كتاب عربي 21

في العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي

1300x600
مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جراء الاستفتاء الذي تمّ الأسبوع الماضي، صدرت تصريحات عدة من الجانب التركي توحي بأن هناك عملية تتضمن إجراء إعادة تقييم للعلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي خاصة أنّ بريطانيا على الرغم من بعض التصريحات السلبية لديفيد كاميرون، كانت العنصر الأكثر انفتاحا ربما على إمكانية انضمام تركيا للاتحاد، والأكثر دعما أيضا، على عكس موقف باقي الدول، لا سيما القيادية منها مثل فرنسا وألمانيا.

هناك من يرى في تركيا أن الوقت أصبح مناسبا لحسم الموقف باستفتاء مماثل لما جرى في بريطانيا لتحديد المسار المقبل، فإما الإصرار على الانضمام أو سحب طلب الانضمام نهائيا.

ويمكن تفسير مثل هذا الطرح بأنه بمثابة ورقة للضغط على الاتحاد في هذا التوقيت لمراجعة حساباته، خاصة أنه إذا ما حصل مثل هذا الاستفتاء بالفعل، وكانت نتيجته سلبية بفعل تراجع التأييد داخل تركيا لمسيرة التفاوض، فلا بد وأن يترك انعكاسات إضافية غير مرغوبة على وضع الاتحاد الأوروبي، تعمّق من أزمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنيّة أيضا.

ويشير آخر استطلاع للرأي أجرته شركة "ماك" التركية مؤخرا حول هذا الموضوع، إلى أن 68 في المئة من الأتراك يريدون إنهاء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، مقابل 23 في المئة يرون بأنه "ينبغي على تركيا الاستمرار في المفاوضات".

وقد عبّر 82 في المئة من المشاركين عن اعتقادهم بأنّ الاتحاد الأوروبي غير صادق في ضم تركيا إلى عضويته، ورأى 73 في المئة، أنّ السبب الأهم في رفض عضوية تركيا حتى الآن هو الهوية الإسلامية التي يتمتع بها الشعب التركي، فيما قال 10 في المئة منهم أن الرفض يأتي بسبب عدم اكتمال الشروط اللازمة.

والمفارقة، انّه في الوقت الذي طُرحت فيه هذه الفكرة، قام الاتحاد باستئناف محادثات انضمام تركيا في 30 يونيو، وهو ما يعكس أيضا محاولة احتواء ربما من قبل الاتحاد الأوروبي لاستيعاب الصدمة البريطانية، ومنعا لأي تداعيات سلبية إضافية.

وتمثل هذه المرحلة اختبارا جديا لمدى التزام الاتحاد بمناقشة ملف انضمام تركيا إليه بموضوعيّة، لاسيما في الوقت الذي لا يزال فيه الجانب التركي الرسمي متمسكا بالانضمام إلى الاتحاد، على الرغم من أنّ الأمر استغرق حوالي 12 سنة للاعتراف رسميا بأنّها مؤهّلة لتكون مرشّحة للانضمام.

ما يدفع السطات التركية للتمسك بالسعي للانضمام إلى الاتحاد حتى الآن هو بعض المزايا المتعلقة بالوضع الاقتصادي والسياسي والأمني.

فوضع تركيا دولة تجارية وصناعية مهمة يخوّلها في حال الانضمام إلى الاتحاد إلى أن تصبح مصنعا له وهو ما يجعل منها مركز استقطاب تجاري والصناعي مهم جدا، ناهيك عن إمكانية أن تستفيد سياسيا من الانضمام إلى الاتحاد، وأن تسد الثغرة الأمنيّة الكبيرة الموجودة فيه كثاني أكبر قوة عسكرية في الناتو بحيث يتحقق التكامل في العديد والعتاد بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

لكن إذا ما فقد الاتحاد المزايا التي تدفع تركيا للتمسك بالانضمام، وما لم يتم تحقيق أي تقدم جدي في المفاوضات لاحقا، فإن الوضع قد يدفع السلطات التركية إلى تغيير موقفها، على اعتبار أن علاقة من هذا النوع لا بد وأن تكون من طرفين.

وفي غياب الانفتاح الأوروبي الجدّي لانضمام تركيا تصبح العلاقة من طرف واحد، لاسيما في ظل غياب المبررات الموضوعية لعرقلة أو رفض انضمام تركيا إلى الاتحاد، وهو ما يعيدنا إلى المربع الأول في اعتبار الاتحاد مجرّد تجمّع أو نادي للدول المسيحيّة.