قضايا وآراء

التصنيف الائتماني لمصر وقروض خارجية لا تنتهي

1300x600
أعلنت وكالة "ستاندرد آند بورز" العالمية للتصنيف الائتماني، أنها قامت بتعديل نظرتها المستقبلية لثلاثة بنوك مصرية من "مستقرة" إلى "سلبية". وأشارت الوكالة في بيان لها يوم الثلاثاء 17 أيار / مايو، أن البنوك المصرية الثلاثة هي: البنك الأهلي المصري (أكبر بنك حكومي)، وبنك مصر (ثاني أكبر بنك حكومي)، والبنك التجاري الدولي (أكبر بنك خاص في مصر). وأضافت الوكالة أنها أبقت على التصنيف الائتماني على المدى الطويل والقصير عند ( B-/C).

ويأتي هذا التخفيض الائتماني بعد أربعة أيام فقط من تخفيض وكالة "ستاندرد آند بورز" العالمية التصنيف الائتماني السيادي طويل الأجل لمصر إلى سلبي، بعدما كان مستقرا، بسبب الصعوبات المالية التي تواجهها البلاد. حيث جاء في بيان الوكالة يوم الجمعة 13 أيار / مايو  أن : "النظرة السلبية تعكس تقديرنا بأن هشاشة الوضع المالي في مصر قد تتفاقم خلال 12 شهرا المقبلة. ونعتقد أن هذا يعطل تعافي اقتصاد البلاد، ويصعد التوتر السياسي والاجتماعي في البلاد". وأبقت الوكالة على تصنيف الائتمان السيادي قصير الأجل بالعملة الأجنبية والمحلية لمصر في فئة (B-/ B).
ويعكس هذا التخفيض الائتماني انخفاض قدرة مصر والبنوك الثلاثة سالفة الذكر على سداد التزاماتها،

وهذا يعني أيضا انخفاض جدارتها الائتمانية في الحصول على القروض أو الحصول على القروض، ولكن بفائدة مرتفعة.

والواقع يكشف أن سياسة  تقييد الاعتماد على القروض الخارجية التي حرص عليها مبارك في آخر عهده والرئيس مرسي قبل الانقلاب عليه، لم يعد لها مكانا فيما بعد الانقلاب، فأصبحت الحكومة جل همها الحصول على قروض خارجية، يرتبط معظمها بالبنية التحتية، وتكاد تكون معدومة العائد، فضلا عن الاعتماد عليها أيضا لترقيع الديون، وسد عجز الموازنة، وسداد ما على الحكومة وهيئاتها من التزامات خارجية، والوفاء بالحاجات الضرورية الاستيرادية في ظل أزمة الدولار المتنامية، ولم تكتف الحكومة بذلك بل فتحت المجال لبنوك القطاع العام الثلاثة للاقتراض الخارجي جنبا إلى جنب مع الاقتراض الحكومي، وهو ما يعني توريط تلك البنوك في ديون هي في غنى عنها، وهو ما يضر بمصلحة المودعين في تلك البنوك في الأساس.

إن سياسة عبد الفتاح السيسي في توريط الجيل الحالي والأجيال المستقبلية في ديون لاقبل لهم بها باتت مكشوفة للجميع، وهي السياسة التي تنفذها باقتدار سحر نصر وزيرة التعاون الدولي ، حتى بات من الأنسب أن نسميها وزيرة الديون. فمن أولى بديهيات الاقتراض، أن يكون القرض له القدرة على تحقيق تدفقات من استخدامه تمكن من المقدرة على سداده، وهذا ما نراه غائبا في القروض المصرية، التي تتسم سياسة الحكومة فيها بالاقتراض من أجل ترقيع القروض، في ظل إصابتها بالحول التنموي وغياب الأولويات، وليس آخرها ما نشرته الجريدة الرسمية المصرية في عددها الصادر يوم الخميس 19 أيار / مايو، من قرار رئيس الجمهورية رقم 484 لسنة 2015 بالموافقة علي الاتفاقية الموقعة بين حكومتي مصر وروسيا الاتحادية بشأن تقديم قرض تصدير حكومي من حكومة روسيا الاتحادية إلي حكومة مصر؛ لإنشاء محطة طاقة نووية في الضبعة بقيمة 25 مليار دولار أمريكي، ويستخدم القرض بواسطة الطرف المصري لتمويل 85% من قيمة كل عقد لصالح تنفيذ الأعمال والخدمات والشحنات المتعلقة بالمعدات، ويسدد الطرف المصري القيمة المتبقية للتمويل والبالغة 15% في أقساط، إما بالدولار أو بالجنيه المصري لصالح المؤسسات الروسية، المفوضة بما يتوافق مع العقود في صورة دفعة سداد مقدمة، أو أي مدفوعات بعد تنفيذ الأعمال والخدمات وتسليم التوريدات.

ويستخدم الطرف المصري القرض على دفعات لمدة 13 عاما ما بين أعوام 2016 و2028 وفقا للجدول الزمني الموضوع، ويقوم بسداد المبالغ المستخدمة من القرض على مدار 22 عاما، على 43 قسطا نصف سنوي، متساويا في 15 نيسان/أبريل و15 تشرين أول/أكتوبر  من كل عام، بشرط سداد الدفعة الأولى من أصل القرض في 15 تشرين أول/ أكتوبر 2029. وذكرت الاتفاقية أن الطرف المصري يدفع الفائدة على القرض بمعدل 3% سنويا. وأنه في حال عدم سداد أي من الفوائد المذكورة خلال 10 أيام عمل، يحتسب المبلغ على أنه متأخرات، ويخضع لفائدة قيمتها 150% من معدل الفائدة الأساسي.

وأنه في حالة عدم سداد أي دفعة من أصل القرض أو الفائدة المذكورة خلال 10 أيام عمل يحتسب المبلغ على أنه متأخرات، ويخضع لفائدة قيمتها 120% من معدل الفائدة الأساسي، وأعطت الاتفاقية، في حال عدم دفع المتأخرات، أو فوائدها، خلال 90 يوما ميلاديا، الحق للجانب الروسي بشكل منفرد في تعليق أي استخدام آخر للقرض.

فأي توريط أشد من هذا؟!! وأي تدمير وتجريف للإنسان والاقتصاد المصري أكثر من هذا القرض الذي يعد أكبر قرض في تاريخ مصر؟!! .. إن هذا القرض ما هو إلا حلقة في سلسة قروض استعباد المواطن المصري في الداخل، واستعباد الوطن كله بما فيه من إنسان وثروات وسيادة لحساب الخارج، ويفتح الباب على مصراعيه أمام الإفلاس الذي هو قادم لامحالة، في ظل تلك التصرفات الحكومية غير المسؤولة.