" الذي أسسه ميترا إلى مليار ونصف المليار دولار- بي بي سي
عندما هرب أمباريش ميترا من بيت عائلته في الخامسة عشرة من العمر، عاش كمتشرد في أحياء نيودلهي الفقيرة، لكنه عندما بلغ 17 عاما، كان هناك 55 شخصا يعملون في شركته الخاصة.

والآن، وبعد ما يقرب من 20 سنة، أصبح ميترا مؤسس ومدير شركة تطبيق "بليبار" للهواتف النقالة، والتي تقدر قيمتها بمبلغ 1.5 مليار دولار أمريكي، في حياة يمكن وصفها بـ"المغامرة"، بحسب ما نقلتها مراسلة الشؤون الصحية في "بي بي سي"، بيبا ستيفنز.

"بليبار"

بدأ العمل بتطبيق "بليبار" في عام 2011، وهو من تطبيقات ما يعرف بالواقع المعزّز، فمن خلال استعمال الكاميرا الموجودة في هاتفك النقال، يقوم التطبيق بتركيب رسوم متحركة، أو ما شاكلها من الرسوم، على البيئة المحيطة بك.

على سبيل المثال، يمكنك تركيز عدسة الكاميرا على علبة ذات مواصفات محددة تنتجها شركة كوكاكولا، والتي لها ارتباط وثيق بشركة بليبار في الهند، وسترى أنها ستتحول إلى صندوق موسيقى متحركة يمكنك من خلاله الاستماع إلى الموسيقى. أو وجِّه عدسة الكاميرا إلى شيء مثل تفاحة وديعة، وسيبرز رسم لهذه الفاكهة على شاشة الهاتف مع دليل مفصل عن تاريخها، كما سيذكرك التطبيق أيضا بأشياء ذات صلة بهذه الفاكهة، ويمكنك الاطلاع عليها، مثل عصير أو مشروب التفاح، أو كيفية زراعة بستان من التفاح.

ومع استمرار شعبية لعبة "بوكيمون غو"، والتي رسخت تطبيقات الواقع المعزّز لتصبح من التطبيقات الرئيسة، فإنه يبدو للمراقب أن انطلاقة تطبيق "بليبار" قبل خمس سنوات كانت مثل من يستطلع المستقبل، كما أثبت تطبيق "بليبار" شعبيته إلى حد ما، حيث تدّعي الشركة أن التطبيق جمع أكثر من 65 مليون مستخدم في 170 بلدا منذ عام 2011.

"ساذج"

تربّى ميترا في عائلة من الطبقة الوسطى في بلدة تشتهر بالتعدين تدعى دانباد، في ولاية جهارخاند شرقي الهند، وقرر الهرب من البيت بعد فشله في دروسه بالمدرسة، كما أنه لم يكن سعيدا لأن والده أراد منه أن يصبح مهندسا، بينما كان هو يحب العمل في مجال أجهزة الكمبيوتر.

وفي أحد الأيام، وبعد أسابيع من التخطيط، كتب رسالة إلى والديه معلنا فيها مغادرته للمنزل، ثم جمع متاعه وغادر بالفعل، حيث يروي ميترا الذي يبلغ من العمر الآن 37 عاما: "كتبت لهم أنني سأذهب إلى مومباي، حيث كانت دوما كما يقال عنها في الأفلام". وكان ذلك ساذجا جدا.

وبدلا من مومباي، ذهب ميترا إلى نيودلهي وتشارك العيش في "كوخ هندي تقليدي، مصنوع من الطين"، في أحد الأحياء الفقيرة الواقعة في الجزء الجنوبي الغربي من العاصمة الهندية، ولم يكن في ذلك الكوخ نظام للصرف الصحي، وكان ينام على الأرضية مع ستة أشخاص آخرين.

وكان ميترا يمارس عملين، كبائع مجلات وعامل في أحد المطاعم. وفي تلك الأثناء، وبينما كان يقلب صفحات إحدى الصحف، رأى إعلانا يعرض 10 آلاف دولار أمريكي لمن يأتي بفكرة تجارية ناجحة.

كانت فكرة ميترا، وهو في سن الـ16 ربيعا آنذاك، هي توفير خدمة الإنترنت مجانا للنساء ذوات الدخل المادي المحدود. وفازت الفكرة، حيث كان دافع ميترا هو القضاء على التباين الكبير الذي أحسه بين النساء القويات في عائلته والعادات والتقاليد المنتشرة في المجتمع الهندي عموما، بحسب ما نقلت "بي بي سي".

بجائزته المالية، أطلق ميترا شركته "ومان إينفولاين"، لتكون نموذجا للعمل التجاري الناجح الذي يستفيد من الموارد المتاحة من خلال الإعلانات، لتمكينها من توفير خدمة الإنترنت مجانا، لتصل ذروة نشاط الشركة إلى 125 موظفا، إلا أنه يقول آنذاك إنه لم يكن "رئيسا جيدا في العمل"، مضيفا أن الشركة، التي طرحها للسوق في نهاية المطاف، واستقال منها في عام 2000، كانت "غير مربحة بالمرّة، أبدا".

إلهام بعد إحباط

وبعدما ربح قدرا من المال من بيع شركة "ومان إينفولاين"، وعودة العلاقة مع عائلته، انتقل ميترا إلى المملكة المتحدة، حيث أراد أن يدشن شركة للتقنيات في المملكة المتحدة، لكن تبين له أن النجاح في ذلك أمر بعيد المنال، نوعا ما.

ويكمل ميترا قصته قائلا: "مرّت قرابة تسع سنوات، ما بين 2001 و2010، وكل ما قمت به كان مجرد فشل كبير"، وأضاف: "كانت جميع الأفكار حسنة، لكنني لم أستطع تنفيذها. وصرت بدون مال يُذكر".

ثم جاءته فرصة ليعمل لدى شركة تأمين، وكان يقول إنه انضم إليها وهي في "أدنى مستوى"، وكان ينهي كامل عمله الأسبوعي خلال ست ساعات فقط.

ويقول ميترا إنه أصبح محبطا، وبدأ في تناول المشروبات الكحولية "بشكل مفرط"، ولكن في تلك الأثناء، وعند قضاء إحدى أوقات بعد الظهيرة في حانة بمقاطعة سَري، جنوبي لندن، تغير كل شيء، قائلا: "كنت في حانة في منطقتنا، وكنت أتناول النبيذ مع عمر (عمر طيّب، المؤسس المشارك لشركة بليبار)". وأضاف: "أنفقت مبلغ 15 جنيها إسترلينيا على آخر جولة من المشروبات – وضعت النقود على طاولة الدفع، وألقيت دعابة، قائلاً ’تصوّر لو تجسّدت الملكة إليزابيث من خلال الورقة النقدية هذه؟‘. كانت مجرد مزحة تافهة".

صنع عمر، الذي يصفه ميترا بـ"الذكي المثقف بيننا"، نموذجا أوليا لتطبيق تمكن من خلاله من وضع صورة لوجه صديقه فوق صورة لوجه الملكة.

يقول ميترا إن هذا التطبيق حاز إعجاب الكثيرين من حولهما، حتى طلب من صديقه عمر في أحد الأيام أن يصنع تطبيقا جديدا يمكنه من أن "ينظر إلى أي شيء حوله في العالم، ويركّب فوقه شيئا آخر".. وهكذا وُلد تطبيق "بليبار" للهواتف النقالة.

حول العالم

ونظرا للنمو السريع لشركة "بليبار"، فقد أصبح لها حاليا مكاتب في 12 موقعا حول العالم، بما فيها: لندن، ونيويورك، وسان فرانسيسكو، ودلهي، وسنغافورة.

وقال ميترا: "حجمنا كبير بالنسبة لشركة يافعة"، موضحا أن وتيرة النمو السريعة  غالبا ما لاقت تحديات، وخاصة بالنسبة لتوظيف العاملين فيها، ولم تلق بليبار صعوبة في جمع التمويل.

وضمنت الشركة وموظفوها، البالغ عددهم 300، حتى اليوم، 99 مليون دولار أمريكي من الاستثمارات، بما فيها 45 مليون دولار أمريكي خلال أوائل هذا العام من الذراع الاستثمارية للحكومة الماليزية.

وتجني بليبار أرباحها عبر إقامة علاقات وثيقة مع أسماء تجارية مشهورة، بما فيها منشورات كوند ناست، وجاغوار لصناعة السيارات، وشركة يونيليفر العملاقة للبضائع الاستهلاكية، وشركة نستلة لصناعة الحلويات.

وأضاف تطبيق "بليبار" محتويات أكثر ثراء من مجرد أن يخبرك عن ماهية الشيء المعني، وتستعمل التطبيق قرابة 67 ألف مدرسة حول العالم – منها ما هو موجود في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والهند وكندا.

وعند عودته مؤخرا إلى دلهي لزيارة بعض الأصدقاء، قال ميترا إنه يتذكر هروبه من البيت عندما كان مراهقاً، ويضيف: "أعطاني ذلك إحساسا بأني، آه مهلاً، لو استطعت البقاء حيا بعد هذا، فسأظل حيا رغم كل الظروف"، وتابع: "تغمرني الإثارة من خلال هذه المغامرة، وسعيد لأنني لا أزال حيا"، بحسب "بي بي سي".