نشرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا للصحافي تيلور لاك، يتحدث فيه عن أزمة الإخوان المسلمين في الأردن، مشيرا إلى أن جماعة الإخوان المسلمين خسرت آخر معقل حقيقي لها في العالم العربي، عندما أغلق الأردن مقرها في عمان هذا الربيع.
ويقول الكاتب: "كان نجم الجماعة صاعدا قبل خمسة أعوام، حيث حاولت قطر وتركيا تصدير الإسلامية بعد الربيع العربي من الخليج إلى شمال أفريقيا، إلا أنها اليوم تواجه ملاحقة وقمعا في مصر، وحظرا في معظم الخليج العربي، والآن في الأردن".
ويضيف لاك أن "الناقوس الأخير يضع الجماعة على مفترق طرق أيديولوجي ويجب عليها أن تقرر الاستجابة لشبابها المطالبين بنهج أكثر قوة، الذين يرغبون بهوية جديدة، ربما كنموذج تونس (الإسلاميون الديمقراطيون)، فيما يخشى الكثيرون من أن فشل الحركة في بناء نفوذ سياسي قوي سيؤدي إلى انتشار التطرف في المنطقة".
ويشير التقرير إلى أن الخبراء يحذرون من أنه بمنع الجماعة من تقديم خدماتها الدينية والاجتماعية، فإن الحكومة الأردنية وغيرها من حكومات المنطقة، قد فتحت الباب أمام الجماعات السلفية المتشددة لملء الفراغ.
وتذكر الصحيفة أن الأردن قد أغلق مقرات الإخوان المسلمين في نيسان/ أبريل، حيث زعم أن الجماعة، التي مضى على تأسيسها ستين عاما، غير مرخصة بشكل رسمي، مشيرة إلى أن المسؤولين لم يقدموا أي سبب للقرار، إلا أن المراقبين يرون فيه عقابا للجماعة؛ للدور الذي أدته في الربيع العربي في الأردن، والدعوة إلى ملكية دستورية، والتقليل من صلاحيات الملك.
ويبين الكاتب أن الحكومة قامت منذئذ بإغلاق عدد من فروع الجناح السياسي لجبهة العمل الإسلامي، وجمدت أرصدة الجماعة، ومنعت قادتها البارزين من مغادرة البلاد، بل منعتها من تنظيم مناسبات رمضانية، مثل إفطارات جماعية للمحتاجين، لافتا إلى أن جبهة العمل الإسلامي ستشارك في الانتخابات المقرر عقدها في أيلول/ سبتمبر، لكنها لا تستطيع عقد تجمعات انتخابية، ولا جمع التبرعات لحملتها، حيث أدى منع الحركة من عقد اجتماعات محلية، بقرار من محافظ العاصمة، إلى شل حركتها، ويقول نائب رئيس جبهة العمل الإسلامي علي أبو السكر: "إنهم يشنون حربا علينا".
ويعلق التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن "من يحل محل الأخوان هم
السلفيون، بمن فيهم بعض الجهاديين، الذين يقومون بدعم إفطارات في رمضان، ويسيطرون على أمواج الأثير، وفي مصر لم يسمح إلا لحزب النور السلفي بالمشاركة في الانتخابات ودخول البرلمان".
وتنقل الصحيفة عن خبير الحركات الإسلامية حسن أبو هنية، قوله إن "الخسائر التي تكبدها الإخوان المسلمين تعد انتصارا للسلفيين، الذين يحاولون السيطرة على الرواية الإسلامية".
ويقول لاك إن عددا من الشباب يهددون أنه في حالة عدم السماح لهم بدخول السياسة، فإن "تنظيم الدولة هو بديلنا"، مستدركا بأنه رغم عدم وجود أدلة على هذا التوجه، إلا أن القيادة الشبابية في الإخوان تتطلع اليوم لحركة قوية ومصممة أقوى من الماضي؛ للرد على الضغوط الإقليمية.
ويورد التقرير نقلا عن الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إريك تريغر، قوله: "إنها مسألة تتعلق برغبة الإخوان في العمل للوصول إلى السلطة على المدى البعيد، والتركيز على الدعوة بدلا من ذلك، أو العمل للوصول إلى السلطة في المدى القريب، وبالنسبة للجيل الجديد، فإنه شاهد الإخوان، وقد حصل على لحظته في السلطة التي اغتصبت منهم، ويريدون العودة الآن".
وتلفت الصحيفة إلى قرار حركة
النهضة التونسية تعديل رؤيتها، والتخلي عن الدعوة لصالح السياسة، وتقول: "في الوقت الذي يدفع فيه بعض الناشطين الشباب للتشدد، فإن الضغط ترك أثرا معاكسا؛ ما دفع عددا من القادة لإعادة التفكير، وتحديث الحركة، واستقطاب غير الإسلاميين، وتقديم صورة أقل تهديدا للأنظمة".
ويجد الكاتب أنه "في مركز هذه الجهود فصل الدعوة في الإخوان عن السياسة، فمن خلال هذا يمكن لقادة الحركة تجنب الاستفزاز والاستعداء، الذي أثارته بين الحركات اليسارية والعلمانية في مصر، التي دعمت الإطاحة بهم".
ويقول أبو السكر للصحيفة إن "الفصل بين الدعوة والسياسة ليس نظرية، بل هو ضرورة"، ويضيف أن "الزمن يتغير، وعلينا التغير معه".
وبحسب التقرير، فإن الإخوان يرون في النهضة نموذجا، حيث اشتركت مرتين في تحالف أحزاب علمانية، وأعلنت الشهر الماضي وقف النشاطات الدينية، والتخلي عن صفة "الإسلامية"، والاستعاضة عنها بـصفة "المسلمين الديمقراطيين"، حيث يعتقد قادة الإخوان أنه من خلال إعادة التسمية فإنه سيسمح لهم بالدخول للسياسة في الأردن، وحتى فتح الباب لهم في دول الخليج، مشيرا إلى أنه بسبب النزاع الداخلي في جماعة الأردن ومصر، فقد جمدت الفكرة، وهو ما دفع قادة في الإخوان لإنشاء أحزابهم "الإسلامية الديمقراطية" الخاصة.
وتشير الصحيفة إلى الجهود التي يقوم بها المراقب العام السابق للإخوان في الأردن سالم الفلاحات، بالتحاور مع القادة الذين تعبوا من جمود الحركة، والتحاور مع غير الإسلاميين لتقليد نموذج النهضة، حيث يطلق على الحزب اسم "الحكماء"، ليكون منبرا وطنيا موحدا، جوهر مبادئه الإسلام، لكن كلمة الإسلام هي خارج أجندته السياسية.
وينقل لاك عن الفلاحات قوله: "ما نحن بحاجة إليه الآن هو حركة سياسية يدعمها الإسلاميون، لا حركة إسلامية"، مشيرا إلى أن المراقبين والمنافسين يقللون من إمكانية نجاح هذه الخطوات، أو الانشقاقات، دون خدمات الحركة الدينية والاجتماعية الواسعة.
ويورد التقرير نقلا عن شادي حميد من معهد بروكينغز قوله: "الأحزاب الإسلامية ليست أحزابا تقليدية، وهذا ما يجعلها فاعلة، فهي تعتمد على الحركة بشكل عام، ما يجعلها ناجحة، وعندما تتخلى عن هذا، فإنك تتخلى على ميزات انتخابية".
وتفيد الصحيفة بأن الخبراء يقولون إنه من السابق لأوانه الحديث عن نهاية الجماعة، حيث يؤدي الإخوان المسلمون السوريون دورا من خلف الأضواء في المعارضة السورية، فيما ينتظر حزب الإصلاح اليمني في الأجنحة لأداء دور في إعادة إعمار البلاد.
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى أن حميد يرى أن الهلامية، التي يتميز بها الوضع في الشرق الأوسط، تمنح الجماعة الضعيفة اليوم فرصة للظهور، ولأداء دور مؤثر بعد أيام.