جدد ناشطون ومثقفون تحذيرهم من استمرار عمليات
التهجير في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل الكردية في ريفي الرقة والحسكة، مع تصاعد الحديث عن "فدرلة"
سوريا، بل وتقسيمها إلى ثلاث دويلات "علوية" في الساحل و"سنية" في الداخل و"كردية" في الشمال.
وفي هذا السياق، يرى الناشط الحقوقي السوري، أنور الخضر، وهو محام من ريف محافظة الرقة لكنه يقيم الآن في منطقة حدودية تركية، أن هناك رغبة حقيقية لدى حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) بالانفصال عن سوريا وإقامة دولة مستقلة في الشريط الشمالي، ابتداء من ديريك، أقصى الشرق وبعمق 40 كم تقريبا باتجاه الجنوب، وصولا إلى البحر المتوسط غربا".
ويقدم الخضر، في حديث لـ"عربي21"، بعض "الأمثلة" عن عمليات التهجير، منها ما حصل في بلدة "سلوك" (20 كم شرق مدينة تل أبيض في محافظة الرقة)، حيث نزح عنها جميع سكانها البالغ عددهم 24 ألف نسمة، وهم عرب بالكامل، متهما المليشيات الكردية بأنها تمنع الأهالي، بالقوة، من العودة إلى منازلهم.
كما يستعرض الخضر أيضا ما يصفها بـ"جرائم ضد الإنسانية" بحسب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ومن هذه "الجرائم" قيام عناصر الوحدات الكردية (YPG) بتهجير كامل سكان قرية "الحميرة" بريف الرقة، وتهجير سكان قرية "الرومي" و"المشيرفة" و"الأصيلم"، مشيرا إلى أن أهالي الأخيرة يقيمون في العراء وهم يرون بيوتهم بالعين المجردة وهي تهدم. أما قرية "ملا البرهو" (وهي قرية تركمانية بالكامل)، فيروي الخضر، نقلا عن الأهالي قولهم؛ إن عناصر المليشيات قالوا لهم "اخرجوا من القرية فهذه حدود دولة غربي كردستان ولا مكان لكم هنا".
انفجار عرقي
عشرات القرى الأخرى لاقت المصير نفسه منها قرى الثورة، و"جارخ عبدي"، و"بير حبش" والحرية، و"بير كنو"، والدناي، وفيونطة، وحروب، والكيتكانية.
وآخر "النشاطات" التهجيرية بحسب الخضر؛ كانت مطلع الشهر الجاري، حيث قامت الوحدات الهندسية التابعة للاتحاد الديمقراطي (PYD) بتجريف قرية العويدية في ريف عين عيسى الغربي، تاركة منزلا واحدا حولته مقرا لعناصرها، وفق قوله.
من جانبه، يرى الصحفي محمد أمين، وهو ابن محافظة الرقة، أن "الوحدات الكردية" لا تمثل ولا تعبر عن عموم الجمهور الكردي، لكنه يحذر من تداعيات خطيرة لمستقبل العلاقة بين العرب والكرد، وخاصة أن الوحدات الكردية "تصر على إهانة العرب في كل منطقة تدخلها، تحت رداء ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية".
ويقول: "العرب هم الأغلبية حتى في محافظة الحسكة التي تعد أهم معاقل الوحدات، ومن ثم فالمنطقة مرشحة لانفجار عرقي كبير"، مضيفا: "الوحدات الكردية تعبث براهن ومستقبل المنطقة"، وفق تعبيره.
ويتحدث أمين عن الأوضاع في منطقة تل أبيض، قائلا: "منذ انتزاع الوحدات الكردية المدينة من يد
تنظيم الدولة، بدأت حملة تهجير ممنهجة للسكان العرب والتركمان في إطار محاولات أحزاب كردية إنشاء كانتون عنصري"، بحسب وصفه.
لكن إلى أي مدى ستنجح الوحدات الكردية في فرض الأمر الواقع؟ يجيب ابن مدينة تل أبيض الصحفي خليل الهملو بالقول: "موضوع التهجير لن يكتب له النجاح على اعتبار أن منطقة تل أبيض التي تمتد على أكثر من 10 آلاف كم مربع ويقطنها نحو 250 ألف شخص؛ منطقة عربية، وما يقابلها في تركيا أيضا مناطق تقطنها عشائر عربية"، وفق قوله.
ويقول الهملو لـ"عربي21": "إن الوحدات تقاتل وتهجّر العشائر المقيمة في المنطقة بجحة محاربة تنظيم الدولة"، مضيفا: "هذه العشائر لها ارتباطات مع بقية العشائر السورية، بالإضافة لعشائر الخليج، وفي حال توقف التحالف الدولي عن دعم المليشيات (الكردية)، فإنها لن تستطيع البقاء في تل ابيض لساعة واحدة، وليس لساعات"، كما قال.
لكن في المقابل، يتساءل الناشط السوري الكردي، محمود كرعو: "لماذا لم يكن موضوع التغير الديمغرافي مطروحا عندما كانت المنطقة تحت سيطرة تنظيم الدولة والكتائب المسلحة الذين حرفوا مسار الثورة؟".
ويضيف كرعو لـ"عربي21": "نشاهد اليوم من تجار الوطن والقوميين الشوفنيين يفبركون الواقع ويتهمون الكرد بالقيام بأعمال تطهير عرقي في المناطق التي تحررها قوات سوريا الديمقراطية"، بحسب قوله.
وقال: "لن أنكر أنهم (الوحدات الكردية) ينفذون المشروع الغربي الجديد في الشرق الأوسط؛ وهو خلق صراع طائفي بين السنة والشيعة، ولكن الشعب الكردي والعربي في سوريا هم مسلمون سنة، ولن تؤثر عليهم اي مؤامرة خارجية".
وكانت منظمة العفو الدولية قد اتهمت في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي مليشيات كردية بشن وتنفيذ عمليات "ترقى إلى جرائم حرب" بطرد آلاف المدنيين، إضافة إلى هدم منازل.
التطهير العرقي "شر لا بد منه"!!
إلا أن الصحفي السوري الكردي، علي نمر، يقول لـ"عربي21" إن ما تم تناوله من أحاديث حول التطهير العرقي من بعض الناشطين والإعلاميين العرب والكُرد، نابعة من أحكام مسبقة، كنتيجة للصراع غير المسبوق على صفحات التواصل الاجتماعي.
ورأى نمر أن "التطهير العرقي شرٌ لا بد منه في حالة الحروب، هذا إن كان هناك طرفان فقط في الصراع، فكيف في الحالة السورية التي أنجبت المئات من الفصائل بالإضافة للقوى الرئيسية الداخلة في النزاع وهي تنظيم الدولة وجبهة النصرة والنظام"، وفق قوله.
"الشر الذي لا بد منه" بحسب نمر يضعه أنور الخضر في سياق "مشروع لافروف - كيري"، ويقول: "ليس من السهل مواجهة مشروع لافروف كيري الأشبه بسايكس بيكو، ولكن باعتبار أن غالبية الشعب ترفض تلك المشاريع القذرة، فإن إقامة دولة القانون القائمة على أساس العدالة والمساواة بين كل أطياف الشعب السوري، هي الحل الأمثل لمواجهة هذا المشروع"، بحسب تعبيره.