صحافة إسرائيلية

بعد 68 عاما.. الكشف عن كيفية اغتيال عبد القادر الحسيني

عبد القادر الحسيني قتل مصابا بطلقة في الرأس- أرشيفية
استذكر البروفيسور أوري ملشتاين، المؤرخ الإسرائيلي المتخصص في تاريخ الحروب الإسرائيلية، تفاصيل معركة اغتيال قائد الثورة الفلسطينية عبد القادر الحسيني، عام 1948، بطلقة في رأس، رابطا بينها وبين قتل جندي إسرائيلي لفلسطيني بطلقة في الرأس.

وفي مقاله بصحيفة "معاريف" الإسرائيلية؛ أوضح ملشتاين أن الجندي أليؤور أزاريا، الذي قتل شابا فلسطينيا في الخليل قبل أيام، "لم يكن الأول الذي يطلق النار على أسير ملقى على الأرض"، مشيرا إلى أن أهم أحد الأحداث الشبيهة، كانت معركة القسطل، التي استشهد بها الحسيني.

وأوضح المؤرخ الإسرائيلي المتخصص في تاريخ الحروب الإسرائيلية ملشتاين، أنه "في مرحلة من مراحل معركة القسطل أطلق نائب قائد الفرقة، يعقوب سلمان، الذي أصبح ضابطا رفيع المستوى في الجيش الإسرائيلي وأيضا شخصية رفيعة في المستوى الحكومي والشخصي، النار على رأس قائد لواء القدس الفلسطيني، عبد القادر الحسيني، الذي كان ملقى ومصابا على قمة الجبل".

وأشار إلى أن ذلك تم "بعلم قائد الفرقة مردخاي غازيت، الذي أصبح فيما بعد مدير عام مكتب رئيس الحكومة وسفيرا لإسرائيل في فرنسا".

الحسيني

وعبد القادر الحسيني، ابن موسى كاظم الحسيني (الذي كان رئيس بلدية القدس في فترة العثمانيين وفي بداية الانتداب البريطاني وأحد قادة الحركة القومية الفلسطينية)، كان في الثلاثينيات من القرن الماضي عضوا في لجنة الفقهاء المسلمين، وفي 1936 كان قائدا للثوار في منطقة القدس، وقد أصيب أربع مرات واعتقله البريطانيون وتم إطلاق سراحه بكفالة وهرب إلى العراق، وفي 1938 عاد إلى فلسطين، وتم تعيينه من قبل اللجنة العربية العليا، قائدا لمنطقة القدس.

في 1939، انسحب الحسيني مرة أخرى إلى العراق وانضم إلى دورة للضباط، وفي 1942 تم اعتقاله في العراق، وعندما أطلق سراحه ذهب إلى السعودية ومن هناك إلى مصر، ومع اندلاع حرب الاستقلال عاد إلى فلسطين، وتم تعيينه مجددا قائدا للواء القدس، وقد كان مكتبه الرئيسي في بير زيت والمكتب الفرعي في بيت جالا.

ونجح الحسيني، باعتراف ملشتاين، بحرب الشوارع في القدس، إذ جعل قوات الاحتلال على شفا الانهيار، حيث قام بعدة تفجيرات منها تفجير مباني المؤسسات الإسرائيلية، وإنجازه الأكبر كان معركة النبي دانيال، دفع الولايات المتحدة للتراجع عن تأييد إقامة الدولة اليهودية حسب خطة الأمم المتحدة، في إنجاز سياسي إستراتيجي نتيجة لنجاح الحسيني التكتيكي، بحسب قوله.

معركة القسطل

وبدأت معركة القسطل يوم الجمعة، 2 نيسان/ أبريل 1948، حيث سيطرت قوة من مليشيا البلماح، بقيادة إلياهو سيلع، على قرية القسطل، وبدأت محاولات استعادة القرية من اليوم التالي.

وفي 7 نيسان/ أبريل قرر القادة العرب في دمشق الانقضاض في الليل على قرية القسطل، بمشاركة عبد القادر الحسيني نفسه، الذي قال لمساعده بهجت أبو غربية: "لقد خانونا"، موضحا بقوله: "الأمر الأخير الذي رأيته في مطار دمشق هو مخزن السلاح المخصص لفوزي القاوقجي - قائد جيش الإنقاذ حينها -".

وتابع: "نستطيع الذهاب إلى العراق والعيش هناك سرا، نستطيع الانتحار ونستطيع الموت هنا"، مؤكدا بقوله: "أنا سأذهب إلى صوبا. أرسل لي مدرعتين. وأمر أبو دية بأن يأتي مع المقاتلين والالتقاء معه في صوبا. سنحرر القسطل. وأنا سأكون على رأس الهجوم".

في 8 نيسان/ أبريل، قبل الفجر، وصلت خلية من الثوار إلى مقر قوة مورية وقامت بوضع العبوات الناسفة. وقام غازيت، قائد فرقة البلماح، التابعة لمليشيات "الهاجانا" في المعركة، ونائبه سلمان، بتفكيك العبوات.

وبعد انسحاب الثوار، مروا بالقرب من قبر الشيخ، حيث كانت فرقة البلماح، التي أطلقت النار على الثوار بعد انسحابهم بالقرب من قبر الشيخ.

وكان مطلق النار يسمى موشيه كتسنلسون، وأطلق النار من برج المراقبة، حيث كُتب في تقرير قائد الفرقة الرابعة للبلماح أن اثنين من أعضاء الخلية قتلا برصاص كتسنلسون، والثالث استسلم وطلب الرحمة، "لكن رجالنا قتلوه"، بحسب التقرير.

قبل طلوع الفجر صعد إلى القسطل عبد القادر الحسيني، ونائبه كمال عريقات وشخص ثالث يدعى عرفات، ووصلوا في الرابعة فجرا إلى القمة، ولاحظهما على بعد 30 متر الضابط مئير كرميول الذي استيقظ من نومه في شرفة البيت، وغازيت وسلمان اللذان أنهيا تفكيك العبوات وعادا إلى الموقع.

واعتقد كرميول أن عبد القادر وزملاؤه هم قصاصو أثر من البلماح، فقال لهم بالعربية: "اصعدوا يا جماعة"، بعد ارتدائه الزي العسكري البريطاني ووضع الخوذة، ومن الجانب المقابل؛ اعتقد عبد القادر أن كرميول جندي بريطاني هارب، قائلا: "هالو بويز".

أيضا، اعتقد سلمان وغازيت للحظة أن الثلاثة هم من جماعة تبنكين، ولكن عندما سمع سلمان الأصوات صرخ: "مئير، إن هؤلاء عرب"، وفهم كرميول ذلك وأطلق عليهم النار.

أصيب الحسيني وسقط، وانسحب كمال عريقات وعرفات، وقد طلب المصاب الماء للشرب، متوسلا، بحسب ما روى سلمان للمؤرخ الإسرائيلي ملشتاين كاتب المقالة، قائلا إنه وضع المسدس على رأس المصاب، وأحد الضباط طلب منه عدم قتله أمام الجميع، بل في مكان خال، فجره سلمان وأطلق النار على رأسه.

"هذا قائد عربي"

وتابع ملشتاين مقالته قائلا: "لم يعرف غازيت وسلمان وكرميول من هو القتيل، فقد لاحظوا أن ملابسه غربية وإلى جانبه بندقية أمريكية ومسدس، وشاهدوا في يده ساعة فاخرة وفي جيبه أقلام وكثير من الوثائق، وفهموا أنه سمكة ثمينة، ولكن بسبب التعب لم يقوموا بفحص وثائقه: رخصة سياقة مصرية باسم عبد القادر سليم، تقرير نقاش مع القنصل الأمريكي في القدس وخطة هجوم على جبل المشارف، ولم يتعرفا عليه رغم أن صورته كانت قد نشرت كثيرا في الصحف".

ووصل نبأ اختفاء عبد القادر الحسيني في اليوم التالي إلى مركز شاي في القدس، قبل الظهيرة، فقام هذا المركز بالاتصال مع غازيت والاستفسار عن الأمر، وعندها عرف غازيت من هو العربي القتيل وقام بفحص وثائقه، واتصل رجال هيئة اللواء مع قائد موتسا، ميخائيل هافت، وطلبوا الجثة، وهافت طلب من غازيت إرسالها.

وقال غازيت، بحسب الرواية، "لا يمكن إرسال الجثة، العرب يقومون بالقنص"، وفي مدرعة مليئة بالذخيرة والطعام صعد هافت وقائد الفرقة يغئال أرنون إلى القسطل، وحصل يعقوب سلمان على أمر من قائد منطقة القدس للهاغاناة بإرسال جثة عبد القادر الحسيني في المدرعة إلى المدينة، لكن مرؤوسي غازيت رفضوا وضع الجثة داخل المدرعة، رافضين التعرض للخطر بسبب جثة الحسيني، وقال هافت لغازيت: "إذا لم يأت من يستبدلكم في القسطل، وإذا لم تستطيعوا الصمود فمن الأفضل أن تنسحبوا إلى أرزا"، وعادت المدرعة من القسطل إلى القدس من دون جثة الحسيني.

وقبل ذلك بساعات، في السابعة صباحا، وصل إلى القسطل نائب اللواء عوزي نركيس مع مدرعتين أحضرتا الذخيرة والقنابل والملابس والطعام الأمريكي واربع صفائح من الحلاوة، وجاء مع نركيس فرقتان من الحراس، الذين أعطوا جنود الاحتلال الملابس النظيفة والأدوات وأخذوا الملابس المستعملة.

وسأل سلمان نركيس: "أين الدعم؟"، فأجابه: "كانت هناك مشاكل مع المدرعات، ستصل بعد قليل"، فرد عليه غازيت: "لم ينم رجالنا منذ خمس ليالي ولا يستطيعون فعل شيء".

وسأل نركيس: "ما الذي تفضله، استبدال عشرة أشخاص الآن، أم استبدال الجميع عند الظهيرة؟"، فطلب الانتظار حتى الظهيرة، خشية من أن يكون استبدال قسم من المقاتلين سببا في خفض معنويات الآخرين، كما أنه لم يكن يثق بوعود قادة البلماح.

أثناء ذلك، لاحظ نركيس جثة وسأل: "هل هذا تابع لنا؟ لماذا لم يتم دفنه؟"، فأجابه غازيت: "هذا قائد عربي".

نركيس لم يصدق، وسأل "ماذا وجدتم معه؟"، فأظهر له نركيس ما كان في محفظته: نصف ليرة إسرائيلية، وقرآن وشهادة تطعيم ضد الكوليرا تلقاها في معبر السويس.

وطلب نركيس مسدس القائد العربي، فأجابه سلمان: "سأعطيك إياه اذا أخذت جثته"، لكن رصاص القناصين استؤنف، فسارع نركيس إلى العودة إلى المدرعات التي انتظرته على الطريق، وطلب من غازيت إرسال الجثة إلى القدس مع الجنود الذين سيغادرون عندما يأتي من يستبدلونهم.

وبعد ستة أيام، قال يغئال ألون لدافيد بن غوريون في تل أبيب:  إن "عبد القادر الحسيني لم يمت بسبب عبوة بل بسبب جنودنا، فقد أخطأ وجاء على رأس خلية إلى المكان الذي كانت فيه فرقتنا، وقتله جنودنا وهو مصاب ويطلب شرب الماء ولم يعرفوا من هو، وعندما قاموا بفحص وثائقه اكتشفوا أنه عبد القادر الحسيني"، معتبرا أن "ألون لم يعرف أن الحديث هو عن قائد عربي أصيب قبل ذلك على أيدي البلماح، ولم يكن يعرف عبد القادر الحسيني ولم يهتم بأخلاق الحرب".

وفي معركة تخليص جثة الحسيني؛ انتصر العرب وسيطروا على القسطل، حيث قتل عشرات من رجال كتيبة مورية ومقاتلو البلماح بقيادة ناحوم أريئيلي قتلوا.

واختتم ملشتاين بالقول إنه "لم يهتم أحد من النخبة الإسرائيلية التي سيطرت عشرات السنين بموضوع أن عبد القادر الحسيني أطلق النار على رأسه وهو مصاب ويطلب الماء"، داعيا "أولادهم وأحفادهم أن يتذكروا ذلك الآن اثناء النقاش حول الجندي مطلق النار من الخليل"، بحسب قوله.