قضايا وآراء

قيادة التغيير (1)

1300x600
التغيير كالمجهول يخشاه كثير من الناس لأن معظم تجاربهم مع التغيير سلبية، أو لأنه قد استقر في روعهم أن التغيير يعني استبعادهم هم من المعادلة، وهذا بالنسبة لهم خسارة وأي خسارة.

لو عدنا إلى الثقافة الإسلامية سوف نجد أن عملية التغيير راسخة رسوخ هذا الدين، ودعوني هنا أتناول بعضا من عباداتنا التي نتعبد بها لله ونرى كيف أن التغيير جزء من الثقافة ومن الدين نفسه. انظر إلى صلاة الجمعة التي تأتي مرة كل أسبوع ولاحظ بنفسك حجم التغيير الحاصل في ذلك اليوم ستجد رحمك الله أن الركعات الأربع المعتادة في صلاة الظهر في بقية أيام الأسبوع قد تحولت إلى ركعتين، وأن الصلاة التي تؤدى في المساجد صغيرة أو كبيرة قد انتقلت إلى مساجد تعرف بالجوامع أو المساجد الجامعة التي تصلى فيها الجمع وأن شكل صلاة الظهر تحول تماما من مظهر إلى آخر، هذا يحدث كل أسبوع دون أن تشعر به لأنه أصبح جزءا من طريقة التفكير وجزءا من الثقافة، ناهيك عن أنه جزء من فقد هذا الدين. في هذا المظهر الحضاري (صلاة الجمعة) دائما هناك من يقود المسألة خطبة وإمامة للناس وهناك نصائح وتنبيهات وهناك أوامر وتعليمات، قد ينفذ كلها أو جلها أو حتى بعضها ولكن المواعظ والتعليمات والتنبيهات لا تنقطع أسبوعا بعد أسبوع.

انظر إلى شهر رمضان وتابع نفسك بنفسك وانظر حجم التغيير الهائل الذي يحدث لك على المستوى النفسي والبدني والاجتماعي والديني بطبيعة الحال، شهر في كل عام يتم تغيير طبيعة كل شيء من الأكل والشرب والنوم والصلاة وممارسة الحياة الزوجية، وانظر واسأل نفسك لماذا هناك عملية تغيير سنوية وأي فائدة ترتجى من الصيام والقيام والامتناع عن الشهوات والرغبات إن لم تفهم أولا أن الصوم عبادة وثانيا أن ثمرة الصوم التقوى أو التغيير إلى الأفضل بتحسين علاقتك بالله لدرجة أنك تخشاه في كل أمر ونهي. فلماذا يمارس المرء عملية التغيير الجوهرية تلك في رمضان ثم يرفض التغيير جملة وتفصيلا فيما هو أيسر وأسهل؟

وانظر رحمك الله إلى الحج ومشقته، فهو رغم كنهه فريضة إلا أن الله التمس لعباده العذر في أدائها وقرن الفريضة بالاستطاعة "من استطاع إليه سبيلا". الحج نفسه عملية تغيير عظمى تحدث للمرء ربما مرة في حياته، وحتى أولئك الذين لم تدركهم نعمة الحج يظلون على شوق إليه رغم أعبائه ومتاعبه ومشقته، فلماذا يمارس المرء التغيير هنا بإرادته ويرفضه في مكان آخر؟

التغيير أمر حض عليه الدين وأمر أتباعه بممارسته ولكن البعض وخصوصا في دهاليز السلطة وسراديب المؤسسات والجماعات دائما ما يقرنون التغيير بالفوضى ويربطون الجمود بالاستقرار. فالحاكم المستبد يعتبر أي تغيير دخولا في عالم المجهول وهو جزء من مؤامرة كونية على الشعوب.

التغيير بالنسبة للمستبدين هو الجحيم، لأنهم -أي المستبدون- عاشوا عمرهم كله في المكان عينه، تمتعوا بثروات البلاد ونهبوا كل شيء وأي حديث عن التغيير يعني أنهم سيفقدون ملكهم، ولكنهم يخدعون الناس بتشويه سمعة التغيير وتصويره على أنه المؤامرة والفوضى. 

والحال بالنسبة للمؤسسات والجماعات لا يختلف عن أمر المستبدين اللهم إلا في حسن النية ولكن النتيجة واحدة، فحين تطرح كلمة التغيير تواجه بقذائف التخوين وصواريخ التفسيق، وراجمات التبديع (من البدعة) وتصبح حديث المدينة إذا ما تجرأت يوما وقلت لمن حولك أو من فوقك كلمة واحدة عن ضرورة التغيير.

التغيير ليس سوى عملية إرادية يقوم بها الإنسان، أي إنسان مسلم أو كافر، لتطوير شأنه وتحسين ظروف وجوده على ظهر هذه الحياة، وهو أمر مرغوب بالنسبة للتجمعات والجماعات والدول والحكومات، ولولا التغيير الذي حدث في ثقافة الشعوب لحصد هتلر أرواح بقية سكان أوربا والعالم، ولولا التغيير ما قامت في اليابان حضارة ولا تقدمت كوريا الجنوبية ولا عادت ألمانيا موحدة بعد عقود من تفككها.

لولا التغيير في فكر قيادات المسلمين السابقين لما نهضت الأمة في أول زمانها في العلوم والفنون والحروب والغزوات ولما وصل قادة من عرب البادية بفتوحاتهم إلى أفريقيا وجنوب شرق آسيا. ولولا التغيير لما سبق العجمان العرب في توثيق أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كتب صفي الرحمن المباركفوري الهندي كتابه الأروع (الرحيق المختوم) في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

التغيير عملية سهلة يستطيع المرء ممارستها منفردا على المستوى الشخصي إذا ما قرر مثلا قيام ركعتين من الليل وحده أو صيام يوم نافلة، وتستطيع الأمة أن تمارسه يوم الجمعة وفي شهر رمضان وفي الحجم مجتمعة على رأي واحد لا يخرج عليه أحد، وتستطيع الأمة أن تمارسه إذا ما أرادت أن تتقدم ولكنها تحتاج ساعتها إلى قيادة تقود عملية التغيير وهذا موضوع مقالنا المقبل إن شاء الله.