للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله رأي في كفار اليوم، وهل قامت عليهم الحجة أم لا؟ وكيف يتحقق قيام الحجة؟ وذلك عند تعليقه على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار"، فيقول الألباني رحمه الله: "ثم إن حديث الترجمة يمكن عده مبينا ومفسرا لقوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) مع ملاحظة قوله - صلى الله عليه وسلم - فيه: "يسمع بي"؛ أي: على حقيقته -صلى الله عليه وسلم- بشرا رسولا نبيا فمن سمع به على غير ما كان عليه -صلى الله عليه وسلم- من الهدى والنور ومحاسن الأخلاق؛ بسبب بعض جهلة المسلمين؛ أو دعاة الضلالة من المنصرين والملحدين؛ الذين يصورونه لشعوبهم على غير حقيقته -صلى الله عليه وسلم- المعروفة عنه؛ فأمثال هؤلاء الشعوب لم يسمعوا به، ولم تبلغهم الدعوة، فلا يشملهم الوعيد المذكور في الحديث"، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (7/251) الحديث رقم (3093).
ثم بين الشيخ الألباني في موضع أكثر تفصيلا، أن من بلغته الدعوة بلغة لا يفهمها، أو عن طريق المبشرين والقساوسة والمنصرين والملحدين، بصورة مشوهة يقينا، فهؤلاء لم تقم عليهم الحجة، ولا يشملهم الوعيد المذكور في الحديث. انظر: موسوعة الألباني في العقيدة (5/925-927).
توضيحات لا بد منها في الموضوع:
وهنا عدة أمور أحب توضيحها بعد أن ثار الجدل حول مقالاتي في الموضوع، وفهم البعض لكلام لم أقل به، بل تشويهه أحيانا:
أولا: لم أنف حكم الكفر عمن لم يدخل الإسلام، فسواء بلغته الدعوة أم لم تبلغه فهو يطلق عليه (الكفر)، لأن له أحكاما في الإسلام بناء على ذلك، فهو كافر في الدنيا، من حيث تطبق عليه أحكام الكفر، فلا يجوز أن يتزوج بمسلمة، ولا أن يدفن في مقابر المسلمين، إلى آخر الأحكام المعروفة في ذلك.
ثانيا: ليس حديثي عن مطلق الكفار كمجموع، إنما الحديث عن أفراد، أي كل حالة بحالتها، فلا يوجد في العلم حكم بالمطلق، ولذا كان كلامي كله بصيغة التنكير (كفار) ولم أقل (الكفار)، فكل حالة لها حكمها.
ثالثا: من يحارب الإسلام والمسلمين، بناء على اعتقاد عنده، ويشن الحروب عليهم، فيقينا هو يعرف الإسلام، ولذلك اتخذ موقف المحارب له ولأهله، فكلامي لا يتناوله بالحديث، فهذا قامت عليه الحجة، بل اتخذ موقفا معاديا ترجم لعمل.
رابعا: مدار حديثي وهو ما يهرب منه بعض من ينتقد موقفي، هو: كيف تقوم الحجة على غير المسلم؟ وهل قامت الحجة الآن على من لم تصلهم الدعوة الإسلامية؟ وهل تقوم الحجة بأن يعرض عليه الإسلام عرضا مقنعا، أم مجرد العرض لمجرد رفع الإثم عنا؟
خامسا: هل النقاش حول حكم من لم تصلهم الدعوة واضحة صحيحة، موضع اتفاق أو هو أمر قطعي في الإسلام، أم أمر خلافي، يتسع الأمر فيه ليختلف أهل العلم والبحث فيه؟ يقينا هو أمر خلافي، واتضح ذلك من النقول التي نقلتها عن علماء كأبي حامد الغزالي، والألباني والقاضي عياض وغيرهم.
سادسا: بناء على ما سبق فإن لغة التخوين التي طالتني من بعض من ينتسبون لمعسكر الشرعية، أمر لا يليق شرعا ولا خلقا، ولا عقلا، فالقضية كما أشرت ليست من القطعيات، بل قضية اختلف فيها قديما وحديثا، والمسائل المختلف فيها لا يجوز فيها الإنكار بهذا الشكل الحاد، وكأن القضية قضية حق وباطل، بل الواجب فيها علميا أن تذكر رأيك بأدلته، دون إنكار على من اقتنع بالرأي المخالف.
سابعا: لا علاقة لي بكلام أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وكلامي سابق لكلامه، وأعتقد أنه توافق غير مقصود منه، وهناك فرق كبير بين كلامي وكلامه، فكلامه مرسل بعموميات وإطلاقات، لكن كلامي كان مقيدا بحالات محددة، اختلف العلم في حكمها، وبينت ما أميل إليه بأدلته.
ثامنا: هل لأحد منا أي فضل في أنه كان مسلما؟ خاصة من أصبح مسلما بالوراثة، إن الفضل في إسلامي وإسلامك أن آباءنا وأمهاتنا مسلمون، فهل ولادتي وولادة غيري ممن أصبح مسلما بالوراثة ميزة لنا وحدنا، وأن من ولد لأبوين كافرين، فهذا ذنبه؟ الأمر يحتاج إلى التناول بإنصاف، وأن تضع نفسك مكان الآخر الديني، هل وصله الإسلام كما وصلك؟ هل قامت عليه الحجة والبرهان واضحة نقية؟
الموضوع متشعب وطويل، ويحتاج إلى إنصاف وحيدة، وتأمل في النصوص بعيدا عن أي مؤثر ما يبعدنا عن فهمها، ولكني فقط أردت أن أوضح هذه الأمور، لأن ما يسري على هذه القضية الشائكة يسري على قضايا أخرى.