كتاب عربي 21

إصلاحات جذرية في الجيش التركي

1300x600
شهدت تركيا منذ الانتقال إلى التعددية الحزبية عام 1945 سلسلة من الانقلابات العسكرية والمحاولات الفاشلة لإسقاط الحكومات المنتخبة بحجج مختلفة، كحماية النظام العلماني وإنقاذ البلاد من براثن الإرهاب والاضطرابات. وكان الانقلاب العسكري الذي أسقط حكومة الحزب الديمقراطي في 27 أيار/ مايو 1960 أول حلقة لهذه السلسلة غير المشرفة التي أضيفت إليها حلقة جديدة في الخامس عشر من الشهر الماضي.

كان الأتراك يقولون إن الجيش التركي يقوم بانقلاب عسكري في تركيا في كل عشر سنوات. وبعد الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال كنعان إيفرن في 12 أيلول/ سبتمبر 1980، بمشاركة قادة القوات البرية والجوية والبحرية والدرك (الجندرما)، وعودة الحياة السياسية إلى طبيعتها، ظنوا أن صفحة الانقلابات العسكرية طويت ولن تفتح مرة أخرى، إلا أن اجتماع مجلس الأمن القومي التركي في 28 شباط/ فبراير 1997، وإسقاط حكومة أربكان الائتلافية بتدخل الجيش التركي الذي أطلق عليه "الانقلاب ما بعد الحداثة"، أكَّد أن صفحة الانقلابات في تركيا ما زالت مفتوحة وما زال الجيش التركي قادرا على التدخل في الشؤون السياسية، وقلب الموازين رأسا على عقب.

وفي محاولة الانقلاب الأخيرة التي قامت بها مجموعة من الضباط الموالين للكيان الموازي، أدرك الأتراك أن النجاحات الاقتصادية والإصلاحات السياسية والتنمية الهائلة التي تحققت خلال أربعة عشر عاما لم تكن كافية لإبعاد شبح الانقلاب العسكري عن الساحة السياسية في تركيا، وأن الجيش التركي والمدارس العسكرية التي يتخرج منها الضباط بحاجة ماسة إلى إصلاح جذري، حتى لا تتعرض البلاد لمحاولة انقلاب عسكري أخرى ولو بعد سنوات.

الحكومة التركية في السنوات الأخيرة قامت بإصلاحات عديدة لوضع الحد من تدخل الجيش في الشؤون السياسية، وأسهمت الاعتقالات التي طالت كبار الضباط ومحاكمتهم ضمن قضايا "أرغينيكون"، في تراجع نفوذ العسكر، إلا أن الكيان الموازي استغل تلك الخطوات الإصلاحية والقضايا لتعزيز تغلغله في الجيش والمدارس العسكرية وإفساح المجال لكوادره. وكشفت محاولة الانقلاب الفاشلة عن الحجم الذي وصل إليه هذا التغلغل والاختراق، ومدى حاجة الجيش التركي إلى عملية تطهير واسعة للتخلص من خلايا الكيان الموازي.

المراسيم التشريعية التي أصدرتها الحكومة التركية لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وضعت قادة القوات البرية والجوية والبحرية تحت سلطة وزير الدفاع، وألحقت قوات الدرك (الجندرما) وقوات خفر السواحل بوزارة الداخلية، كما أنها ألحقت أكاديمية غولهانة الطبية العسكرية وجميع المستشفيات العسكرية بوزارة الصحة، ووضعت المصانع العسكرية وأحواض بناء السفن وورش التصليح والصيانة المرتبطة بهيئة الأركان تحت سلطة وزارة الدفاع، وأغلقت الثانويات العسكرية، وأسَّست جامعة جديدة تابعة لوزارة الدفاع باسم "جامعة الدفاع الوطني"، ونصت على تخويل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء - إن لزم الأمر - الحصول على معلومات تتعلق مباشرة بقيادة القوات المسلحة ومدى ولاء أفرادها، والتأكيد على صلاحية رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في توجيه أوامر مباشرة لقادة القوات، وضرورة تنفيذ القادة الأوامر مباشرة من دون الحصول على موافقة أي سلطة أخرى.

المراسيم التشريعية الصادرة بعد إعلان حالة الطوارئ في البلاد، أزالت القيود المفروضة على التحاق خريجي ثانويات الأئمة والخطباء وثانويات التعليم المهني بالكليات الحربية. وبهذه الخطوة تصبح أبواب الجيش التركي مفتوحة على مصراعيها أمام طلاب يدرسون اللغة العربية والمواد الإسلامية بالإضافة إلى المواد الأخرى.

هذه الإصلاحات تهدف إلى تعزيز السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية وحصر أنشطة الجيش في الدفاع عن الوطن، بدلا من الانشغال بإدارة المستشفيات والمصانع وأحواض بناء السفن، كما أنها تهدف إلى تطهير الجيش التركي من خلايا الكيان الموازي الذي حوَّل المدارس العسكرية إلى أوكاره، من خلال سرقة أسئلة امتحانات الالتحاق بتلك المدارس وتسريبها إلى طلاب يوالون جماعة غولن.