قضايا وآراء

إدانة الشيخ رائد صلاح وتبرئة دعاة القتل شابيرا وإليتسور

1300x600
لم يتأخر الخضوع لإملاءات بنيامين نتنياهو التي أصدرها يوم الأحد قبل الماضي (10/4/2016)، يوم أن حرض على الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية خلال جلسة حكومته، وطلب من وزيرة قضائه ومن الأذرع الأمنية المرتبطة به إيداع الشيخ رائد صلاح السجن، وبعد أسبوع واحد فقط من قوله عن الشيخ رائد: "هذا الرجل هو فتيل متفجرات يكاد ينفجر، أنا أطالب وزيرة القضاء والأذرع الأمنية بالعمل على إبعاده، هذا الرجل من الواجب أن يكون في السجن".. بعد أسبوع واحد فقط صدر قرار المحكمة العليا في إسرائيل بالحكم على الشيخ رائد صلاح بالسجن لمدة تسعة أشهر على أن يبدأ التنفيذ يوم 8/5/2016.

لم نكن لنشك سابقا أن الفصل بين السلطات - كما هو حال كل الأنظمة الديموقراطية في العالم - في الحالة الإسرائيلية معدوم، ولكن جاءت إملاءات نتنياهو يوم الأحد 1/4/2016 والخضوع والاستكانة لها من قبل المحكمة العليا الإسرائيلية يوم 18/4/2016؛ لتدلل بما لا يدع مكانا للشك أن إسرائيل اليوم هي دولة ذات سلطة واحدة هي السلطة التنفيذية التي يقودها رئيس الحكومة، فيما السلطتان الأخريان ليسا سوى دمى في يد السلطة التنفيذية، وهما السلطة التشريعية أي الكنيست التي يتحكم في هواها اليوم اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو ومن ينحرف عن التلم فمصيره الإقصاء والإبعاد. أما السلطة القضائية فقد أضحت بعد هذا الحكم مضافا إلى العديد من الأحكام التي تخص شعبنا الفلسطيني على كل خارطة الوطن أضحوكة، خاصة وقد قامت هذه السلطة قبل شهر من المداولات في ملف وادي الجوز موضوع الحكم الذي نحن بصدده بنفس تركيبة القضاة بتبرئة كتبة كتاب "شريعة الملك " الحاخامان، يتسحاق شابيرا ويوسف إليتسور، مؤلفا الكتاب، من تهم التحريض على العنف أو التحريض على العنصرية، وهما اللذان أصدرا فتاوى صريحة جدا بقتل الأغيار، أي غير اليهود، وقتل أطفال الأغيار. وقد ذكرت مجلة البيان السعودية التي تصدر في بريطانيا في استعراضها للكتاب يوم 21/1/2016 ما يلي: "ولذلك "قرر حكماؤنا العظماء أنّ أفضل الأغيار في فترة الحرب "هو الميّت"؛ إذ لا يوجد مجالٌ لإصلاحهم لأن خطرهم وخبثهم عظيمان. أما في شأن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين يوم واحد وسن الرشد، والذين بطبيعة الحال لا يخالفون الفرائض السبع لعدم إدراكهم لها أو سماعهم عنها، فبالإمكان قتلهم "بسبب الخطر المستقبلي الذي يشكلونه إذا سُمح لهم بالعيش ليكبروا فيصبحوا أشرارا مثل أهلهم". ويضيف المؤلفان: "بطبيعة الحال يُسمح بقتل الأطفال، والمدنيّين الآخرين كذلك، الذين يحتمي بهم "الأشرار"، فيجب قتل "الأشرار"، حتّى وإن أدى ذلك إلى قتل الأطفال والمدنيّين".

ويشرح المؤلفان ضمن الفصل السادس أن أي مملكة لا يمكنها البقاء بغير الجنود المقاتلين وصمودهم، وأن "الدولة الصالحة" كانت في القِدم ترغم رجالها الأبرياء على الخروج إلى الحرب، وكانت تكلف حراساً ليقفوا خلف الجنود المقاتلين يقتلون كلَّ من يهرب منهم، وكان لا بد أن يُلحِق الملك الأذى بجنوده من أجل إرغامهم على خوض المعارك والصمود فيها حتى لا تكتب النهاية بانتصار الأشرار، وإذا كان للملك الحق في قتل رجاله وجنوده، فإنه من حقه استهداف الأبرياء التابعين لمملكة الأشرار وقتلهم بدم بارد.

يؤكّد المؤلّفان حق إسرائيل في استهداف مواطني الدولة المعادية وقتلهم مهما بلغت أعمارهم ومهما بلغ عددهم، حتى لو كانوا قد وُلدوا لتوِّهم، أو كانوا من كبار السن وعلى حافة الموت؛ أَكانوا ذكورا أم إناثا، أَشاركوا في القتال والجهد الحربيّ أم لم يشاركوا إطلاقاً، فيحق لإسرائيل استهدافهم وقتلهم جميعا.

ويعود المؤلفان ويؤكدان أنه ينبغي قتل الفلسطينيّين لأنهم يخالفون الفرائض السبع، ويستطردان بأنه ينبغي استهداف المدنيّين الفلسطينيّين الذين يساعدون "القتلة" وقتلهم، حتى إذا كان هؤلاء الأبرياء مرغمين على القيام بذلك. ويقول المؤلّفان: "حتى إذا كانوا مربوطين أو مسجونين ولا يوجد لديهم أيّ إمكانيّة للفرار ولا يوجد لهم أيّ خيار آخر إلاّ البقاء في المكان ذاته، وكانوا كالرّهائن، فإنّه يُسمح باستهدافهم وسحْقهم وقتْلهم إذا كانت هذه هي الوسيلة للتّخلّص من الأشرار، فإنّ من يساعد على القتل رغما عن إرادته يُسمح باستهدافه وقتله أيضاً".

 من حضر جلسة الاستئناف الذي قدمه محامو الشيخ رائد صلاح في شهر كانون الثاني من هذا العام خرج بانطباع أن العليا قد تبرئ الشيخ من تهم التحريض على العنصرية وعلى العنف، خاصة وأن سياق الجلسة كان يناقش تبرئة الحاخامين أعلاه اللذين برأهتهما قبل شهر من هذه الجلسة بأغلبية قاضيين، هما الياكيم روبنشتاين ومريم ناؤور رئيسة المحكمة العليا أمام قاض واحد هو سليم جبران، وكان واضحا من سياق المداولات أن القضاة يواجهون حرجا كبيرا وهم يناقشون ملف وادي الجوز الذي لا يحتوي على أي تحريض على العنف أو الكراهية أو العنصرية، فيما الملف السابق الذي يخص أليتسور وشابيرا يحمل دعوات صريحة جلية واضحة لقتل الأغيار وأطفال الأغيار الذين تبلغ أعمارهم يوما واحدا فما فوق لأنهم حسب عقيدة الحاخامين سيشكلون خطرا مستقبليا على اليهود عندما تصبح أعمارهم بالعشرينات (في ملف وادي الجوز ملف الشيخ رائد أدانه الياكيمروبنشطاين والقاضية عنات بارون وحكموا عليه بالسجن تسعة أشهر وحكم عليه القاضي سليم جبران بالعمل لخدمة الجمهور).

 هذا الحكم والذي يأتي رضوخا فوريا لتوجيهات نتنياهو خاصة وأن أجهزة الدولة في إسرائيل اليوم أصبح يتحكم فيها وفي كل مفاصلها الكثير الكثير من طلبة شابيرا وأليتسور، جاء ليمحو الخط الفاصل بين القضائي والسياسي والتشريعي وليركز السلطات الثلاث بيد "الملك" نتنياهو بشكل مطلق. 

في اعتقادي يجب ترجمة الحكمين بشكل فوري وقراءتهما قراءة حقوقية مستقلة وتقديمهما للقضاء الدولي الذي ما يزال يعتقد أن القضاء الإسرائيلي قضاء مستقل، ويجب عرضهما على المؤسسات الدولية الحقوقية والسياسية والإعلامية والرسمية، حتى يتبين مدى الظلم والإجحاف الذي يعاني منه الفلسطينيون على كل خارطة الوطن ومدى عظم العنصرية الإسرائيلية المتفشية في كل مفاصل الدولة، حتى في سلك القضاء الذي يفترض فيه أن يكون مستقلا.