مقالات مختارة

نحن والانتخابات الأمريكية

1300x600
بعيدا عن شخصية هيلاري كلينتون والانتقادات الكثيرة التي وجهت إليها من قبل خصومها، فقد تمكن الحزب الديمقراطي في مؤتمره الأخير من طرح خيار آخر أمام الناخب الأمريكي، وهو خيار يرفض العنصرية، ولا يرضخ لتكتيك التخويف الذي وظفه مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب.

ونظرة سريعة على الجدل الدائر في الولايات المتحدة، ستكشف عن حقيقة أن القضايا التي تهم الناخب الأمريكي، والتي ستحدد سلوكه الانتخابي عندما تدنو لحظة الحقيقية، تدور حول الشأن الداخلي وقضايا الاقتصاد تحديدا. فالأقليات بدأت تشعر بتهديد من صقور الحزب الجمهوري والعنصريين منهم، وهي نقطة استغلها الحزب الديمقراطي بذكاء شديد، وانعكس ذلك في خطاباتهم التي حاولت أن تقول للناخب الأمريكي إن هناك طريقين؛ طريق الانغلاق والكراهية والضعف، مقابل طريق الانفتاح والثقة وبالتالي الأمن والقوة.

اعتدنا في المنطقة العربية أن نتابع الانتخابات الأمريكية بشغف شديد؛ نظرا للدور الكبير الذي تلعبه أمريكا في العالم العربي والشرق الأوسط، فهوية الرئيس في كثير من الأحيان تكشف عن أجنداته في المنطقة، وهنا يكون الموقف من واشنطن في منطقتنا. غير أن هذه المرة لا تبدي الشعوب في إقليمنا الاهتمام الكبير المعتاد، لأسباب تتعلق بإعادة تعريف أمريكا لدورها في المنطقة وإدارة ظهرها لحلفائها التقليديين في المنطقة في وقت حرج.

قد لا نكشف سرا عندما نقول إن الحزب الديمقراطي بقيادة الرئيس باراك أوباما يعلي من قيمة التعاون مع إيران، حتى لو كان ذلك على حساب مواقف أمريكا إزاء عدد من الحلفاء العرب، وقد لا نبالغ إن قلنا إن هناك تحالف الأمر الواقع بين واشنطن وطهران في العراق، وما رفْض واشنطن لمثل هذه المقولات إلا حالة من "النكران المرضية" إن جاز التعبير. والراهن أن إيران لا تدفع ثمنا لقاء سياستها السلبية في سوريا وتدخلاتها السلبية في المنطقة بشكل عام. لذلك انبرى عدد من المثقفين العرب إلى الجزم بأن أمريكا الديمقراطية تبيعنا لصالح إيران، لكن لمن تبيعنا أمريكا الجمهورية؟ لإسرائيل!

عندما جاء بوش إلى الحكم في عام 2001، تماهى مع السياسة الإسرائيلية اليمينية، وفي عهد بوش تمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرئيل شارون من تسويق حربه الخاصة ضد السلام وضد الفلسطينيين وحقوقهم، في سياق الحرب الكونية ضد الإرهاب والتطرف! وجميعنا نذكر عندما نعت بوش شارون بأنه رجل السلام، وهو وصف لم يجرؤ حتى الإسرائيليون على إطلاقه على "أبو المستوطنات"، الذي عارض كل اتفاقيات السلام! وكان لكلمات شارون بأن ياسر عرفان هو "أسامة بن لادن" بالنسبة إلى إسرائيل وقع خاص لدى الرئيس بوش.

بمعنى أن الحزب الجمهوري بنسخته اليمينية أقرب إلى اليمين الإسرائيلي، وهذا الكلام يطابق مسار العلاقة بين البلدين، ولا يمكن إغفال أهمية تصريحات دونالد ترامب عندما قال: إن على بلاده أن تحارب التطرف والإرهاب بالتعاون مع الحليف الأوثق إسرائيل. فهو بهذا المعنى لا ينظر للاحتلال الإسرائيلي كعامل هام لخلق شروط وظروف التطرف، وهو لا ينتمي إلى المدرسة التي تفيد بأن حل الصراع العربي الإسرائيلي سيمهد لإغلاق ملفات الصراع في مناطق أخرى من الإقليم، أي أنه ينتمي لليمين المتطرف داخل أمريكا والذي يصر على أن حل أو استمرار الصراع العربي الإسرائيلي لن يؤثر سلبا أو إيجابا على بؤر التوتر في المناطق الأخرى من الشرق الأوسط.

فكما أن هناك خطابين في السياسة الداخلية يمثلهما المرشحان هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، فهناك أيضا توجهان في السياسة الخارجية أحدهما لصالح إسرائيل والآخر أقرب إلى إيران من أي شيء آخر في الآونة الأخيرة. وهذه حقيقة مرة علينا العرب أن نستخلص منها العبر والدروس بدلا من السلوك كالنعامة التي تدس رأسها في الرمال.

مشكلة الدول العربية ليس بأنها ضعيفة فقط، بل إن معضلتها الرئيسية تكمن في حقيقة أن قادتها يقاربون الولايات المتحدة بأولويات مختلفة، وأحيانا متضاربة، فالعرب منقسمون في كل ملف، وما الموقف من سوريا إلا عينة يمكن قياس شرذمة العرب عليها، فالتنسيق بين العرب لم يتجاوز العبارات اللفظية الفضفاضة، التي تصلح لكل مكان وزمان، وهي لا تشكل خطة خارطة طريق لإعادة الاعتبار للمنطقة ولا لمصالح العرب الرئيسة. 

وبلغت الواقعية السلبية قمتها بمستوى التمثيل الذي ميز قمة نواكشوط بعد أن غاب عنها قادة عرب كثر بذرائع مختلفة، فهذا الغياب المتعمد يعكس حقيقة أن العرب لا يمتلكون أجندات مشتركة. فكيف لمراقب أجنبي أن يفسر الغيابات عن قمة تأتي في وقت حساس؟ هل يبعث العرب برسالة للآخر حتى يحملهم محمل الجد؟ كيف عندها يمكن أن تأخذنا أمريكا بشكل جاد؟!

الشرق القطرية