حفظت لنا كتب التراث قصة تقول إن الحارث بن ورقاء أغار على إبل زهير بن أبي سلمى وذهب بها وبراعيها، وأخذ زهير يهجو الحارث وأهله. ولما أكثر من هجائهم قيل له: أوسعتهم سبـّا وأودوا بالإبل، أو: أشبعتهم سـبـّا ومضوا بالإبل.
الشاعر قال: وصرت كراعي الإبل حين تقسّمت / فأودى بها غيري وأوسعتهم سبـّا.
لعل عند كل شعب وفي كل لغة شيئا مماثلا، وقرأت أن الثائر المكسيكي أميلينو زاباتا قال: من الأفضل أن تموت واقفا على قدميك من أن تموت راكعا على ركبتيك. وكنت سمعتُ هذا القول منسوبا إلى «لا باسيونارا» أو دولوريس اباروري، من أبطال الثورة الإسبانية في ثلاثينات القرن الماضي، إلا أنني عندما عدت إلى المراجع وجدتُ أن زاباتا سبقها إليه. هي قالت «لن يمرّوا» خلال معركة مدريد عام 1936، ما يذكرني بالأغنية العربية «لن يمرّوا وعلى أرضي حرّ».
بالمعنى نفسه وجدتُ أن في 14/6/1918 أمر القائد كارل ريغولي الجندي الإيطالي برناردو فيكارو بتنفيذ مهمة صعبة. كان الجنود الإيطاليون أقل عددا ومحاصرين وقد تعرضوا لقصف عنيف أدى إلى موت كثيرين منهم. وكان القائد والجندي فيكارو يعرفان هذا، لذلك أمر القائد الجندي أن يكتب على حائط في قرية مهدمة: أفضل أن تعيش يوما كأسد من أن تعيش مئة عام كنعجة.
المعنى نفسه من المكسيك إلى إسبانيا، ومعهما إيطاليا، وقبل هؤلاء جميعا قال المتنبي: وإذا خلا الجبان بأرض / طلب الطعن وحده والنزالا.
والآن أنتقل إلى كونسبسيوني بيكيوتو فهي توفيت قبل أيام بعد أن تظاهرت ضد الأسلحة النووية على مدى 23 سنة في حديقة لافاييت أمام البيت الأبيض عبر عهود خمسة رؤساء أميركيين.
قرأت أن خلال جنازتها في كنيسة لوثر في واشنطن بحضور كبار القوم والصحافة لم تُذكـَر إسرائيل مرة واحدة مع أن بيكيوتو لم تكن تتكلم من دون أن تشير إلى خطر الترسانة النووية الإسرائيلية، وإلى جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين. جريدة «واشنطن بوست» التي يملكها يهود اكتفت بوصف الراحلة بأنها كانت ضد انتشار الأسلحة النووية.
بعد موت بيكيوتو بيومين كانت هناك حفلة جوائز الأوسكار السنوية، ومن تقاليدها أن تُقدَّم هدايا إلى الفائزين، وقد شملت الهدايا هذه السنة «رحلة 5 نجوم» إلى إسرائيل لكل المرشحين لجوائز تمثيل أو إخراج.
إسرائيل هي فلسطين المحتلة، وفيها مستوطنون وحكومة إرهابية تساندهما الولايات المتحدة، وتحديدا الكونغرس الأمريكي الذي يقر لها مساعدات سنوية بطريقة أوتوماتيكية لا تحتاج إلى نقاش. ربما شملت الرحلة «فرجة» على قتل الفلسطينيين.
مع هذا وذاك، صرَّح مجرم الحرب بنيامين نتانياهو بأن إسرائيل ترحب بوقف إطلاق النار في سوريا، إلا أنه طالب الأسرة الدولية، التي تعمل دولة الإرهاب إسرائيل خارجها، بعدم تجاهل مصالح إسرائيل. ما هي هذه المصالح؟ إخراج إيران و«حزب الله» من سوريا في أي تسوية، وهناك مسؤولون إسرائيليون قالوا إنهم يفضلون أن يحكم «داعش» سورية كلها بدل أن يبقى لإيران وجود في سوريا.
ماذا بعد كل ما سبق؟ بعده أن العرب صامتون إزاء الهجمة الإسرائيلية فعندهم ما هو أهم كثيرا، عندهم قتل بعضهم بعضا منذ خمس سنوات قد تستمر خمس سنوات أخرى أو خمسين، ثم يشتمون الصهيونية والإمبريالية ويحمّلون العالم كله ما يرتكبون بحق أنفسهم من أخطاء وخطايا.
المتنبي قال: يموت راعي الضأن في جهله / موت جالينوس في طبّه.
نحن اخترنا أن نموت كالضأن.
عن صحيفة الحياة اللندنية