كتاب عربي 21

أردوغان لن يكسر أصابعه الأربعة في القاهرة

1300x600
ليس مؤكّدا أن القاهرة ستكون العاصمة الرابعة في مصالحات الضرورة التي يجريها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد الرياض ثم تل أبيب فموسكو، بل ربّما تسبقها عواصم أخرى. فعلى الرغم من تسريب الدبلوماسية التركية عبر صحيفة محلية أنها ستفتتح نشاطها بعد عطلة عيد الفطر بإيفاد فريق منها إلى مصر للشروع في إصلاح العلاقات بين البلدين، وتأكيد القيادي البارز في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم سابان ديسلي بأن "العلاقات ستعود إن شاء الله مع مصر كما كانت عليه من قبل"، ورغم إعلان الرئيس أردوغان قبل ذلك بيوم واحد بأن "إصلاح العلاقات مع مصر سيتخذ خطوات مختلفة عن ما تمّ مع روسيا وإسرائيل"، إلا أن ما بدّل اتجاه التوقعات بتسريع وتيرة جهود تطبيع العلاقات هي تصريحات للرئيس أردوغان نفسه عقب أدائه صلاة العيد الثلاثاء الماضي في اسطنبول، انتقد فيها النظام المصري على خلفية الأحكام الصادرة عنه ضد الرئيس محمد مرسي.

أردوغان الذي اشتد حبل الضغوط الداخلية والخارجية على وتَده، بات مستعدا للمضي في أي مصالحة تسهم في رفع مستوى مَناعة البلاد الأمنية والاقتصادية والسياسية، وقد عبّر عن هذا المنحى البراغماتي بوضوح القيادي الأكثر "أدلجة" في حزب العدالة والتنمية نائب رئيس الوزراء نعمان كورتولموش، عندما قال قبل أيام "إن إصلاح العلاقات مع روسيا والعراق وسوريا ومصر، سيعود على أنقرة بعوائد تجارية قيمتها 36 مليار دولار". فما الذي قد يكون دفع أردوغان إلى تأجيل التطبيع مع النظام المصري الحاكم برئاسة عبد الفتّاح السيسي؟ ولربّما يكون طرح السؤال بصيغة معاكسة أسهل لفهم الموقف، فماذا عند السيسي ليقدّمه لأردوغان؟ 

مصر تعاني أسوأ أزمات اقتصادية تمرّ عليها منذ عقود ومن رخاوة بنيتها الاجتماعية، كذلك تعاني من التهديدات الأمنية المتنقلة ومن انفراط المشهد السياسي الوطني بعد الحرب على جماعة الإخوان المسلمين، وتغييب التيارات الأخرى لصالح الجيش وفروعه في الأمن المجتمع والاقتصاد. هذا الوضع المصري هو الكثيرُ المُسكِر الذي تذوقت تركيا مؤخرا قليلَه، فهرعت تبحث لنفسها عن عِصمة من طريق الفشل.

إن احتضان القيادة التركية للإخوان عموما والمصريين منهم خصوصا، كان عاملا أساسيا في تحوّل أنقرة الجديدة إلى طرف إقليمي، وإن انكفاءها الكلي إلى الداخل لن يعزّز قدراتها بالضرورة، تماما مثل غرقها في أزمات الخارج، وإنّ التفاف نصف الناخبين الأتراك حول حزب أردوغان يعود أحد أسبابه إلى خطاب هذا الأخير المتبني للدفاع عن مظالم الأمة الإسلامية، واستعادة اسطنبول شيئا من ألقها ونفوذها التاريخيَّين. وفي ظل انسداد أفق المصالحة بين السيسي والإخوان، فإن عملية التطبيع التركي مع الأول ستتضمّن لزاما منع الإخوان من ممارسة أي نشاط سياسي معارض للسيسي داخل تركيا. كذلك فإن "جنرال مصر" لن يستأذن "سلطان اسطنبول" في أي إجراء قد يلجأ إليه بعد المصالحة ضد جماعة الإخوان بما فيها تنفيذ الإعدامات، ما يضرب هيبة أردوغان في العمق وهو الذي اخترع شعار "رابعة" للتعبير عن رفض الانقلاب. 

لقد حرصت حكومة تركيا على تحصيل كل ما يمكن تحصيله من اتفاق تطبيع علاقاتها مع "إسرائيل" لصالح الفلسطينيين وحركة حماس في حدود المُتاح، وبنظرة براغماتية مجرّدة لا يستطيع رجب طيب أردوغان أن يكسر أصابعه الأربعة ويذهب إلى قاهرة السيسي دونَ الإخوان، مثلما لن يستطيع التقاط صورة مع رئيس النظام السوري بشار الأسد دون حضور المعارضة السورية المعتدلة في الخلفية.

ربّما يكون "الطيب" قد تسرّع في احتضان ضحايا الربيع العربي وعزفِ ألحان ثوراتهم من على منابر اسطنبول، لكنه لن يستطيع حتما التسرّع في التخلي عنهم، فالدُّول وإن كانت تحكمها المصالح لكنّ شرَف الموقف جزءٌ من مصلحتها القومية، يُدرك ذلك أردوغان ولأجله لن تكون القاهرة عاصمة مصالحات تركيا الرّابعة قبل التأسيس لِحلٍّ ما لقضية "رابعة".