سؤال يطرح كثيرا، ويثور الجدل حوله، وللأسف معظم النقاشات تدور بعيدا عن هدايات القرآن وآياته الواضحة، التي تبين الأمر بإنصاف، وميزان عدل لا ظلم فيه، وأصبح حال المسلمين فيه بدل أن ينشغلوا بهداية الناس من غير المسلمين، ينشغلون بمصيرهم في الآخرة، والانشغال بالحكم عليهم، بدل الانشغال بالأخذ بيدهم إلى الخير والحق.
إن آيات القرآن الكريم تبين أن الذي يؤاخذه الله سبحانه وتعالى ويحاسبه على عدم إيمانه بالإسلام، هو فقط من بلغته دعوة الإسلام واضحة بلا لبس أو غموض، وبلا تشويش أو غبش، وليس مجرد أن يسمع غير المسلم بالإسلام، فلا يتبعه فنحكم عليه بأنه كافر وفي جهنم وبئس المصير، يقول تعالى: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) الأنعام: 19. فالآية هنا تقول: (لأنذركم به ومن بلغ)، أي من بلغته دعوة الإسلام، بينة واضحة، لأن الله بين في آية أخرى كيف يكون البيان، فقال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) إبراهيم: 4، أي أن يخاطب كل إنسان بلغته التي يفهمها، بل في اللغة الواحدة باللهجة التي يتقنها، وبأسلوب الإقناع الذي يصلح له، فالعاطفي بالعاطفة، والعقلاني بالعقل، ومن يجمع بينهما بالجمع، فهل أوصلنا دعوة الإسلام وبلغناها للناس في مشارق الأرض ومغاربها بهذا الوصف والشرط الذي ذكره الله عز وجل في إنذار من لم يؤمن برسالة الإسلام؟!
أما الآية التي تحسم الموقف والأمر بوضوح كبير، فهي قوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) النساء: 115، فالآية تصرح بأن من يشاقق الرسول بالمعاداة والكفر، له جهنم وساء مصيرا، لكن بعد ماذا؟ لقد نصت الآية على شرط مهم، وهو ما يغفل عنه الكثير في تناول هذه القضية، وهو قوله تعالى: (من بعد ما تبين له الهدى)، فهنا شرط البيان، أن يوضح هذا الدين للناس ببيان واضح لا لبس فيه ولا غموض، ولا تشويش، في الوقت الذي نشاهد فيه دعاة نخاف على المسلمين من خطابهم المنفر، فكيف بغيرهم؟! فشرط أن يتم بيان الإسلام، وكلمة (الهدى)، أن يتبين لمن يتلقى هذا الخطاب، ويقتنع به قناعة تامة، أنه (الهدى)، يتضح بلا جدال أنه (الهدى)، فإذا كان العالم يزيد عن الستة مليارات، فيهم أكثر من الثلثين غير مسلمين، فهل قام المسلمون بترجمة معاني القرآن للغات ولهجات العالم؟ وهي درجة أولى من درجات البيان، فضلا عن هذا الشرح لمعاني القرآن هل هو شرح مقنع يقدم الإسلام في صورة صحيحة؟
فضلا عن ممارسات المسلمين التي لا يرى منها غير المسلم سوى صورة سيئة تسيء للإسلام، والآفة ليست في سوء تصرف المسلم، بل الآفة أنه عندما يخطئ ويفعل أمرا سيئا، كي يهرب من نظرات الناس وحسابهم، يلبس هذا التصرف ثوب الإسلام، ويقدم تصرفه على أنه الإسلام، فتزداد حجب على الإسلام كثافة، كل هذه صوارف تصرف الناس عن الهداية، وعوامل تجعل بين الناس والإسلام مسافة كبيرة، وتجعلنا نقول مطمئنين: إن القليل في هذه الحياة هو من ينطبق عليه الآية، أنه اتضح له حقيقة الإسلام فخالفها وخالف هداها، وفق قوله تعالى: (من بعد ما تبين له الهدى)، وهو ما أكده علماء كبار من أمثال ابن حزم الظاهري، وابن تيمية، ومن المعاصرين: محمد عبده، ومحمد رشيد رضا، والطاهر بن عاشور، وغيرهم، الذين انسجمت أفكارهم مع هدايات القرآن، منطلقين من نصوصه الواضحة، وفهم صحيح للواقع، بأن ما يطلقه الكثيرون أن كفار اليوم في النار هو كلام مجافي تماما للحقيقة، لأنه ببساطة لم تقم عليهم الحجة الكافية للحكم عليهم بأن الإسلام وصلت دعوته إليهم، ورفضوها وكفروا بها، وهو ما يلقي بتبعة كبرى علينا في بذل جهد كبير لتوضيح الإسلام، وإقناع الناس به، وتحسين صورته التي شوهها أبناؤه.